No Script

بوح صريح

الملل مدمر أم محفز؟

تصغير
تكبير

هل تعلم أن الفيلسوف برتراند رسل دخل سجن بريكستون عام 1918 لأربعة أشهر ونصف الشهر، بسبب الدعاية السلمية. لكنه لم يصب بالإحباط والحزن والكآبة. بل وجد العزلة مريحة من إزعاج وطلبات الناس. وبيئة استرخاء وتحفيزاً للعقل على التأمل والتفكير والإبداع.

يقول: «وجدت السجن لا بأس به من نواحٍ عدة. لم يكن لديّ أي ارتباطات. ولا قرارات مصيرية لاتخاذها. ولا قلق من المتصلين أو مقاطعة لعملي»، ويضيف: «قرأت كتباً كثيرة وكتبت هناك كتابي (مقدمة في الفلسفة الرياضية). وبدأت العمل على كتاب (تحليل العقل). وأذكر ذات مرة، كنت أقرأ كتاباً فضحكت بصوت عالٍ. فجاء الحارس ينهرني قائلاً: تذكّر أن السجن عقوبة!

لكنني كنت أعيش تجربة مدهشة ولم أشعر بالملل أبداً». ولديه رأي عجيب في فكرة السأم أو الملل. يقول في (غزو السعادة) 1930: «إن الجيل الذي لا يتحمّل السأم. سيكون جيلاً من المهمشين. أشخاص قطعوا صلتهم بعملية الطبيعة المتأنية. وببطء تذبل دوافعهم الحيوية. كأنها زهور مقطوعة في إناء».

ويقصد هنا أن السأم أو الملل ليس سلبياً بل يتضمن مجالاً متاحاً للتخطيط وشحن الإمكانيات للغد. فلا يجب أن تكون حالة الملل كزهور مقطوعة في إناء بل كزرع في تربة جديدة نعتني به ليثبت جذوره. ونسقيه بالرعاية والاهتمام حتى يظهر ويثمر. أي استغلال حالة السأم وبذر الأفكار فيها لجني ثمارها لاحقاً. وعدم ضياع تلك الفترة حتى لا نكون من المهمشين في الحياة.

ويضيف آرثر شوبنهاور حول فكرة الملل قوله: «لو كانت الحياة تفي مطالبنا وتستند على معنى جوهري. لما وجد الملل. لكن انبثاق شعورنا بالملل دليل على اللامعنى. إنه تعرية لمشاعر مزعجة نحاول أن نواريها غالباً».

كأن حالة الملل هي ثورة اللاوعي ضد تراكم القلق والخيبة والتعب وعدم الوصول والخلافات. في لحظة يقول: تعبت سأتوقف لبرهة ولن أفعل شيئاً. الملل هو حاجة أجهزتنا لعمل حالة تعطل إرادي أو اختياري. لإعادة الشحن والاستيعاب ومحاولة إيجاد موقع ضوء من خلال التخطيط الجديد. عبر فعل لا شيء!

فكيف تكون في حالة ملل لكن محفز ونشط في آن واحد. إنها لمعضلة مدهشة فعلاً. لذا حين تشعر بالملل مرة أخرى. كن على يقين أن أموراً مثيرة ستحدث قريباً. فاستعد وتأهب!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي