في قلب منشأة تخزين محصّنة، تقبع واحدة من أكبر خزائن المعادن الثمينة في العالم. هذه الخزانة رمز للطموح الآسيوي نحو الهيمنة على تجارة الذهب العالمية، وفي الوقت ذاته، ترمز للصعوبات التي تعترض تحقيق هذا الهدف.
ومع ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، تسعى الشركة المالكة لمنشأة «ذا ريزيرف» في سنغافورة، إلى تأجير مساحاتها للبنوك الخاصة والمكاتب العائلية، بهدف تمكينهم من تخزين سبائك عملائهم من ذوي الثروات الفائقة بأمان تام، في منشأة لا تبعد سوى دقائق عن أكثر المطارات حيوية في جنوب شرق آسيا.
لكن «ذا ريزيرف»، التي افتُتحت العام الماضي بسعة تخزين ضخمة تصل 10,000 طن من الفضة و500 طن من الذهب، لا تحتفظ حالياً إلا بجزء ضئيل من هذه القدرة.
ويقول الرئيس التنفيذي لرابطة سوق السبائك السنغافورية، تايمز ألبرت تشينغ، لصحيفة فايننشال: «استغرقت لندن 200 عام لبناء البنية التحتية لتصبح مركز سوق الذهب العالمي. أمامنا الكثير من العمل، لكننا لن نحتاج إلى كل هذا الوقت».
ومع تصاعد حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي التي تدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع، تسعى كل من سنغافورة وهونغ كونغ، وهما من أكبر أسواق الذهب الاستهلاكية للفرد، لتغيير مسار تجارة ظلت لعقود طويلة محصورة في التخزين والتكرير والتداول ضمن لندن ونيويورك وسويسرا.
وتعد منشأة «ذا ريزيرف» والمرافق المماثلة قيد التطوير في هونغ كونغ تأكيداً لهذه المساعي. كما أطلقت كل من المدينة-الدولة والإقليم الصيني عقوداً آجلة جديدة للذهب هذا الصيف، وعملتا على توسيع قدراتهما في تخزين وتكرير السبائك.
ويرى بعض المحللين أن الارتباك الأخير حول الرسوم الجمركية الأميركية على الذهب قد عزز الطلب على المراكز الإقليمية. فبعد صدمة السوق في أغسطس عندما أعلنت الجمارك الأميركية تطبيق الرسوم على سبائك الذهب، تراجع الرئيس دونالد ترامب عن هذه السياسة بعد أيام قليلة.
ورغم أن طموحات سنغافورة لتصبح مركزاً عالمياً للذهب تعود لأكثر من عقد، فقد كثفت هونغ كونغ جهودها في الأشهر الأخيرة.
وفي خطابه السنوي في 17 سبتمبر، أعلن زعيم المدينة جون لي، أن هونغ كونغ ستزيد سعة تخزين الذهب لديها إلى أكثر من 2,000 طن في غضون 3 سنوات، بهدف إنشاء ما أسماه «مركز إقليمي لاحتياطي الذهب»، علماً بأن سعتها الحالية تتجاوز 200 طن.
وتقول «فايننشال تايمز»: «لقد رسّخت عدة مصافٍ دولية وجودها في هونغ كونغ، بما في ذلك«هيرايوس» و«ميتالور»، بينما شاركت«إم كيه إس بامب» في إطلاق عقود بورصة شنغهاي الجديدة.
ومع ذلك، يساور بعض المتداولين القلق بشأن مخاطر التدخل السياسي. ويقول روبرت غوتليب، تاجر الذهب السابق البارز في «جيه بي مورغان» و«إتش إس بي سي»: «دائماً ما يوجد تخوّف: هل هذا سوق دولي حقيقي، أم أنه قد تتغير قواعده إذا لم ترُق النتيجة للحكومة الصينية؟»
هذا القلق دفع منصة تداول الذهب «بوليون فولت» لاختيار سنغافورة بدلاً من هونغ كونغ، حسبما ذكر رئيس الأبحاث في المنصة أدريان آش، مشيراً إلى حياد سنغافورة السياسي.
ويؤكد مؤسس شركة «سيلفر بوليون» المالكة لمنشأة «ذا ريزيرف»، غريغور غريغيرسن، أن أسواق الذهب في كلتا المدينتين بحاجة لعمل مكثف لتحسين خدمات السيولة، والتخزين، والحضانة، والتسوية لتتمكن من منافسة المراكز التقليدية».
ولاتزال هونغ كونغ متأخرة عن سنغافورة في ما يتعلق بمرافق التخزين. فقد افتُتحت منشأة «لو فريبورت» المحصنة في سنغافورة 2010 بمساحة 30 ألف متر مربع، وأصبحت تُعرف باسم «فورت نوكس سنغافورة». تستخدمها اليوم شركات متخصصة في تخزين الذهب مثل «برينك» و«لوميس»، بعد أن كانت مخصصة في الأصل للفنون الجميلة، قبل أن تشمل السيارات الفاخرة والمجوهرات.