No Script

خواطر صعلوك

نوال السعداوي أم الفاشنيستات!

تصغير
تكبير

إنّ ما سمعته من أمهات كُثر حول ظاهرة «نزع الحجاب» حيث تأثرت بناتهن بنجوم «السوشيال ميديا» أو الفاشنيستات، بطريقة أقوى وأسرع من تأثير نوال السعداوي على بنات جيلها، جعلني أتساءل عن ماهية المثقف اليوم؟

إن تعاطي المسؤولين في الدولة مع فيديو ينشره أحد روّاد الفضاء الرقمي حول قضية ما، يساوي في قوته أحياناً تعاطي الدولة مع عنوان صفحة أولى في جريدة هي الأكثر انتشاراً.

إن الالتفات إلى ما يكتبه أصحاب المقالات والدراسات والكتب والبحوث وقراءتها والتفاعل معها، يحتاج مهارات كثيرة من الكاتب ليست لها علاقة بالمادة المكتوبة، بل بقدرة الكاتب على النشر والانتشار، والتي أصبحت أيضاً مرتبطة بالصورة.

إنه من الجلي أن صورة المثقف تتغيّر نتيجة التغيرات المحيطة به.

المثقف اليوم هو نجم «السوشيال ميديا» الذي دخل على الخط كشريك مقلق للمثقف التقليدي، فعلى اعتبار قدرة النشر وقوة التأثير، وعلى اعتبار أن المثقف هو ذلك الذي يتعاطى مع الشأن العام، ويؤثر في الرأي العام، وعلى اعتبار آخر مهم وهو أن تغريداتك وسناباتك اليوم هي كتابك الذي تقوم بتأليفه... فيمكننا اعتبار نجم السوشيال مثقّفاً فعّالاً، بعيداً عن اتفاقنا أو اختلافنا معه.

فخلال العشر سنوات المقبلة سنجد سيدات مثقفات بأجساد نحيفة أو سمينة، تتم استضافتهن ومناقشتهن على اعتبار أنهن يقفن أمام مئات بل آلاف من مقاطع الفيديو، وليس الكتب، ولن يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للرجال.

فكما تغيرت القوة من عصر السفن الشراعية والسيف والخيل والمنجنيق والمدافع وسلاح الفرسان، إلى سلاح التلميذ ثم سلاح الطيران والقنبلة الذرية، ثم الاقتصاد والشركات العابرة للقارات ثم المعلومة وسرعتها، فكذلك ستتغير صورة المثقف وسلطته من ذلك الذي يرتدي قبعات غريبة، ويحرص على قراءة الكتب ويدور حول دور النشر ويدعى للندوات مع جمهور لا يتعدى قائمة هاتفه، إلى ذلك الذي إذا نزل الشارع التفت حوله الجماهير وكأنه العز بن عبدالسلام.

وليس في هذا الأمر أي مديح لمثقف عصر الأنوار أو من سار خلف جيل الستينات وليس فيه أي ذم لمثقف «السوشيال ميديا» الذي يتعلم من خلال التجربة والخطأ.

إنما أحاول أن أقدم وصفاً مختصراً يليق بمقال.

مقال أكتبه لك الآن وأنا محاط بأكثر من 4000 كتاب في ديوانية صديقي، الذي يتباهى أمامنا آناء الليل وأطراف النهار بأنه المثقف على الإطلاق، وهذا يكشف أن ذم مشاهير الصورة، يعني أننا نمارس الإقصاء نفسه الذي مارسه مثقف الكنيسة تجاه المختلفين معه، وحاشية الملك في بابل ومصر القديمة تجاه مثقفي المروي والمحكي وما كان يخط على الجدران.

ثم أنني أعتقد أن المشاكل التي كانت تنشأ بين مثقفي الكلمة، هي نفسها المشاكل الموجودة اليوم بين مثقفي الصوت والصورة، فما الفرق بين مثقف ليبرالي يألب الدولة على مثقف إسلامي، أو مثقف إسلامي يألب الجمهور على مثقف ليبرالي، وبين نجمين من نجوم «السوشيال ميديا» اللذين يختلفان حول محتوى ما يقدمانه.

أعتقد أن هذا الكلام الذي أتفلسف به عليكم يشكّل حجة قوية حول تغير بنية المثقف، وقد تضيف إليها أن المثقف التقليدي الذي يعتمد على الكلمة وميدان الفكرة أصبح يتجه في السنوات الأخيرة إلى ميدان الصورة، وأن الكثير من نجوم الصورة أصبحوا يتجهون لتأليف الكتب.

فلا مانع من الجلوس على طاولة واحدة دون التفريق بين من يجلس وخلفه ترسانة من الكتب، وبين من يجلس وخلفه ترسانه من المتابعين، وليكن الحكم والمعيار في القياس هو مدى التأثير لصالح الجميع وفائدة المجتمع.

كانت هذه وجهة نظر استعداداً للقادم ومحاولة لفك الاشتباك، الذي حدث في الديوانية بين صديقي الذي لولا عيناه اللتان تتحرّكان في محجرهما لاعتقدت أنه مومياء محنطة منذ خمسة عشر عاماً بسبب كثرة القراءة، وصديقي الآخر الشاب الوسيم جداً والذي يشارك بآرائه مع سلسلة من القارئات والمتابعات اللاتي يضمنّ له النجاح.

أما إذا كنت تعتقد أني فشلت في فض هذا الاشتباك، فأقل ما أطلبه منك أن تعتبر مداخلتي نوعاً من الهراء، الذي تمت البرهنة من خلاله على أن الأمر لا يستحق (الردح الثقافي)... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

@moh1alatwan

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي