يشهد عالم اليوم ظاهرة نفسية واجتماعية ملحوظة، حيث يجد عدد متزايد من الشباب صعوبة كبيرة في الانتقال من مرحلة الاعتماد على الأسرة إلى مرحلة الاستقلالية الكاملة، وهي الحالة التي يُطلق عليها خبراء علم النفس مصطلح «الفشل في الانطلاق».
ولا تُعد هذه المشكلة مجرد كسل أو نقص في الطموح، بل هي نتيجة معقدة لتشابك عوامل اقتصادية واجتماعية ونفسية.
فمن الناحية الاقتصادية، تواجه الأجيال الشابة تحديات هائلة مثل ارتفاع تكاليف المعيشة، وأزمة الإسكان، وندرة الوظائف المستقرة ذات الأجور المجزية، ما يجعل تحقيق الاستقلال المالي حلماً صعب المنال.
من جهة أخرى، تلعب أنماط التربية الحديثة دوراً محورياً في هذه المعضلة، فالتركيز المفرط على حماية الأبناء من الفشل والتجارب الصعبة، بدلاً من تمكينهم وتدريبهم على مواجهة تحديات الحياة، قد يخلق شباناً يفتقرون إلى المهارات الأساسية لمواجهة الحياة بمفردهم، مثل إدارة الميزانية الشخصية أو تحمل المسؤوليات الكاملة.
ويتفاقم هذا الوضع بسبب الضغوط النفسية الهائلة، حيث يزيد الخوف من الفشل ورهبة اتخاذ القرارات المصيرية من حالة الشلل الوجودي، ما يدفع الكثيرين إلى البقاء في منطقة الراحة التي توفرها العائلة.
ومن أهم العوامل الرئيسية المساهمة في الظاهرة:
• الاقتصادية: البطالة، وارتفاع تكاليف السكن والمعيشة.
• الاجتماعية: تغير توقعات المجتمع وتأخر سن الزواج.
• النفسية: الخوف من الفشل، القلق، الاكتئاب، وانعدام الثقة.
• التربوية: الحماية الزائدة من الوالدين وعدم تعليم مهارات الاستقلال.
ويؤكد أخصائيون نفسيون أن الحل لا يكمن في لوم الشباب، بل في فهم جذور المشكلة والعمل على معالجتها بشكل منهجي. يتطلب ذلك تضافر جهود الأسرة والمؤسسات التعليمية والجهات الحكومية.
وعلى الوالدين تشجيع الاستقلالية الصحية منذ الصغر، بينما على المجتمع خلق فرص حقيقية للشباب وبناء شبكات أمان تدعمهم أثناء محاولاتهم الأولى للانطلاق، ما يضمن تحولهم إلى بالغين مستقلين ومساهمين بفاعلية في بناء مجتمعاتهم.