لم يكن عرضاً ترفيهياً أو تربوياً فحسب، بل كان إنسانياً من الطراز الرفيع...

هكذا بدت مسرحية الأطفال الهادفة «الكنز» من تأليف وإخراج هاني عبدالصمد، وإشراف عام ميثم بدر، والتي انطلق عرضها أمس، ضمن فعاليات الدورة الثامنة للمهرجان العربي لمسرح الطفل، الذي يُقام حالياً تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

المسرحية، قدمتها فرقة مسرح الخليج العربي، في رابع عروض المهرجان، ودارت أحداثها بين الصديقين «أحمد» (أحمد إياد) و«مبارك» (مبارك الرندي)، وهما من الطلبة الكسولين، غير العابئين بأهمية العلم والدراسة في حياة الإنسان، بل يُفضّلان السفر المستمر والمفاجئ في أرجاء العالم، من خلال جلوسهما على مقعد الطائرة الذي يجوب بهما من عالم إلى آخر، ومن زمن إلى زمن، قبل أن يواجها العديد من العراقيل التي تعترض طريقهما، ولكنهما يجدان الحل دائماً بظهور «عبقرينو» (مشعل العيدان)، ذلك المنقذ الذي يأتي بضغطة زر من أجل إخراجهما من الورطة التي يوقعان نفسيهما فيها كل مرة.

العرض تربوي وإنساني وترفيهي بامتياز، ويحمل رسائل عدة عن أهمية التعليم باعتباره الكنز الحقيقي للمستقبل، إذ قُدّم بقالب من الخيال والمتعة، كما شكّل مزيجاً بين الترفيه والتربية فلامس عقول وقلوب الأطفال معاً.

والأهم، أنه حمل القضية الفلسطينية بكل مآسيها، ليقدمها إلى جمهور الطفل بأمانة، مشيداً بدور الكويت الإنساني في مساعدة الفلسطينيين، ورفضها القاطع لما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من ممارسات غير إنسانية، وقتل وتدمير للبشر والحجر.

ولأن العلم نور، والمعرفة كنز لا يقدر بثمن، يقع «أحمد» و«مبارك» في مواقف عدة، خصوصاً عندما يسافران عبر الزمن إلى أفريقيا، حيث يجدان نفسيهما محاصرين من إحدى القبائل من آكلي لحوم البشر.

وعلى متن الطائرة ذاتها، ينتقلان إلى الفضاء، وهنا تظهر الممثلة داليدا بخفّة دمها، لتحط الطائرة في مدينة القدس، حيث الخراب ورائحة الموت المنتشرة في كل مكان، ليبرز دور الكويت الإنساني في مد يد العون إلى الشعب الفلسطيني ومساعدتهم في مواجهة قوى الشر.

«السينوغرافيا»

سينوغرافياً، نجح أبطال المسرحية، وهم: أحمد إياد ومبارك الرندي ومشعل العيدان وداليدا، بالإضافة إلى الطفل علي الحسيني في إتقان أدوارهم بكل براعة.

أما الديكورات فكانت حكاية في حد ذاتها، إذ تميزت بالتنقل السلس من زمن إلى زمن، بين أفريقيا والفضاء والقدس، لتعبّر عن كل حدث بأسلوبٍ سهلٍ ممتنع، فتارة تتحول إلى أشجار، وطوراً إلى مركبة فضاء أو أطلال، بمساعدة الشاشة العملاقة، التي واكبت سرد الأحداث لحظة بلحظة.

في حين، جاءت الإضاءة متناغمة مع كل مشهد، وازدانت بعروض الليزر التي أدخلت البهجة في نفوس الأطفال، إلى جانب الموسيقى التي بدت صاخبة على إيقاع الطبول الأفريقية، وحادة مع موسيقى الفضاء، وحزينة في الأراضي المحتلة.

ويبدو أن المخرج عبدالصمد، أدرك من أين تؤكل الكتف، ولذلك اشتغل جيداً على النص الذي ألّفه بنفسه، حيث بدا العرض ثرياً في قيمته، بعد أن وضع بتوازنٍ فذ الأضلاع الثلاثة، التربية والترفيه، بالإضافة إلى العمل الإنساني، الذي جُبلت عليه الكويت، محققاً العلامة الكاملة، والتميز المطلق في هذا المهرجان.

«تقنيات الكتابة»

ضمن أنشطة المهرجان أيضاً، أقيمت ورشة فنية بعنوان «فن وتقنيات الكتابة لمسرح الطفل المعاصر» قدمها الدكتور المسرحي عبدالرضا جاسم، وذلك في قاعة الندوات بمسرح الدسمة.

الورشة، جمعت بين عمق الطرح النظري وثراء التجريب العملي، إذ عرج خلالها المحاضر على الأسس الفكرية التي يقوم عليها مسرح الطفل، ثم انتقل إلى التطبيقات الإبداعية التي تتيح للكاتب أن يحوّل الفكرة إلى نص نابض بالحياة، قادرعلى مخاطبة وجدان النشء وتحفيز خيالهم.