في عالم يقيس النجاحات غالباً بالأرقام اللامعة والمظاهر الخادعة، يبرز رجل الأعمال الهندي كولديب سينغ لامبا، كاستثناء نادر، يذكّرنا بأن القيمة الحقيقية تُبنى بالصبر والصدق والتواضع. فالطفل الذي فقد والدته في مهده، ثم أصبح لاجئاً في شبابه هرباً من أهوال تقسيم الهند، يعد اليوم أحد أبرز رجال الأعمال الهنود في الكويت، وقد رسم لامبا، طريقه وسط التحديات، دون أن يتنازل يوماً عن مبادئه.

ورغم النجاح الذي حققه، لا يزال لامبا، العضو المنتدب لمجموعة «الميلم»، يتمسك بتواضعه وبساطة أسلوبه، بعيداً عن مظاهر التفاخر التي ترافق غالباً قصص النجاح. ويقول بثقة: «السر ليس في الحظ، بل في الصدق والعمل الجاد والبركة».

مسيرة ملهمة

ولد لامبا في مدينة جيلوم، الواقعة حالياً في باكستان، وفقد والدته وهو في شهره السادس، فتبنّاه خاله وزوجته، وعاش مع أسرته رحلة نزوح شاقة بعد تقسيم الهند عام 1947، متنقلين بين مخيمات اللاجئين في أمريتسار وأمبالا، قبل أن يستقروا في مدينة لكناو، حيث وجد والده عملاً في السكك الحديدية. وفي سن الخامسة عشرة، بدأ لامبا، العمل لدعم أسرته، بينما كان يكمل دراسته الثانوية ليلاً.

وعندما بلغ الثامنة عشرة، انتقل إلى الكويت ليلتحق بأقاربه الذين كانوا يديرون أعمالاً تجارية. وبعد عامين ونصف العام من العمل المضني لمدة 15 ساعة يومياً، قرر أن يشق طريقه الخاص رغم اعتراض أسرته، وفي عام 1960 دخل في شراكة مع عائلة الميلم لافتتاح محل صغير لبيع الإطارات.

رؤية ونجاحات

شكلت شراكته مع عائلة الميلم نقطة تحول في مسيرة الشركة، إذ تمكنوا من الحصول على وكالات حصرية لعلامات عالمية مثل «كونتيننتال»، «هانكوك»، «توكيو»، «غود يير»، ما عزز من مكانتهم في السوق الكويتي. واليوم، تُعد مجموعة الميلم واحدة من أبرز الشركات في قطاع السيارات، وتمضي بخطى ثابتة نحو التحول إلى شركة مساهمة عامة.

ولا يزال لامبا يحتفظ بصورة قديمة لبوابة الشامية، حيث بدأ حلمه في متجره الصغير، ويقول: «بدأنا من لا شيء، لم تكن هناك مكيفات أو ثلاجات، كنا نستخدم الجرار الطينية - الحِبّ والبرمة - لتبريد الماء. كانت الحياة صعبة، لكننا عملنا بجد».

أخلاقيات العمل أولاً

يؤمن لامبا بأن الأخلاق المهنية هي أساس أي نجاح مستدام، ويقول: «لا توجد معادلة سحرية، فقط كن صادقاً ومجتهداً، وستأتيك البركة. ومن يختر الطرق السهلة على حساب المبادئ، يخسر كل شيء». ويرى أن «زمن البساطة والاحترام قد تغير. ففي السابق، كانت الكلمة التزاماً. أما اليوم، فحتى العقود الموقعة لا تضمن شيئاً، الأخلاق تراجعت في كل مكان».

دروس الصمود

استذكر لامبا، مرارة الغزو العراقي للكويت عام 1990، حيث فقد كل شيء واضطر إلى مغادرة البلاد في 24 أغسطس مع 167 من موظفيه، وموّل تذاكر السفر لـ38 منهم من بطاقته الائتمانية. لكنه استطاع بعد التحرير إعادة بناء شركته، مستنداً إلى سمعته الراسخة، وحصل على قرض بقيمة 15 مليون دولار لإعادة تشغيل العمليات.

الاستثمار في التعليم

لم يقتصر طموح لامبا على الأعمال، إذ كان من مؤسسي المدرسة الهندية المجتمعية في الكويت، كما أسس مدرسة K.L International في مدينة ميروت الهندية، والتي تضم اليوم أكثر من 5300 طالب. ويقول: «إذا كان لي أن أفتخر بشيء في حياتي، فهو هذا المشروع التعليمي».

إرث من القيم

ولا يشغل لامبا نفسه بالإرث الذي سيتركه خلفه، ويقول «الذكريات لا تهمني. فالناس يجب أن يتذكروا الله فقط، نحن مجرد عابرين، والذاكرة تبهت». ويؤكد أن القيم التي غرسَتها فيه جدته كانت الحجر الأساس في تشكيل شخصيته.

حياة مثمرة

اليوم، في الخامسة والثمانين من عمره، لا يزال لامبا يتمتع بصحة جيدة، يواظب على العبادة والرياضة، ويأمل أن يعيش سنواته المقبلة بسلام دون أن يكون عبئاً على عائلته. يختم حديثه قائلاً «رأيت كل شيء في الحياة... الخسارة، الدم، النجاح، والمال. واليوم، أدعو فقط أن أنعم بالصحة، وأظل ممتناً لكل ما وهبني إياه الله».