يحظى بسيطرة كبيرة على الديموقراطيين الأميركيين

سيناريو اللوبي الإيراني ومالي... هيمنة طهران «تنهي الكولونيالية»

روبرت مالي دخل الادارة الأميركية... «فاتحاً»!
روبرت مالي دخل الادارة الأميركية... «فاتحاً»!
تصغير
تكبير

لم تهدأ بعد العاصفة التي أثارها، قيام مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) في يناير الماضي، باعتقال الأكاديمي الايراني الأميركي كاوه أفرسيابي، بتهم العمالة لطهران، وعدم تصريحه عن تقاضيه أموالاً من البعثة الايرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، مقابل «محاولته التأثير في الرأي العام الأميركي، وفي رأي صناع السياسة الأميركية، لمصلحة مشغله الايراني، وتصوير هذه الدعاية الايرانية على أنها تحليل موضوعي».

واتهمت وزارة العدل، أفرسيابي، بتقاضي ربع مليون دولار منذ 2007، وهو العام الأخير لمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية الايراني اليوم، كمبعوث لبلاده لدى الأمم المتحدة.

وظريف هو مؤسس اللوبي الايراني في الولايات المتحدة، فالوزير الايراني انتقل الى أميركا عام 1977 لدراسته الثانوية، ثم دخل الجامعة وتخصص فيها، وتخرّج بشهادة الدكتوراه في 1988.

أثناء اقامته طالباً في أميركا، وطّد ظريف صداقات مع كبار المتمولين الذين كانوا فرّوا من ايران، مع اندلاع الثورة وانهيار نظام الشاه في 1979.

وفي سني إقامته، عمل أيضاً لدى البعثة الايرانية للأمم المتحدة في 1982.

وعام 2002، عينت طهران ظريف رئيساً لبعثتها لدى الأمم المتحدة، فعكف الديبلوماسي الايراني على إعادة تنشيط شبكة علاقاته مع ايرانيي الولايات المتحدة، الذين تتركز غالبيتهم في لوس انجليس.

وأقنع ظريف، المنفيين، بأن بلادهم مستهدفة، خصوصا من قبل الاسرائيليين والعرب، وأن عليهم دعمها بغض النظر عن موقفهم من النظام.

كذلك نجح في ضمان زيارة معارضين ومنفيين بعد عقود على غيابهم عنها، وكسب بذلك ودهم.

وفي أثناء عمله سفيراً لدى الأمم المتحدة، تواصل ظريف مع ايراني سويدي كان انتقل الى الولايات المتحدة بحثا عن عمل، اسمه تريتا بارسي، وعمل الرجلان على تنظيم زيارات لمشرعين أميركيين الى ايران كجزء من حملة العلاقات العامة التي كانا يرسمانها لتحسين صورة النظام في واشنطن واعادة العلاقات مع ايران، حسب الشروط الايرانية.

وقام بارسي لاحقا بإنشاء «المجلس القومي للايرانيين الأميركيين»، وهو أول شبكة لوبي ايرانية.

لكن جهود ظريف أثارت حنق بعض الايرانيين الأميركيين، مثل حسن داعي الاسلام، الذي كشف علاقة بارسي بظريف والنظام الايراني، فما كان من بارسي وجمعيته الا أن رفعا دعوى قدح وذم لتكذيب داعي الاسلام، فأمرت المحكمة الطرفين بكشف مراسلاتهما الالكترونية، التي أكدت تواصل بارسي وظريف.

وفي 2013، برّأت المحكمة الفيديرالية في واشنطن داعي الاسلام، واعتبرت أن ما أورده عن علاقة بارسي بالنظام الايراني كان صحيحاً، وأمرته بتسديد عطل وضرر للمدعي، وبتغطية التكاليف القضائية.

لكن انكشاف بارسي كعميل ايراني لم يعق نشاطاته، فمضى في توسيعها، وتحالف مع حركة معاداة حرب العراق، وانقلب من السياسة الأولى التي كان انتهجها اللوبي الايراني، والتي كانت تقضي بمحاباة اسرائيل ومحاربة العرب، الى سياسة بديلة تقضي بمعاداة اسرائيل والعرب، والافادة من السياسات داخل الحزب الديموقراطي التي تسير في هذا الاتجاه.

وما يجعل اللوبي الايراني، متيناً، أنه «عضوي»، وممول من إيرانيين أميركيين، من أمثال الملياردير بيار عومديار، مؤسس موقع «اي باي»، ممول موقع «انترسبت»، الذي تحول الى اداة دعاية ايرانية.

و«لوبي عضوي»، يعني أنه معفى من مهمة التصريح عن مصادر تمويله لأنها تأتي من أميركيين، على عكس لوبيات كندا وألمانيا، مثلا، اللتين تنفقان أكثر من 15 مليون سنويا على علاقاتها العامة في واشنطن، ولكنها أموال مكشوفة ومصرح عنها لأن مصدرها خارجي.

ثم أن «اللوبيات العضوية» تسمح بالفوز بولاء أعضاء في الكونغرس بقوة الكتلة الانتخابية الايرانية الأميركية، على عكس اللوبيات الممولة من الخارج والتي تعاني من محدودية الفوز بتأييد سياسيين أميركيين.

وفي لوس انجليس وعموم ولاية كاليفورنيا، نجح بارسي في تجنيد الايرانيين الأميركيين، ومن بينهم عدد من كبار الأثرياء والعاملين في «وادي سيليكون»، فاكتسب بذلك اللوبي الايراني الولاء المطلق لبعض أعضاء الكونغرس ممن يمثلون هذه الدوائر الانتخابية، ومنهم رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي، التي هاجمت الرئيس السابق دونالد ترامب بضراوة على اثر اغتيال الجنرال الايراني قاسم سليماني.

ومن أعضاء الكونغرس من كاليفورنيا أيضاً، رو خانا، الذي عمل رئيسا لحملة المرشح الديموقراطي السابق السناتور بيرني ساندرز. وتظهر تصريحات خانا، لا تأييد مطلقاً للنظام الايراني فحسب، بل هو عداء شرس لخصوم ايران في المنطقة، مع ما يعني ذلك من تصريحات له في كبرى الصحف الأميركية يهاجم فيها بشراسة بعض الدول الخليجية.

ورمى اللوبي الايراني بثقله خلف ساندرز، الذي يتمسك بانحياز لا ريب فيه لايران ضد الدول العربية، وشن حملات تقذيع بحق جو بايدن.

لكن انتصار بايدن الرئاسي، فاجأ اللوبي، فأقنع ساندرز بعدم الانسحاب من الانتخابات التمهيدية لمصلحة بايدن الا ان قدم الأخير تنازلات.

واجتمع المرشحان، وطالب ساندرز بتنازلات على أصعدة متعددة داخلية وخارجية.

لكن اللوبيات الأميركية الاخرى داخليا أقوى من لوبيات ساندرز، فلم يتراجع بايدن لساندرز في المواضيع الداخلية، لكن الملف الخارجي لم تكن المنافسة عليه شديدة في صفوف الديموقراطيين، فقدم بايدن سلسلة كبيرة من التنازلات، وانخرط اللوبي الايراني في حملة بايدن.

ومع فوز بايدن بالرئاسة، صارت سياسته الخارجية صنيعة اللوبي الايراني، وهو ما أفضى الى تعيين روبرت مالي مبعوثا رئاسياً حول ايران.

مالي كان مشكلة حتى بالنسبة للرئيس السابق باراك أوباما، الذي أبقاه خارج ادارته في الولاية الأولى، وعينه في مناصب قيادية وانما بعيدة عن الأضواء في ولايته الثانية.

هذه المرة، دخل مالي الادارة الأميركية «فاتحاً»، وراحت نظرياته حول ضرورة «انهاء الكولونيالية» حول العالم تنتشر، ووصفه أحد أصدقائه بالقول إنه «يرى الأمور دائماً من وجهة نظر القوى التي لا تتفق مع أميركا».

ويخال الديموقراطيون من «معادي الامبريالية، أن هذه هي النظرة العادلة للأمور، فيصبح دعم أميركا للنظام الايراني هو في مصلحة الشعب الايراني، الذي يعتبره أصدقاء مالي في«انترسبت»، من شعوب العالم الثالث.

سياسة بايدن ليست غامضة ولا عرضة للتطورات والمفاوضات مع ايران، بل مدروسة تصوّر تطابقاً بين رؤية أميركا القاضية بالانسحاب من الشرق الأوسط مع سياسة ايرانية تهدف الى طرد الولايات المتحدة من المنطقة والخليج، والحلول مكانها عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً، والهيمنة على المنطقة، وتصدير الثورة القائمة على استبدال الحكومات القائمة بحكومات بديلة ضعيفة الى جانب ميليشيات حاكمة وموالية.

هذا السيناريو يراه اللوبي الايراني ومالي«انهاء للكولونيالية» وإعطاء الشعوب حق تقرير مصيرها، وهي نظرية، وان عرجاء، تشكل غطاء أميركياً كافياً للتصور الإيراني للهيمنة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي