No Script

اتجاهات

اقتحام «الكابيتول» انقسام حزبي أم انقسام أمة؟

تصغير
تكبير

المطّلع بعمق على أبعاد الحراك السياسي والاجتماعي الداخلي الأميركي كافة، لن يصيبه مشهد اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول - واحد من أكثر مشاهد أميركا المشينة في تاريخها - بالدهشة أو الحيرة.

بل والأدهى من ذلك، أن أصوات المتوقعين نشوب حرب أهلية داخلية أميركية، ليست محض خيال.

اقتحام الكابيتول ليس عرضاً أو انعكاساً لانقسام حزبي حاد داخل واشنطن، بل الانقسام الحزبي الحاد في حد ذاته، واحد ضمن جملة أمور عاكسة أو كاشفة لانقسام مجتمعي حاد في أميركا.

الأمة الأميركية، ومعها الحزبان، منقسمة تاريخياً حول أمور شتى، فالحزب الديموقراطي على سبيل المثال أقرب لتبني قضايا اجتماعية كالرعاية الصحية وتوسيع نطاق الدعم، في المقابل، الحزب الجمهوري أقرب لتبني أجندة متشددة أخلاقية كرفض الإجهاض.

لكن هذا الانقسام يجري على أرضية «الاستثنائية الأميركية» أي المحافظة على القيم الليبرالية الأميركية والقيادة الأميركية في العالم، فكلا المنطلقين اللذين وضعهما الآباء المؤسسون لأميركا قد وحدا الأميركيين على مدار عقود، وهما أيضاً المصدران الرئيسيان للقوة الناعمة الأميركية وما يسمى «الحلم الأميركي».

انتخاب الرئيس أوباما في 2009، عُد مؤشراً لبداية انقسام مجتمعي حاد في أميركا حول «الاستثنائية الأميركية»، حتى وإن بدا عكس ذلك.

فما يسمى مجتمع الأقليات والمهاجرين، الذين تزايدوا بالملايين نتيجة للهجرة - أحد أهم انعكاسات القيم الليبرالية الأميركية وإتاحة الفرص للجميع على أساس الكفاءة - وكان لهم الفضل الأكبر في وصول أوباما إلى البيت الأبيض.

وانتخابهم أوباما في واقع الأمر كان انعكاساً لتمرد واسع على نموذج القيم الليبرالية الأميركية الذى ينظر إليه على أنه نموذج الرجل الأبيض المسيحي الإنجيلي.

بينما مجريات أحداث مقتل جورج فلويد، التي أظهرت تماماً مدى الانقسام في المجتمع الأميركي - لاسيما بين البيض والسود - أظهرت في ذات الوقت مدى حنق قطاع واسع من الأميركيين من كل ما يمثل هذا النموذج الليبرالي، بما في ذلك التمرد على قيم الديانة المسيحية ذاتها.

والوصول المفاجئ لترامب إلى البيت الأبيض عبر شعاره الرئيسي «أميركا أولاً»، هو عودة صريحة للانعزالية الأميركية، عكس على نحو لا لبس فيه مدى حنق قطاع عريض من الأميركيين من فكرة القيادة الأميركية للعالم، والنموذج الليبرالي الأميركي على السواء.

فترامب لم يخفِ معادته للمهاجرين والهجرة من البلدان الإسلامية، والأقليات والأميركيين من أصول ليست أميركية.

فالرافضون للاستثنائية الأميركية يقدرون بالملايين، والمتمسكون بها أيضاً أو ببعض جوانبها بالملايين، وهذا ما اتضح تماماً من نتيجة الاستحقاق الرئاسي الأميركي، فرغم خسارة ترامب، إلا أنه حصل على أكبر عدد من الأصوات لمرشح جمهوري في تاريخ أميركا.

حقاً الأمة الأميركية منقسمة جداً وهذا ما وضح حتى في التشكيك في نتائج الانتخابات، حتى داخل الحزب الواحد هناك انقسام حاد تقريباً في كل شيء، بدءاً من سياسات التعليم مروراً بسياسات الصحة والاقتصاد، انتهاء بالسياسة الخارجية والهجرة.

لكن هذا الانقسام في فحواه انقسام مجتمعي أعمق حول الاستثنائية الأميركية، وفى وسطه أيضاً تعمّق الانقسامات بشدة حول الأمور الفرعية، كقضايا البيئة والتغير المناخي.

يتفق الكثير من الكتاب أن هزيمة أميركا من الخارج أمر شبه مستحيل، فأخطر ما يهدد أميركا هو انقسامها من الداخل.

ربما مشهد الكابيتول قد يعيد حسابات بايدن، بحيث يجعل إعادة توحيد الأمة من أولوياته الرئيسية، خصوصاً وأن مشهد الكابيتول المشين ضرب مصداقية النموذج الديموقراطي الأميركي في مقتل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي