اختتمت وزارة الشؤون الاجتماعية، الحلقات النقاشية الخليجية، تحت عنوان «جودة الحياة لكبار السن في دول الخليج العربي»، والتي شهدت إطلاق «المؤشر الخليجي لجودة حياة كبار السن»، وأوصت في ختام أعمالها بتشكيل فريق عمل خليجي مشترك، لمواءمة التشريعات الوطنية ذات الصلة بهذه الفئة، بما يضمن تعزيز حقوقهم وتحسين جودة حياتهم.

وأقيمت الحلقات النقاشية في مكتبة الكويت الوطنية، اليوم الخميس، بالتعاون مع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون، وبالشراكة مع المركز الإحصائي الخليجي، تنفيذاً لقرار وزراء الشؤون والتنمية الاجتماعية بدول المجلس.

وتناولت الجلسة الثانية موضوع «جودة حياة كبار السن في دول مجلس التعاون – الواقع والتحديات»، بمشاركة كل من علي الفليتي من المركز الإحصائي الخليجي، ودينا الكعبي من معهد الدوحة الدولي للأسرة، والدكتور جاسم الكندري من وزارة الشؤون، والدكتور هادي مختار المختص في الخدمة الاجتماعية.

وركز المتحدثون على أهمية الإحصاءات الموحدة لبناء منهجية خليجية دقيقة لقياس مؤشر جودة الحياة، كما ناقشوا سبل تمكين كبار السن في السياسات الأسرية، واستعرضوا أبرز التوجهات والسياسات الخليجية لمواجهة التحديات الاجتماعية والديموغرافية.

جودة الحياة

وأكد ممثل «الشؤون»، الدكتور الكندري، في كلمة خلال الجلسة، أن دول مجلس التعاون خطت خطوات مهمة في تعزيز جودة حياة كبار السن، انطلاقاً من قيمها الإسلامية الراسخة، والتزاماتها الدولية والإنسانية.

وأوضح أن دول المجلس أولت هذه الفئة اهتماماً استراتيجياً انعكس في تشريعات وطنية رائدة تضمن حقوقهم وتصون كرامتهم، إلى جانب إنشاء هيئات وإدارات متخصصة تعنى بشؤونهم.

وأضاف الكندري أن هذا الاهتمام تُرجم إلى منظومة خدمات صحية واجتماعية متكاملة، شملت تعزيز عيادات طب الشيخوخة، والتوسع في خدمات الرعاية المنزلية والتمريض المتنقل، إضافة إلى تطوير دور الرعاية الإيوائية ومراكز الرعاية النهارية التي توفر أنشطة ثقافية ورياضية وترفيهية.

وأشار إلى أن السياسات الخليجية تستند إلى رؤى استراتيجية وطنية، مثل رؤية الكويت 2035 ورؤية السعودية 2030، وتتجه بشكل متزايد نحو مفاهيم الدمج المجتمعي والشيخوخة النشطة، بما يتيح لكبار السن المشاركة في الأنشطة التطوعية ونقل خبراتهم للأجيال الشابة، تعزيزاً لدورهم كركيزة خبرة وعطاء داخل المجتمع.

تحولات

من جانبه، أكد علي الفليتي، أن دول المجلس تشهد تحولات ديموغرافية ملحوظة تتمثل في تزايد أعداد ونسب كبار السن، حيث ارتفعت نسبتهم من 1.9 في المئة عام 2010 إلى 2.6 في المئة عام 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 6.5 في المئة بحلول 2050.

وأوضح أن متوسط معدل النمو السنوي لهذه الفئة (65 سنة فأكثر) بلغ خلال الفترة بين 2010 و2024 نحو 4.3 في المئة، وهو معدل يفوق بكثير معدل نمو فئة الشباب البالغ 1.9 في المئة، الأمر الذي يعكس تصاعد وزن كبار السن في الهرم السكاني.

وبيّن الفليتي أن من أبرز محددات هذا الارتفاع، تحسن خدمات الرعاية الصحية وارتفاع متوسط العمر المتوقع، إلى جانب انخفاض معدلات الخصوبة في جميع دول المجلس، مما انعكس على التركيبة السكانية لصالح زيادة نسبة كبار السن مقارنة بالفئات العمرية الأخرى.

وشدد على أهمية دراسة هذه المؤشرات بدقة، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية المجتمع الخليجي، والتمييز بين فئتي المواطنين وغير المواطنين عند تحليل البيانات وصياغة السياسات المستقبلية ذات الصلة بالخدمات والتوجهات.

الخدمات والسياسات

وشهدت الجلسة الإعلان عن إطلاق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ووزراء الشؤون الاجتماعية بدول المجلس «المؤشر الخليجي لجودة حياة كبار السن»، باعتباره أداة قياس نوعية لرصد مستوى الخدمات والسياسات المقدمة لهم، ولبناء قاعدة معرفية دقيقة تسهم في تطوير السياسات الاجتماعية بدول المجلس وقياس فاعلية البرامج والمبادرات في تلبية احتياجات كبار السن بما يتوافق مع التوجهات الخليجية لتعزيز جودة الحياة لجميع فئات المجتمع.

وفي ختام أعمالها، أوصت الحلقة النقاشية بتشكيل فريق عمل من الدول الأعضاء لمواءمة التشريعات الوطنية الخاصة بكبار السن وتحديثها بما يتماشى مع المعايير الدولية وأهداف التنمية المستدامة، إضافة إلى تعزيز الشراكة مع المركز الإحصائي الخليجي لمتابعة المؤشر بشكل سنوي ورصد التقدم المحرز.

كما تضمنت التوصيات التنسيق مع مجلس الصحة الخليجي لتنفيذ برامج مشتركة تعنى بكبار السن، ودعم مبادرات العمل التطوعي بعد سن التقاعد للراغبين والقادرين منهم بما يعزز اندماجهم الاجتماعي ويتيح الاستفادة من خبراتهم.

ودعت التوصيات أيضاً إلى إطلاق مبادرات خليجية مشتركة لتعزيز مشاركة كبار السن في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والتطوعية، ورفعت التوصيات في ختامها إلى لجنة الخبراء في الشؤون الاجتماعية بدول المجلس تمهيداً لعرضها على الوزراء المعنيين.

«مفهوم جودة الحياة»

يشار إلى أن الجلسة الأولى من الملتقى الخليجي لجودة حياة كبار السن، جاءت بعنوان «التجارب العالمية في مفهوم جودة الحياة»، وركزت على أهمية الانتقال من النقاشات النظرية إلى سياسات وبرامج عملية مستدامة تعزز استقلالية كبار السن وتدعم دمجهم في المجتمع.

وأجمعت المداخلات في الحلقة النقاشية، على أن الارتقاء بجودة حياة كبار السن يتطلب سياسات وبرامج شاملة تتكامل فيها الجوانب الصحية والاجتماعية والنفسية، وتستند إلى دراسات سكانية دقيقة، بما يواكب التحولات السريعة نحو الشيخوخة في دول الخليج والعالم العربي، ويضمن دمج كبار السن كقوة فاعلة ومؤثرة في المجتمع

وكانت الجلسة قد بدأت بكلمة ألقاها مدير إدارة رعاية المسنين في وزارة الشؤون عبدالرحمن العنزي، أكد فيها أن نجاح هذه الحلقات يقاس بقدرتها على إحداث أثر عملي ملموس يترجم إلى تطوير سياسات متكاملة في مجال رعاية كبار السن.

وفي أعقاب ذلك، انطلقت فعاليات النقاش التي أدارتها الدكتورة سهام القبندي، حيث تتابعت المداخلات من مختصين خليجيين ودوليين سلطت الضوء على الأبعاد الصحية والاجتماعية والنفسية المتعلقة بكبار السن.

مشروع وطني لقياس قدرات 4800 مسنّ

عرضت الدكتورة فاطمة الظفاري، مديرة إدارة الخدمات الصحية لكبار السن في وزارة الصحة، تجربة الكويت في تصميم برنامج لكل مسن وفق احتياجاته الفردية، مشيرةً إلى أن البرنامج طُبِّق في 18 مركزاً صحياً يتم من خلالها تقييم الحالات وتحويلها إلى مراكز رعاية المسنين في المستشفيات الحكومية. وأضافت، في كلمتها بالجلسة النقاشية الأولى، أن الوزارة تعمل أيضاً على تنفيذ المسح الوطني الأول لصحة كبار السن، وهو مشروع سكاني يشمل عينة من 4800 شخص لقياس قدراتهم الصحية والاجتماعية والعقلية، بالتعاون مع مؤسسة الكويت. وأكدت أن مشروع المدن المراعية لكبار السن، بالشراكة مع مدينة الشارقة الصحية، بلغ مراحله النهائية كأحد الإنجازات البارزة للتجربة الكويتية.

93 مليون عربي فوق الـ 60 بحلول 2050

قالت الدكتورة سارة السلمان، أخصائية السياسات العامة في الإسكوا، إن العالم العربي يمر بانتقال سكاني سريع نحو الشيخوخة، حيث سيبلغ عدد من هم فوق 60 عاماً نحو 93 مليون عربي بحلول 2050، أي ما يعادل 9 في المئة من السكان. وأوضحت أن دول الخليج ستدخل مرحلة الشيخوخة بحلول 2040 عند ارتفاع نسبة كبار السن من 7 في المئة إلى 14 في المئة، مبينةً أن فترة الانتقال عربياً لا تتجاوز 36 عاماً، مقارنة بفترات امتدت بين 50 و150 عاماً في أوروبا، وهو ما يضاعف حجم التحديات على مستوى الصحة والحماية الاجتماعية والاقتصاد.

بلوغ الـ 65 لا يعني فقدان العطاء

تحدثت الدكتورة مها السجاري، عضو هيئة التدريس في جامعة الكويت، عن تصنيف «المسن» ومتى يبدأ، مؤكدة أن العمر ليس مجرد رقم بل يرتبط بنظرة المجتمع له. وشددت على أهمية إشراك كبار السن في تحديد كيفية مناداتهم بما يعزز شعورهم بالانتماء، معتبرة أن بلوغ سن 65 عاماً لا يعني بالضرورة فقدان العطاء. وأوضحت أن منظمات المجتمع المدني تضطلع بدور مهم في دعم هذه الفئة وتقليل اعتمادها على الأبناء، عبر تعزيز استقلاليتها وإيجاد بيئة تشجع على الهوايات والمشاركة الفاعلة.

12 سنة الفجوة بين العمرين البيولوجي و«الصحي»

تناولت الدكتورة رشا بنت عبدالرحمن من مجلس الصحة الخليجي البعد الصحي والنفسي، وأكدت أن الصحة العامة لم تعد مسؤولية وزارات الصحة وحدها بل تتطلب تكاملاً اجتماعياً ونفسياً. وأوضحت أن المعيار الأهم اليوم هو متوسط العمر الصحي الخالي من الأمراض والعجز، مشيرةً إلى فجوة تقدر بـ10-12 سنة بين متوسط العمر ومتوسط العمر الصحي في دول مجلس التعاون. وأضافت أن الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والتدهور المعرفي شائعة لدى من تجاوزوا الخمسين بنسبة 1-2 في المئة، وترتفع إلى 13-18 في المئة لمن هم فوق الثمانين عاماً في المنطقة العربية، وغالباً ما تبقى غير مشخصة. وشددت على أن الرعاية الأولية يجب أن تكون مدخلاً للكشف المبكر والدعم النفسي، مع تعزيز التكامل بين الأبعاد الصحية والاجتماعية.

4 توصيات:

• تعزيز الشراكة مع المركز الإحصائي الخليجي لمتابعة المؤشر بشكل سنوي ورصد التقدم المحرز• التنسيق مع مجلس الصحة الخليجي لتنفيذ برامج مشتركة تُعنى بكبار السن وتطوير خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية• دعم مبادرات العمل التطوعي بعد سن التقاعد للراغبين والقادرين بما يعزز الاندماج الاجتماعي ويستثمر الخبرات• إطلاق مبادرات خليجية مشتركة لتعزيز مشاركة كبار السن في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والتطوعية