بمجرد أن أعلن بنك الكويت المركزي أمس، خفض سعر الخصم 0.25 % ليصبح 3.75 %، لم يستطع بويوسف إخفاء سعادته، ليعلن لمَنْ حوله في الديوانية بابتسامة غمرت وجهه، أنه نجا من الاقتراض في صبيحة اليوم نفسه بفائدة تُقارب الضعف وتحديداً بـ6.75 %، فما القصة؟ وكيف هبطت الفائدة فجأة مرة واحدة بين صباح ومساء اليوم نفسه؟

كثيرون يخلطون بين سعر الخصم وسعر الفائدة، رغم وجود فارق جوهري في التسعير ومستهدفاته وتطبيقاته، فمنحنى سعر الخصم الذي يُحدّده «المركزي» يُشكّل إحدى أدوات السياسة النقدية المستخدمة في تنظيم المعروض النقدي، كما يعكس معدل قيمة العائد التي يفرضها على البنوك التجارية، للحصول على تمويل مباشر منه، ولذلك يُعد سعر الخصم مؤشراً استرشادياً للجهات التمويلية، لتسعير قروضها للعملاء، وكذلك ودائعها.

حسبة أوسع

وتجعل هذه الخصوصية من سعر الخصم، جزءاً من عملية حساب أوسع للفائدة الكلية، التي تقرّها جهات التمويل على قروضها للعملاء، فباختصار تُشكّل الفائدة ناتج الرقم النهائي لتكلفة اقتراض الأموال، والذي يجمع سعر الخصم مضافاً إليه هامش ربح لجهات التمويل، بحد أقصى 3 %، في حال كان القرض موجهاً للأفراد، و4 % للشركات، وهنا يتضح الفارق رويداً رويداً.

وللتبسيط أكثر، وقياساً على سعر الخصم الحالي المقرر بـ3.75 %،؜ يكون سعر الفائدة على قروض الأشخاص 6.75 % وعلى تمويلات الشركات 7.75 %، مع وجود هامش مصرفي إضافي للخفض يُقارب 0.25 %، ما يعني 6.5 % للأفراد و7.5 % للشركات، ما لم ترغب الجهات التمويلية في فتح باب المنافسة الحامية على مغازلة المقترضين، من نافذة تقديم فائدة أرخص لهم، وهذا تحدده سياسة كل بنك في النمو ائتمانياً.

ونتيجة لذلك، لا يُعادل سعر الخصم المعلن قيمة الفائدة التي يمكن الاقتراض بمعدلها العملي، حيث سيكون على العميل دفع هامش إضافي، درجت العادة لدى جميع جهات التمويل، أن يكون بالحد الأقصى المسموح به أو قريباً منه، بفارق منخفض يُحدده وزن العميل.

حالة وحيدة

ولعل الحالة الوحيدة التي يستخدم فيها سعر الخصم المعلن، كفائدة بالمعدل نفسه على الأموال، تلك التي تتعلّق بقروض «المركزي» إلى البنوك التجارية، لتغطية احتياجاتها من السيولة، ويمكن الإشارة إليه أيضاً، على أنه سعر إعادة الخصم أو «سعر البنك»، والاعتبار النقدي لذلك أنه عندما تقترض البنوك من «المركزي» بسعر أقل، يمكنها إقراض أموال المودعين للأفراد في صورة تسهيلات شخصية استهلاكية أو إسكانية، بأسعار فائدة محملة بهامش ربح متوازن بين الإقراض والإيداع، ما من شأنه خلق بيئة اقتصادية، تشجع الاقتراض الاستهلاكي، ليرتفع بالتبعية الإنفاق الاستهلاكي.

قروض جديدة

وأثناء ذلك يتجدّد سؤال المليون مقترض في الكويت وهو تقدير تقريبي لأصحاب التمويلات الشخصية (كويتيون وغير كويتيين) ومفاده ماذا سنربح من خفض الفائدة أو سعر الخصم، كما يحلو للمتخصصين تسميته؟

بالطبع سيستفيد المقترضون القائمون وكذلك المقبلون على الاقتراض الجديد، بالحصول على تمويلات بتكلفة أقل، مع الأخذ بالاعتبار، أنه كما يكون سعر الخصم مؤشراً لاتجاه الفائدة المدفوعة على الاقتراض بالرفع أو الخفض، يكون على عائد الودائع. فرغم أن خفض سعر الخصم يؤثر بشكل إيجابي على أسعار الفائدة بالنسبة للمقترضين، إلا أن المودعين على الجهة الأخرى يواجهون انخفاض عوائد أوعيتهم الادخارية لدى البنوك. ما قد يؤثر سلباً على حجم طويلة الأجل منها، والمتمثلة في شهادات الادخار وحسابات التوفير، التي سيكون بعضها عرضة للتسييل، بحثاً عن أوجه استثمارية أخرى بعائد أعلى. ومحلياً يمكن تصور اتجاهات لذلك في أسواق العقار والأسهم والذهب، التي تُعد أكثر المستفيدين من انخفاض الفائدة والتي قد تسبّب هجرة عكسية للأموال المودعة في البنوك إليها.

إعادة هيكلة

وعودة للمقترضين، وتحديداً لسؤالهم عن كيفية استفادتهم من خفض الفائدة أو بمعنى أدق: كم سيربحون من خفض الفائدة 0.25 % ؟

يمكن القول إن المهيئين لجدولة قروضهم قد يكونون أكثر ربحية من الذين سيقترضون، إذا صبروا، فما سر التباين؟

لتوضيح الفارق لدى البعض، قد يكون مفيداً الإشارة إلى أن كل مَنْ سيقترض أو يُعيد هيكلة دينه حالياً، سيستفيد من خفض الفائدة بتقليل تكلفة تمويله بواقع 0.25 % فقط، أما المتهيئون لإعادة جدولة قروضهم فقد يكونون مرشحين لفرصة أوسع لمضاعفة مكاسبهم، إذا حصلوا على عرض تنافسي من البنوك حول سعر الفائدة، أو تمهلوا حتى شهر ديسمبر، في ظل ترجيحات إقرار مجلس الاحتياطي الأميركي «الفيدرالي» خفضاً إضافياً أقله بـ 0.25 %.

ففي حال تحقق هذه الفرضية، ومجاراتها محلياً، ستخفض بالتبعية تكلفة ما تبقى من أجل الدين بواقع 0.5 % مرة واحدة، مقابل الاستغناء لأقل من 3 أشهر عن حسم الـ 0.25 % المتاحة حالياً، وهذا يحقق فوائد متعددة أبرزها خفض تكلفة الدين النهائية التي ستمتد لسنوات، وخفض قيمة القسط، إضافة إلى أن انخفاض التكلفة يتيح للعميل مساحة إضافية للاقتراض بالقدر المخفض نفسه.

لكن لماذا تتضاعف استفادة المتهيئين لجدولة قروضهم، عن المقترضين قبل نهاية العام ؟

السبب أنه وفقاً لتعليمات «المركزي»، لا يسمح بتسوية قرض قديم «إعادة جدولة»، إلا بعد سداد 30 % على الأقل من الأقساط الشهرية الاعتيادية على القرض، ما يعني إجرائياً، أن من يقترض حالياً للاستفادة من حسم الـ 0.25% لن يتمكن من جدولة قرضه الجديد للحصول على الحسم الإضافي في حال تم خفض سعر الخصم مرة ثانية في ديسمبر.

بالطبع هذا السيناريو قد يُعالج مصرفياً بتقديم خفض إضافي مسبق للفائدة، للعملاء الراغبين في الاقتراض أو المتهيئين لهيكلة ديونهم، من خلال منحهم خفضاً إجمالياً بـ 0.5 % مرة واحدة أي بسعر فائدة 6.5 %، لاسيما وأن جميع المؤشرات تؤكد قرب حلول إقرار خفض إضافي بنهاية 2025، ومن ثم يكون الخفض الإضافي، بمثابة وسيلة تنافسية للحفاظ على قاعدة العملاء، واستقرار نموها لأكبر قدر ممكن من السنوات.

62.6 دينار وفراً سنوياً على كل 10 آلاف دينار

حسابياً، يُمكن تقديم نموذج مبسط لحساب التكلفة التي ستنخفض على العميل من خفض الفائدة بواقع 0.25 %، فبافتراض أن العميل اقترض اليوم 25 ألف دينار قرضاً استهلاكياً لـ 5 سنوات وهو الحد الاقصى المسموح به للتمويلات الشخصية، سيكون قد وفّر 62.5 دينار سنوياً، مقارنة بتكلفة أسعار الفائدة المطبقة حتى أمس.

أما في حال اقترض 70 ألف دينار كقرض إسكاني لـ 15 سنة، في نطاق الفرضية نفسه سيوفر 175 ديناراً سنوياً.

19.75 مليار تمويلات شخصية

ارتفعت التسهيلات الشخصية للأفراد 2.2 % وبـ 432.6 مليون دينار أول 7 أشهر من 2025 إلى 19.754 مليار مسجلة في يوليو الماضي، مقارنة بـ 19.321 مليار في ديسمبر.

وحسب البيانات الرسمية، تراجعت التمويلات الاستهلاكية عن هذه الفترة بـ 0.85 % تعادل 17.7 مليون إلى 2.054 مليار، وصعدت الإسكانية 2.65 %، وبـ 438 مليوناً، إلى 16.984 مليار، وتراجعت قروض السكن الخاص والنموذجي 10.4 % وبـ 25.4 مليون إلى 219.3 مليون، في حين زادت القروض الأخرى 8.1 % وبـ 37.3 مليون إلى 495.6 مليون دينار.