في مضمار سباقنا المحموم نحو تحقيق مفهوم «الذكاء الاصطناعي العام» (AGI)، نغفل عادة عن حقيقة أنه يتسبب في حدوث تدهور لمستويات قدراتنا المعرفية الدماغية الأساسية، وهو التدهور الذي يطلق عليه المتخصصون مصطلح «تدَنّي التكامل المعرفي» (MCI)، وهو يشير إلى النقطة الحرجة التي نبدأ عندها نتنازل عن جزء ملموس من استقلاليتنا وأصالتنا الفكرية لصالح الآلات «الذكية» بما يؤثر سلباً على قدراتنا الفطرية على التفكير النقدي والإبداعي.

فبينما تواصل الآلات الذكية تطورها لتتجاوز ذكاءنا البشري، يحصل في موازاة ذلك أننا كبشر نخسر نسبة من قدراتنا ومواهبنا الذهنية الفريدة، وهذا الأمر يثير أشكالاً من القلق والتساؤلات والمخاوف الجوهرية حول مستقبل الإدراك والوعي والتفاعل الذهني البشري في عصر الذكاء الاصطناعي.

وتتجسد ظاهرة «تدَنّي التكامل المعرفي» في اعتماد الناس بشكل متزايد على روبوتات وأجهزة الذكاء الاصطناعي لتتولى أداء المهام المعرفية نيابة عنهم، بدءاً من الإكمال التلقائي للنصوص ووصولاً إلى كتابة المسودات الكاملة بواسطة نماذج اللغة الكبيرة.

وصحيح أن هذا الاعتماد التعهيدي المعرفي على الذكاء الاصطناعي قد يبدو فعالاً وذكياً في البداية، إلا أن الحقيقة هي أنه يؤدي تدريجياً إلى تآكل روح الفضول والشغف ويجعل عملية التفكير الإبداعي والانتقادي راكدة وخاملة على نحو يشبه ضمور العضلات التي لا يتم استعمالها لفترات طويلة نسبياً، حيث يفقد الدماغ ببطء جزءاً كبيراً من قدرته على رفع «الأثقال الفكرية» التي كان يحملها بسهولة في السابق، وهذا يجعل أفكاره تتشكل بواسطة الآلة بدلاً من أن تكون نتاجاً لإدراكه ووعيه المستقلين.

ولتفادي إصابتك بـ«تدَنّي التكامل المعرفي»، يقترح خبراء في هذا المجال الإستراتيجيات العملية الثلاث الآتية:

• أولاً: انتهاج أسلوب «الاحتكاك»، أي تحدي الذات من خلال المواظبة على حل المشكلات يدوياً أو ذهنياً قبل اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي.

• ثانياً: التساؤل دائماً مع السعي إلى استخلاص الإجابات بنفسك، مع الاكتفاء باستخدام الذكاء الاصطناعي كمساعد ثانوي فقط في النقاشات بدلاً من أن يكون مصدراً وحيداً للمعرفة.

• ثالثاً: منح دماغك «أيام عطلة من الذكاء الاصطناعي»، أي الانفصال التام عن استخدام خوارزميات ذلك الذكاء الآلي بشكل دوري والانخراط عوضاً عنها في أنشطة تعزز التفكير الدماغي المستقل.

وخلاصة القول هي أن المستقبل البشري لا يتعلق بتطوير الآلات الذكية أكثر «تأنسُناً»، بل بأن نحافظ نحن البشر على جوهر إنسانيتنا المعرفية والذهنية.