مع استمرار تأجيل إجراء سحوبات الجوائز المصرفية، منذ 25 مارس الماضي، في مسعى رقابي لإعادة تقييمها وحوكمتها بإجراءات أكثر شفافية، رصدت بعض البنوك الفترة الأخيرة انتقال حصة متزايدة من السيولة المودعة في هذه الحسابات، وربطها من جانب أصحابها بأخرى تتعلق بالودائع المباشرة.

وتعرف هذه الحركة مصرفياً بالانتقال العضوي للأموال داخل النظام نفسه، على أساس أنها لم تخرج من البنك لآخر، بل انتقلت من حساب شبه مجاني الفائدة، مقابل دخول أصحابها في سحوبات الجوائز المقررة، إلى آخر محمل بعائد ثابت يقدر وفقاً لمعدلات التسعير المتداولة في السوق المحلي، والذي يقارب حالياً نحو 4 %.

إيداع مستمر

ورغم عدم وجود بيانات رسمية تفيد بالقيمة المجمعة لأرصدة حسابات جوائز البنوك المودعة في حسابات السحوبات، هناك ترجيحات بأنها تقارب 2.5 مليار دينار، موزعة مصرفياً بشكل متباين، حسب الحصص السوقية لكل بنك لديه حسابات جوائز، وخططه للتوسع في هذا النطاق.

وإلى ذلك، قالت مصادر لـ«الراي»، إن بعض الأموال التي كانت تودع في يوم من الأيام بشكل مستمر في حسابات الجوائز لدى المصارف، بدأ يتسرّب إلى حسابات تمنح فوائد ثابتة على الأموال، مشيرة إلى أن الحركة المرصودة في هذا الاتجاه لا تشكل انتقالاً كلياً لسيولة حسابات الجوائز، بل جزئي، ويرجح أن يكون موقتاً إلى حين السماح مجدداً بترخيص استئناف هذا النشاط، حيث يستهدف العملاء المتحركين في هذا النطاق كسب أي شيء أعلى من صفر، أخذاً بالاعتبار أن بعض البنوك تمنح فائدة على حسابات سحوبات الجوائز تقارب 1 %، التي لم تعد على ما يبدو محفزة لضمان استقرار هذه النوعية من الأموال، وسط تعليق سحوبات جوائزها حتى إشعار آخر.

نشاط السيولة

وبينت المصادر، أن نسبة نشاط انتقال السيولة بين الحسابات تختلف من بنك لآخر، حيث تشكل لدى بعضها نحو 20 % من إجمالي أموال العملاء المودعة في هذه الحسابات، في حين تقل أو تزيد مستوياتها في بنوك أخرى حسب نوعية وتوجه العميل، ما يعزز فرضية الهجرة العكسية لهذه الأموال مجدداً من حسابات الودائع إلى الجوائز بمجرد استئناف نشاطها.

ونوهت، إلى أن عميل حسابات الجوائز يتمتع بخصوصية مختلفة في إدارة أمواله وعوائده، عن نظيره المستقر في أوعية الادخار ذات الفائدة المباشرة، حيث يفضل إيداع أمواله في حسابات تغذي شغفه بفرص الفوز بربح الجوائز المليونية، أكثر من الاكتفاء بالعائد التقليدي المقرر على الودائع، مفيدة أنه وحتى استئناف البنوك لسحوبات جوائزها يكون منطقياً من الناحية النفعية، محاولة العملاء الاستفادة بفوائد ثابتة على أموالهم المركونة في حسابات الجوائز أو جزء منها بالانتقال الجزئي إلى أوعية الودائع التقليدية ذات العائد الثابت.

تحرّكات أوسع

وذكرت المصادر أنه من الناحية المصرفية يمثل التحول في سلوك العملاء بهذا الاتجاه أكثر من مجرد تفضيل أو طلب للفائدة الإضافية، إلى تحول موقت في تركيبة الهيكل النقدي ومعدل تكلفة الأموال المترتبة على ذلك، مشيرة إلى أنه تزامناً مع النشاط المتزايد في هذا النطاق، وضمن تحركات أوسع يقودها صانعو السياسة المصرفية للحفاظ على قاعدة العملاء والنمو بها دون أي ضغوط، بادرت بعض البنوك إلى مغازلة العملاء لضمان استقرار أموالهم.

تسويق مصرفي

ولفتت المصادر إلى أن بعض البنوك بدأ الفترة الأخيرة تسويق حسابات توفير ثابتة على المدخرات، من خلال استقطاع مبلغ شهري ثابت، بفائدة تصل 4 %، ما يشرع الباب المصرفي لمزيد من المنافسة على استقطاب الأموال، خصوصاً المستقرة، مدفوعة بإستراتيجية الحفاظ على الحصص السوقية، وتوقعات النمو الائتماني خلال الفترات المقبلة، المعززة بنشاط مشاريع التنمية الملموس والمرتقب الفترة المقبلة، وما يرتبط به من زيادة في نشاط القطاع الخاص.

وأضافت المصادر أن جميع البنوك التي لديها حسابات جوائز تعمل حالياً على استيفاء الشروط الرقابية لاستئناف سحوباتها، بإجراءات تراعي قواعد الحوكمة السليمة، مع الحصول على ترخيص مسبق من وزارة التجارة والصناعة، وفقاً للقانون رقم 2 لسنة 1995، بشأن التنظيم والإشراف على الدعاية والترويج للسلع والخدمات.

وأشارت، إلى أن المصارف بدأت إجراء تدوير مكتب التدقيق الخارجي المكلف بعملية فحص السحوبات، التي تتم على حسابات العملاء، مع التنسيق لقيام مكتب التدقيق الخارجي بمراجعة جميع السحوبات على حسابات العملاء، بغض النظر عن قيمة جائزة السحب، فيما سيشمل عمل مكتب التدقيق الخارجي الرقابة على البرمجيات المستخدمة لاختيار الفائزين، كما سيتم توحيد المتطلبات الفنية الموجودة في تلك البرامج، من خلال تعيين مستشار فني لتلك المتطلبات.

تأجيل السحوبات

وفي هذا الخصوص، وبعد مرور نحو 9 أشهر على تأجيل سحوبات الجوائز (منذ 25 مارس الماضي)، يبرز السؤال: كيف ستتعامل البنوك مع سحوباتها المؤجلة، سواء اليومية والأسبوعية والفصلية ونصف السنوية والسنوية، إن تصادف إجراؤها قبل استئناف النشاط؟

وإلى ذلك، أفادت المصادر أن التوجه المصرفي نحو إجراء جميع السحوبات المؤجلة عن طريق الدمج، وذلك حفاظاً على حقوق العملاء، سواء في يوم واحد أو خلال أيام متتالية، حسب محدد القدرة الفنية والتنظيمية، وبما يضمن الشفافية التامة والوضوح والمصداقية.