عودة واشنطن إلى الاتفاقية النووية صارت «ناجزة» والتنفيذ قد يتم قبل يوليو

«تراشق» بايدن - طهران «إعلامي»... والتسوية خلال أسابيع!

تصغير
تكبير

- الباحث هنتوف: سوق النفط قد تشعر بالقلق من العودة المفاجئة لمليوني برميل من النفط الإيراني يومياً

يعطي كل من الرئيس الأميركي والمسؤولين الإيرانيين انطباعاً بأنهم يتشددون في مواقفهم، وأن كل منهم يعاند الآخر: جو بايدن يقول إن إدارته لن تعود عن عقوباتها ما لم تعد إيران أولاً إلى نسب وكميات تخصيب اليورانيوم التي كانت عليها إبان توقيع الاتفاقية النووية، فيما تكرر طهران أنها في موقع رد الفعل، أي أن المشكلة بدأت مع العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، وأن التسوية لا تكون - منطقياً - إلا بتراجع واشنطن، أولاً.

لكن العارفين في العاصمة الأميركية يشيرون إلى أن التصريحات المتبادلة هي من باب الاستعراض السياسي، وأن «قنوات الاتصال» مفتوحة والمفاوضات عبر الأوروبيين جارية على قدم وساق. ويقولون إن خطة عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاقية النووية صارت «ناجزة»، ويبقى مباشرة التنفيذ، الذي يستغرق أسابيع قليلة، وقد يتم إنجاز كل الأمر قبل حلول يوليو المقبل، أي قبل موعد الانتخابات الإيرانية في أغسطس.

والخطة الأميركية للتسوية تشبه تلك التي يقترحها الديموقراطيون وإدارة بايدن على الرئيس السوري بشار الأسد، ويطلقون عليها «مقاربة من مراحل»، أي أن تقوم واشنطن برفع للعقوبات تدريجيا بالتزامن مع تجاوب إيران، مثلاً أن خفّضت نسب التخصيب، تقوم الولايات المتحدة بتحرير الأموال الإيرانية المجمدة في مصارف عالمية، وان قامت بشحن الفائض العالي التخصيب إلي الخارج، تقوم واشنطن برفع الحظر عن شراء طهران، طائرات مدنية.

والخطة هي من بنات أفكار المبعوث الأميركي المسؤول عن الملف الإيراني، روبرت مالي، وكانت نشرتها بالتفاصيل على موقعها «مجموعة الأزمات الدولية»، التي كان يترأسها مالي، قبل أن يتم تعيينه مسؤولاً عن إيران.

على أن الثغرات في الدراسة كثيرة وجلية، أولها أنه يبدو أن مالي يعتقد أن وضع الخليج العربي وإيران كان مستقراً قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، وهو افتراض غير صحيح، بحسب المعلقين الأميركيين.

أما الثغرة الثانية فتتمثل في أن الدراسة لا تقدم ضمانات بأن إيران ستعود إلى المفاوضات، في حال تمت عودة الطرفين بنجاح إلى الاتفاقية، للتفاوض حول برنامجها للصواريخ البالستية ورعايتها للميليشيات التي تصنفها أميركا - وبعض دول العالم - «إرهابية»، بل إن جلّ ما يعد به مالي هو أن تفتح الاتفاقية الباب أمام إجراء محادثات أوسع مع الإيرانيين بعد العودة للاتفاقية.

ومما جاء في نص الدراسة أن «الجدول الزمني المتدرج لإعادة الجانبين إلى الامتثال الكامل هو أفضل طريق نحو خفض التصعيد النووي والإقليمي، ما يفتح الباب أمام إمكانية إجراء محادثات أوسع مع الرئيس الإيراني المقبل».

ويبدو أن مالي لا يريد انتظار عودة الطرفين إلى تسوية، بل يدعو الأوروبيين إلى مباشرة نشاطهم الاقتصادي مع إيران فوراً وقبل التسوية، ويحض الحكومات الأوروبية على منح شركاتها تحفيزات، على شكل تخفيضات ضرائبية، لحملها على الاستثمار في الاقتصاد الإيراني وإعادة تشغيل عجلته.

وتنقل الدراسة عن مسؤول إيراني، من دون أن تسميه، أنه «يبدو أن الخلاف، والتصعيد العسكري الكبير مع الولايات المتحدة في أوائل عام 2020، أثار جدلاً حاداً في طهران حول الحكمة من المزيد من الاستفزازات الإقليمية».

وأضاف: «في نهاية المطاف، لا يمكننا الفوز في المجالات العسكرية والديبلوماسية والاقتصادية حيث تتمتع الولايات المتحدة بالتفوق الطبيعي».

واعتبرت الدراسة أن «المسؤول الإيراني الكبير» اعترف أنه «كلما صعّدت إيران بشكل أكبر،زادت قوة يد الولايات المتحدة، لكن على الرغم من كل ذلك، فإن رأي الغالبية في الداخل، أن عسكرة الصراع مجدية».

وأضافت أن عصر «الضغوطات القصوى» يقترب من نهايته، وهو ما يقدم خيارين، أولهما أنه يمكن للعودة للاتفاقية النووية مع إيران أن تحصد فوائد كبيرة في مجال مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأن «تعيد إحياء الاتصالات الأميركية - الإيرانية التي تلاشت في ظل إدارة ترامب، وهي اتصالات لمناقشة القضايا الإقليمية».

وختمت الدراسة أن«على إيران الامتثال الكامل لالتزاماتها، مقابل عودة أميركية سريعة ورفع العقوبات، لكن هناك مخاطر بأنه في حالة إيران، قد يؤدي الفشل في التعامل بشكل معقول مع إدارة بايدن إلى تقويض التعاطف الدولي الذي كسبته بصفتها الطرف المتضرر بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاقية».

في سياق متصل، نشر الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية اليوت هنتوف، على موقع«معهد الشرق الأوسط»، مطالعة اعتبر فيها أن «إيران اليوم في وضع أصعب مما كانت عليه أثناء خوضها المفاوضات التي أفضت للتوصل للاتفاقية النووية في أكتوبر 2015».

وقال إن«إستراتيجية الضغوط القصوى ربما لم تسفر عن نتائج سياسية ملموسة، لكن ضررها الاقتصادي على إيران كان أشد من عقوبات الرئيس السابق باراك أوباما».

وتابع أن «الناتج المحلي الإيراني تقلص بأرقام مضاعفة في العام ما قبل الماضي، وهو انهيار اقتصادي جعل إيران من الدول القليلة التي لم يختلف وضع اقتصادها مع انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، العام الماضي، عما كان عليه قبل الوباء».

وأضاف الباحث الأميركي أنه قبل الاتفاقية «كانت إيران تعاني عجزاً مالياً صغيراً، فيما يتجاوز عجزها اليوم، أربعة في المئة من ناتجها المحلي، وهي غير قادرة على الاقتراض من أسواق المال الدولية، لذا فإن استمرار العجز الضخم يؤدي إلى أزمة إيرانية لا سابق لها في العالم».

وختم هنتوف أن «إيران قادرة جدا على استعادة الإنتاج بسرعة، وبالتالي قد تشعر سوق النفط بالقلق من العودة المفاجئة لمليوني برميل من النفط الإيراني يومياً، وهو ما يعود على الجمهورية الإسلامية بنحو 35 مليار دولار من عائدات التصدير، أي ما يعادل سبعة في المئة من الناتج المحلي، وهو ما يشكل ضعف العجز المالي المقدر للحكومة هذا العام».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي