هناك، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، وتحديداً خشبة مسرح «قاعة الشيخ جابر العلي الموسيقية»، كانت أمسية الخميس الماضي موعداً لليلة استثنائية بطلها الفنان السعودي عايض يوسف، الذي وقف أمام جمهورٍ لم يترك مقعداً شاغراً، ليمنح صوته وإحساسه دفئاً لصوت المكان، ويجعل من المسرح بيتاً من بيوت القصائد، ومن الجمهور فرقة موسيقية إضافية له. ولأن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى صخب ليثبت نفسه، كانت تلك الليلة أكبر دليل على أن الصوت الصادق... لا يحتاج سوى إلى آذان محبة.

«تحية كويتية»

بقيادة المايسترو أحمد طه، انطلق الحفل، الذي أتى بتنظيم وإنتاج فني من شركة «ميوزايكون»، والذي انقسم إلى قسمين وسط أجواء مشحونة بالوله، حيث لم يتأخر الفنان الشاب في أسر الحضور، فبدأ السهرة بتحية كويتية دافئة امتزجت بابتسامته الهادئة، قبل أن يباشر في غناء باقة من أعماله التي شكّلت علامات في مسيرته، مراهناً على إحساسه العالي، وقدرته على نسج علاقة حميمة مع جمهوره منذ اللحظة الأولى.

فمن أغنيته «حلو الكلام» انطلق المشوار، ليصل إلى «عالم العشّاق» من ثم مروراً بأغنية «نسيتني» وغيرها من الأغاني مثل «اجرح»، «تبارك قلبي»، «تجيني»، «لا حول ولا قوة»، «استراحة محارب»، «ليلي»، «طلعت أبيه»، «تعبت أكذب»، «ردي»، «يا هيه»، «والله ما يرمش»، «ساقي العطش»، «لمّاح»، «في أمان الله»، و«حب الكويت»، والأخيرة صاغ كلماتها مرشود المرشود، في حين لحنها علي بوغيث.

تنقّل عايض بين محطّات مشواره الغنائي بخفة صوتية وإحساس رفيع، جمع فيهما بين نضج الحضور المسرحي وبساطة التعبير، حيث لم يكن بحاجة إلى استعراضٍ مبالغ فيه، بل ترك للموسيقى أن تقول كل ما يجب قوله، إذ مزج ما بين الطرب الحديث والأداء الرومانسي، الذي بات سمة مميزة لأعماله.

«الشريك الثالث»

المفاجأة لم تكن فقط في اختياراته الغنائية الناجحة، بل في الجمهور ذاته، الذي بدا وكأنه حضر متواطئاً مع الحالة، حافظاً عن ظهر قلب تفاصيل الأغاني، مردّداً إياها بصوتٍ واحد، حتى تحوّل المسرح إلى «كورال» جماهيري كبير. وفي أكثر من محطة، ترك عايض الميكروفون للجمهور، الذي لم يتردّد في ملء الفراغ بلحنٍ واحدٍ، وعاطفة واحدة. لم يكن التفاعل عابراً، بل عكس علاقة متينة بين الفنان وجمهوره، علاقة تُبنى على الصدق، وتُروى من نبع الإحساس.

«قيادة موسيقية»

الحفل، الذي حمل توقيع المايسترو أحمد طه موسيقياً، لم يكن مجرد مرافقة نغمية، بل قيادة مدروسة لإحساس الأغاني، فنجح في صنع توازن رائع بين الأداء الحي والصوت الدافئ لعايض، حيث بدت التوزيعات الموسيقية متأنية ومدروسة، تمنح كل آلة مساحتها، وكل مقام أبعاده، في توليفة جعلت من كل أغنية تجربة موسيقية حيّة، تدفع المستمع لاكتشاف تفاصيل جديدة حتى في الأغاني المألوفة.

مشاركة راكان

في لفتة جميلة، حرص الملحن راكان الذي تجمعه العديد من التعاونات الناجحة مع عايض، على المشاركة في الحفل من خلال عزفه على آلة البيانو لأكثر من أغنية أتت على قسمين. فـ«الميدلي» الأول شمل ‏«أوعدك»، «لو تبي»، «تخيل لو»، «عشان العشرة»، «ذكراك». أما «الميدلي» الثاني، فشمل ‏«كل ما بغيت»، «ياعون الله»، «بلا أدنى سبب» و«خورافية»، الأمر الذي لاقى استحساناً كبيراً وقبولاً لدى الجمهور.