No Script

قيم ومبادئ

الترقية بالأقدمية!

تصغير
تكبير

جاء الإسلام بتكريم ذي الشيبة وعامِل السن مُعتبر في التقديم من باب التكريم والآداب العامة مثل الأكل والشرب والطيب، ومحل ذلك إذا لم يُعارض فضيلةَ السن فضيلةٌ أرجح منها وإلا قدمنا الأرجح، كإمامة الصلاة والإمامة العُظمى وولاية النكاح، ولا منافاة مع بقية الأحاديث، كالأمر بتقديم مَن هو أكبر سنّاً مثل حديث (كبّر كبّر) في باب القسامة، ويعني أنك لا تتحدث في مجلس يكون فيه مَن هو أحق بالحديث منك وليس في قواعد الشريعة الإسلامية المستقرة، ما يدل على أنّ السنّ يُقدّم به الإنسان في كل شيء، بل إنّه شيء يحصل به التقديم فقط.

وآفة الآفات أن يقود البعض الإدارة بعقلية عفى عليها الزمان، ولا يريد أن يترك المجال لغيره ولا أن يزاحمه أحد ومع ذلك تجده، يجيد تصريف غيره وتطفيشه من عمله، وعلى هذا جرت العادة في أجهزة الدولة! ومع أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أمرني جبريل أن أقدّم الأكابر).

إلا أنّ هذا من باب الإكرام مثل بداية الكلام في المجالس وتقديم الطيب والمصافحة، أمّا في إمامة الصلاة فلا، لحديث (يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا سواءً فأعلمهم بالسنة فإن كانوا سواءً فأقدمهم هجرة، فإن كانوا سواءً فأكبرهم سناً) وهذا التكريم فقط لحافظ القرآن والعالم بالسُّنة والمهاجر في سبيل الله ويعني أنه من المهاجرين الأولين، وهذا أساس المفاضلة آنذاك. وهذا الأدب الإسلامي الجميل أصبح اليوم نسياً منسياً.

فأصبحت المجالس إلا ما ندر، يجلس الفتى الصغير في صدر المجلس أو الديوانية، يتحدّث ويملأ الأجواء حديثاً، ويوجد من كبار السن في هذا المجلس، أو مَن هم أكبر منه سناً وأولى بالحديث منه وهم صامتون! وكما جاءت الشريعة المطهرة بإنزال الناس منازلهم، وإعطاء كلّ ذي حقٍ حقه، فالوالد له حق والكبير له حق وشيخ القبيلة له حق والمعلم له حق وهكذا.

ولكن من المؤسف حقاً أن ترى في جيل الشباب مَن يعامل الجميع معاملة واحدة، فيعامل التلميذ كما يعامل الأستاذ؟ ويعامل ولي الأمر كما يعامل عوام الناس، فهذا ليس من الإسلام في شيء، ولربما تعمّد البعض ظنّاً منه أنّ هذا من القوة في الحق وإبداء الرأي! كما أنّ الكلام مع العلماء ليس كالكلام مع العوام، والكلام مع ذوي الهيئات والمروءات وأهل الفضل ليس كالحديث مع غيرهم، مع لزوم احترام الجميع وتقديرهم والتأدب معهم، وأن يبتعد الإنسان عن الكلام الذي يسيء ويجرح ولا يعود بخير ويورث الوحشة في النفوس، وتتنافر منه الأرواح، (فليس منا مَن لم يرحم صغيرنا ويعرف حقّ كبيرنا).

بعد هذه المقدمة أقول: مواد الترقية في قانون الخدمة المدنية لا بدّ أن تتماهى مع (البديل الإستراتيجي)، وهذا من شأنه نقل الكويت إلى كويت جديدة في مفهوم العمل والإنجاز، بمعنى تغيير الموروث القديم في الترقيات واعتماد تقارير الأداء، قبل شغل أي منصب قيادي وتطبيق واعتماد الأفضل والأصلح في الترقيات، لتشمل الخبرة والكفاءة بالأداء والعمل، ولا منافاة مع ما جاء في صدر المقال ذلك أن تفاضل الأعمال بحسب الأحوال، فمثلاً مَن أنفق ديناراً في العهد المكي وهو وقت العسرة وضيق ذات اليد، ليس كمن أنفق ألفاً في حل الرخاء.

والتفضيل بين الأعمال والأشخاص قد يتوهم منه نقص وقدح في المفضول، إلا أنّ هذا الوهم يندفع بمعرفة قاعدة (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها).

الخلاصة: قال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا).

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي