طرحت دراسة بحثية أميركية جديدة نظرة استشرافية مستقبلية مفادها أن البشرية تتجه حالياً نحو نمط تطوري من شأنه أن يقودها إلى أن تصبح على غرار «مستعمرات النمل» الضخمة والمُنظَّمة، حيث تزداد ترابطاً وتخصصاً داخل تجمُّعات حضرية مُكتظَّة وكثيفة بشكل غير مسبوق.

وتشكل هذه النظرة تحليلاً جدلياً يصف نمو المدن العملاقة بشكل أساسي ويشير إلى تقلُّص دور الفردانية (indvidualism) وانحساره مفسحاً المجال للدور الوظيفي ضمن مجموعة كبرى يسيطر عليها كيان كبير.

ونُشرت الدراسة في العدد الحالي من مجلة «بايو ساينس»، حيث حلل الباحثان اللذان أجرياها الفرق بين مدى مرونة الجينات والثقافة، مع تحديد أنماط التطور المشترك لهما. وتبني هذه الدراسة على أعوام من العمل في تحليل هذه الظاهرة وفهم ما قد يعنيه مثل هذا التحول التطوري لمستقبل البشرية والكوكب.

هذا التحليل الاجتماعي والبيولوجي المُقارن أجراه باحثون وعلماء في مجال علوم المستقبل، حيث قارنوا بين ديناميكيات التجمعات الحضرية العملاقة في كل من آسيا والغرب، وأنظمة العمل في مستعمرات النمل المعقدة.

وخلص التحليل المقارن إلى أن الفردانية ستتراجع لصالح الكيان الجماعي المُتخصِّص في ظل هذا التكتُّل السكاني الهائل والزيادة في الاعتماد المتبادل.

ويستند هذا التشبيه الاجتماعي إلى نمط النمو المتسارع للمدن العملاقة التي تشهد مستويات عالية جداً من التعاون والتخصص المهني الدقيق، تماماً كما يحدث في مستعمرة النمل حيث كل فرد له وظيفته المحددة في إطار منظومة كبرى. وفي هذا الإطار، تمثِّل شبكات النقل والاتصال العالمية الشرايين التي تربط الخلايا البشرية بعضها ببعض ضمن هذا الكيان العملاق بشكل فعّال ومستمر، ما يُنشئ نظاماً شبيهاً بالحشرات الاجتماعية كالنمل والنحل.

ويهدف هذا الطرح الاستشرافي إلى لفت الانتباه إلى الآثار الاجتماعية والبيئية المترتّبة على هذا التكتُّل البشري الهائل الذي يحدث حالياً في المدن العملاقة حول العالم، وهو الأمر الذي يفرض تحديات كبرى على التخطيط الحضري ويسلط الضوء على أهمية الحفاظ على الإبداع البشري والهوية الفردية في ذلك المستقبل المنظَّم على نحو فائق التعقيد.