بدا لبنان في ليلةِ «عِناق العَقارب» إيذاناً بوداع عامٍ غير مأسوفٍ عليه وملاقاة سنةٍ مريبةٍ وكأنه في «وقت مستقطع»، أدار ظَهْرَه لِما يَحوط أحوالَه من أهوال وتهويلٍ بحربٍ أو تصعيدٍ كبير، وأمضى ليلةً ليلاء في أحضان طوفانٍ من الفرح والأضواء والهَرج والمَرج.
لم يكن عادياً أن يَضَعَ اللبنانيون جانباً لونَ الضوءِ الذي خَرَجَ به بنيامين نتنياهو من لقائه مع دونالد ترامب حيال احتمالاتِ حربٍ متجدّدة على لبنان... أخضر، أحمر، أو أصفر. فهم أمضوا «رأسَ السنة» في احتفاليةٍ امتدّت حتى الصباح... شلالاتُ أضواء في سهراتٍ عامرة في الأمكنة العامة والبيوتات، ولسانُ حالهم... غداً سنة أخرى.
الأسهمُ النارية التي لَعْلَعَتْ في غير مكانٍ، طَغَتْ على الطقوسِ التي تَعَوَّدَها اللبنانيون في يومياتِ النارِ الإسرائيلية التي تَسْرَح وتَمْرَح و«أَرْشَفَها»، أفيخاي أدرعي رَجُلُ «الخرائط المرقّطة بالأحمر» التي تقضّ مضاجع أبناء الوطن الصغير.
ولم تُخْفِ الليلةُ الراقِصَةُ بين 2025 و 2026 رَقْصَ لبنان على حافةِ الهاويةِ... فوق الحَبْلِ المَشْدود... وبين الثعابين. ربما هو رَقْصُ «المذبوحِ من الخوف» من آتٍ مجهولٍ - معلومٍ، تُضرب له المواعيدُ التي يَبتعد شَبَحُها تارةً ويَقترب من جديد مع العدّ العكسي لـ «اختبار» انتقال سَحْبِ سلاح «حزب الله» إلى مرحلة شمال نهر الليطاني (وتحديداً بين الليطاني والأولي).
والمَوعِدُ الافتراضيّ لهذه المرحلة الذي يُصادف مع بدايةِ السنة يَنتظر إعلاناً رسمياً من الحكومةِ مُتَوَقَّعاً في 5 أو 6 يناير من دون أن يُرْبَطَ بمهلةٍ زمنيةٍ، وهو العنوانُ الرئيسي «الموصولُ» بملفّ حَصْرِ السلاح بيد الدولة الذي طَبَعَ 2025 التي ودّعها لبنان ليَبْقى هذا الملف كما التفاوض الدبلو – مدني مع إسرائيل في كَنَفِ لجنةِ الإشراف على تطبيقِ اتفاق وَقْفِ النار (27 نوفمبر 2024) و«ديعةً» تَحْكُمُ 2026 ومن شأنها تحديد إذا كانت «بلاد الأرز» ستَعبر بأقلّ الأضرار «الجديدة» نحو شاطئ الأمان الدائم، أم ستمرّ عبر «حلقة نار» أخيرة تعدّ لها تل أبيب وتكبحها واشنطن حتى الساعة.
وفي الوقت الذي كان «حزبُ الله» يَمْضي في تثبيت «خطه الأحمر» حول الانتقال إلى شمال الليطاني، مصراً على أن تنفذ إسرائيل أولاً الانسحاب من الجنوب وتطلق الأسرى وتوقف الاعتداءات وبعدها نقاش حول السلاح في إطار في إطار بحث إستراتيجية دفاعية وطنية، برزت طمأنة الرئيس اللبناني العماد جوزف عون أمام زواره اللبنانيين إلى «أن الأجواء السائدة توحي بالإيجابية على الصعد كافة»، مجدداً قوله «إن شبح الحرب أصبح بعيداً، من دون أن يعني ذلك إقصاءه كلياً، والعمل لايَزال جارياً مع مختلف الدول الصديقة والشقيقة من أجل تحييد الحرب بشكل كامل».
واعتبرت أوساط سياسية هذا الكلام الذي أبقى احتمال الحرب قائماً بمثابة «طمأنة غير مُطَمئنة» كثيراً بعدما كان الرئيس عون أعلن قبل أيام أن هذا الشبح ابتعد، متسائلة هل أن تظهير هذا الاحتمال يرتبط بالمعوقات الداخلية، خصوصاً من «حزب الله»، أمام تدشين سحب السلاح شمال الليطاني، وبالغموض الكبير الذي يلف ما قد تقوم به إسرائيل على الجبهة اللبنانية في ضوء إصرار الحزب على إفقاد أي قرارٍ للحكومة في ما خصّ مرحلة «ما بين النهرين» مقوّمات التسويق على أنه «قابل للتنفيذ».
وفيما استوقف الأوساط ما نقله موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أثار مع الرئيس الأميركي في قمة فلوريدا «جهود حزب الله لإعادة بناء ترسانة صواريخه بعيدة المدى في لبنان»، وهو العنوان الذي يشكّل «شرارة» أي تصعيد ضدّ إيران أيضاً، لم تقلّ دلالة الإشاراتُ التي أطلقها السفير الفرنسي في بيروت هيرفيه ماغرو في رسالة تهنئة للبنانيين لمناسبة حلول 2026.
وقال ماغرو:«شهد عام 2025 أحداثاً كثيرة، حيث تم إحراز تقدم ملموس، ولاسيما انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تمثيلية فاعلة. وهكذا، حمل مطلع العام بارقة أمل كبيرة، ولكن سرعان ما اتّضح أن حجم المهمة، بعد سنوات من الأزمات على مختلف المستويات، حال دون تحقيق التقدّم بالسرعة التي كنتم تأملونها (...)». وأشار إلى «أن الطريق مازال شاقاً، من الإصلاح المالي إلى إصلاح القضاء، مروراً بإصلاح الإدارة (...) وتضاف إلى ذلك بالطبع مخاوف حقيقية تتعلّق بالوضع الأمني المحلّي والإقليمي»، مؤكداً «حان الوقت كي يستعيد لبنان مكانته الكاملة في المشرق وعلى ضفاف المتوسط»، ومشدداً على ثبات فرنسا في دعمه على مختلف المستويات بما في ذلك «دعم القوات المسلّحة اللبنانية في أداء مهمتها المتمثّلة في الدفاع عن لبنان وصون سيادته، لا سيّما عبر حصريّة السلاح»، ليختم «إنّ عاماً حافلاً بالاستحقاقات يلوح في الأفق. وهذه الاستحقاقات، بقدر ما تمثّله من تحدّيات، ستشكّل فرصاً واعدة لبلدكم».
وفي موازاة ذلك، كان نائب«حزب الله»علي فياض الذي زار مع وفد من الحزب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي مهنئاً بالأعياد، يعلن من بكركي«وجوب أن يتحد الموقف اللبناني على المستوى الرسمي والحزبي والسياسي كي تلتزم إسرائيل بالقرار 1701 وأن تنسحب من أرضنا، عندها نحن سنكون جاهزين من موقع إيجابي ومتفاعل للبحث في النقاط الأخرى العالقة التي تحتاجها الدولة لبسط سلطتها (...)»، مضيفاً:«نطاق الـ 1701 الجغرافي المحدَّد هو جنوب النهر، وإعلان وقف النار في 27 نوفمبر هو ورقة تنفيذية للـ 1701، وبالتالي أيضاً نطاقها الجغرافي يتبع لهذا القرار».
وتابع:«نحن لا نقفل الأبواب بل نقول إن لبنان التزم التزاماً كاملاً بما عليه في جنوب النهر وفي المقابل العدو الإسرائيلي لم يلتزم مطلقاً ولم ينسحب من المناطق التي احتلها ويقوم باغتيالات يومية على كل الأراضي اللبنانية، وما نقوله إن على إسرائيل أن تلتزم وأن تبسط الدولة سلطتها كاملة في جنوب النهر، أما شمال النهر فهو شأن سيادي لبناني، نحن والحكومة والجيش اللبناني وكل المكونات الأخرى نتناقش في الخطوات التي يطلبها بسط سلطة الدولة على أراضيها كافة في المرحلة الثانية (...) في إطار إستراتيجية وطنية لنعرف كيف نحمي البلد وما هي الأدوات الكفيلة بحمايته».
وفي هذا الوقت، شكّلت جبهة لبنان جزءاً من«جردة العام»التي قدّمها أدرعي عن نتائج«المعركة متعدّدة الجبهات التي عمل خلالها جيش الدفاع في قطاع غزة ولبنان وسوريا ويهودا والسامرة وإيران واليمن لحماية أمن مواطني إسرائيل».
وعن لبنان أعلن«قضى جيش الدفاع خلال العام المنصرم على نحو 380 إرهابياً وهاجم نحو 950 هدفاً عسكرياً ومنها 210 منصات إطلاق ومستودع أسلحة ونحو 140 مبنى عسكرياً ونحو 60 فتْحة نفق. كما سجل نحو 1920 انتهاكاً لاتفاق وقف النار من حزب الله».
وأضاف:«من عناصر حزب الله البارزين الذين قضي عليهم: علي الطبطبائي قائد أركان حزب الله، وحسن كمال مسؤول القذائف المضادة للدروع في جبهة الجنوب، وعباس حسن كركي مسؤول اللوجستيات في قيادة الجنوب، وخضر سعيد هاشم مسؤول القوة البحرية في وحدة الرضوان».