قيم ومبادئ

لكلِّ جَوادٍ كبوة

تصغير
تكبير

«لكلِّ جَوادٍ كبوة»... هذا مثل قديم تتناقله العرب وتكملته ولكلّ صارم نبوة، ولكلّ عالِمٍ هفوة، هذه الثلاث لا بد منها وهي من طبيعة المخلوق الناقص وهذه سُنّة البشر، والكمال لله وحده.

فالحصان القوي الصلب الذي يتدفق حيويةً ونشاطاً قد يَتَعَثّر في عَدوِه السريع لأي سبب كان، ولو بسيطاً، فيسقط على الأرض ويتألّم، وكذلك السيف المُجرّب إذا تجافى عن الهدف فإنّه لا يصيبه، وكذا العالم الجليل قد تصدر منه الهفوة التي لا يخلو منها إنسان في العادة إلا أنَّها في العالم أشدّ أثراً، ولهذا قيل: زلةُ العالِم زلةُ العالم.

ومع عنفوان الحياة ورتمها المتسارع نجد، هنا وهناك مَن يتعثّر ومَن يزل و مَن يغفل، وليس هذا مهماً ولا عيباً ولكن الأهم هو تَجاوز المرحلة والسعي للنهوض مُجدداً، والاستفادة من الأخطاء وعدم البكاء على الأطلال، ولكنّ المؤسف حقاً أن نجد هناك مَن يستكبر ومَن يُعرض ومَن يستهزئ، ويجحد ويكذب ومع شيوع ثقافة الانهزام بين المثقفين والنُّخب السياسية والفكرية ونبش القبور المهجورة والوقوف عند الأطلال، ويتبع ذلك إهمال التخطيط لحاضرنا ومستقبلنا ونتقوقع حول (طمام المرحوم) ونذرف الدموع على (الزمن الجميل) - إن كان حقاً هو جميل - هذا هو السقوط الحقيقي في بني البشر، ومن سنة الله في خلقه بعد الوصول إلى القمة يكون الهبوط التدريجي أو السقوط المدوي.

فمهما ارتفع شيء على الأرض فلا بد أن يضعه الله عزوجل، فالعزُّ إزار الرب تبارك وتعالى، والكبرياء رداؤه، فَمَن نازعه إحداهما عذبه الله ولايبالي به.

ولهذا جاء في الحديث الشريف: (حَقٌّ علَى اللَّهِ أنْ لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِنَ الدُّنْيا إلَّا وضَعَهُ).

وهكذا الحضارة الإنسانية التي سادت ثم بادت كاليونانيين والهنادك ومملكة سبأ وفارس والروم وعاد وثمود والفراعنة، وهي قبائل عاشت قبل آلاف السنين ولكنّها طغت واستكبرت، فأهلكهم الله رغم القوة الهائلة التي لم يُخلق مثلها في البلاد، فقد كانت هذه الحضارات تغصّ بالحياة وبالأنهار الجارية والبساتين والثمار وبالأسواق والتجارات والصناعات والمنسوجات، أين هم اليوم ؟ لا نرى مكانها إلا صحراء قاحلة وأعمدة مُحطّمة وبيئة قاسية وبئراً مُعطلة وقصراً مشيداً! وهذه مساكنهم لم تُسكن من بعدهم.

وقد قِيل (الكَيّس مَن وُعظ بغيره)، ولنعلم جميعاً أنّ بيوتنا ستخلو ذات يوم، وسنرحل معها وتزول معها هذه الدنيا وليس أمامنا سوى الله تعالى فلنستعد لهذا اللقاء.

الخُلاصة: قال القاضي عبدالرحيم البيساني في رسالته للعماد الأصفهاني: إنّي رأيتُ أنّه ما كَتَبَ أحَدُهُم في يَومِهِ كِتاباً إلا قالَ في غَدِهِ، لوغُيّرَ هذا لَكانَ أَحسن ولو زُيِّدَ لكان يُستحسن، ولو قُدّمَ هذا لكانَ أفضل، ولو تُرِكَ ذاكَ لكانَ أجمل، وهذا من عظيم العِبر، وهو دليل على استيلاء النّقص على جُملة البشر.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي