No Script

قيم ومبادئ

«لوكيشن» إلى الحياة الحقيقية !

تصغير
تكبير

الإنسان يبدأ حياته منذ الولادة بضعف وجهل وقلة ذات اليد، ثم ينتقل في أطواره فتبدأ حياته من نُطفة ثم عَلقة، ويتحوّل بعدها إلى مُضغة إلى أن يتكوّن إنساناً في الأرحام، ثم يُولد في سنّ الرضاعة وهو في غاية الضعف وعدم القدرة وذهاب الإرادة، ثم تزداد قوته مع الأيام وصولاً إلى مرحلة الشباب حيث تستوي قوته وتكتمل أعضاؤه الظاهرة والباطنة لينطلق في الحياة، ثم يعود مرة أخرى إلى ضعف البُنية والشيبة والهرم، وهنا تظهر الحكمة الإلهية في كل إنسان أن يرى ضعفه وأنّ قوته محفوفة بضعفين سابق ولاحق، وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية الله له لما وصل إلى قوة وقدرة عقلية وعضلية، يستطيع بها القيام والجلوس والخروج والدخول والأمر والنهي.

ولو استمرت قوته وقدرته على وتيرة واحدة لطغى وبغى وعتا عتواً كبيراً، وبهذا يعلم الجميع كمال قدرة الله التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء ويقدّر بها المقادير ويدبّر الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص ولا نسيان.

كثير من الناس يغفل عن هذه الحقيقة، ويقع أسيراً للغفلة التي تعتري الإنسان، بسبب قلة التحفظ والتيقظ، وهي سذاجة وعدم تمييز بين ما ينفع الإنسان ومايضره، فيتوه في دروب الحياة الوعرة، مع نسيان نفسه وهي داء عضال قلّ مَن يسلم منه، بحيث تجد الإنسان قد شغل فكره وكرّس حياته وسخّر جميع طاقاته من أجل هوايته أو طعامه، الذي يفضله أو شهوته التي ملكت قلبه ولم ترتفع همته ولا إرادته إلى ما هو فوق ذلك، وانشغل بما يقوله الناس عنه وجعلَ غايته رضى الناس عنه !

جاء في الأثر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ثم نزل ومَن معه على أعرابي في الطريق، فضافهم الأعرابي ثم أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكافئه على صنيعه في الضيافة، فقال له تمنَّ يا أَعرابي فقال يا رسول الله شاة أحتلبها وناقة أتبلغ بها في سفري!

فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم أوَ غَير ذلك، فقال: هو ذاك فقال: لكَ ما أردت، ثم التفت الرسول صلى الله عليه وسلم إلى صحابته موجهاً ومعلماً، فقال أيعجز أحدكم أن يكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟ قالوا يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل ؟ قال: «إنَّ موسى عليه السلام لما سارَ ببني إسرائيل من مصر ضَلّوا الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إنَّ يوسفَ عليه السلام لمّا حضره الموتُ؛ أخذ علينا موثقاً من الله، ألّا نخرجَ من مصر حتّى ننقلَ عظامَه معنا» أي بدنه، قال: فمن يعلمُ موضع قبره؟ فقالوا عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فقال: دلَّيني على قبر يوسفَ، قالت: حتى تعطيني حُكمي. قال: وما حكمكِ؟ قالت: أكونُ معك في الجنة، فكره أن يعطيها ذلك، فأوحى اللهُ إليه أن أعطها حكمَها، فانطلقت بهم إلى قبره، فلما احتملوه فإذا الطريقُ أمامهم مثل ضوء النهار.

هذه هي سُنة الله تعالى في بني آدم فكلّ إنسان يعمل ويكدح ويحفد ويزرع ثم يحصد إما خيراً أو شراً، أو يخلط بينهما ثم يلاقي ربه بعمله، والجزاء بحسب العمل، وليكن عملك أيها العاقل مما ينجيك من سخطه ويوجب لك رضاه، ولا تنتقل من هذه الدار إلى دار القرار إلا بزادٍ صالح وعمل صالح، واعلم أنّ مافي هذه الدار كلّه زائل لن يدوم، شهواتها لن تدوم، ومناصبها لن تدوم، وأمراضها لن تدوم، فاعمل للدار البقيةة نعيمها باقٍ وطعامها دائم وشبابها دائم وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون.

الخُلاصة: (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ). هنا وصلتَ إلى وجهتك؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي