لليوم الثالث على التوالي، كثفت إسرائيل غاراتها على سوريا، لتشمل «الضربات المؤلمة» محيط القصر الرئاسي ومدخل مقر الأركان العامة في دمشق، إضافة إلى مواقع حكومية في السويداء ودرعا ومحيط مدينة قطنا في ريف دمشق، كما قررت نقل قوات إلى الجولان المحتل، بذريعة حماية الدروز، بعد أيام من اشتباكات دامية أوقعت أكثر من 300 قتيل، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان
اتفاق لوقف النار
وفي ظل تواصل الغارات والتهديدات الإسرائيلية، أكد مصدر في وزارة الداخلية السورية، التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء، بعد يوم واحد من إعلان مشابه، وافق عليه الشيخ يوسف جربوع، بينما أعلن الشيخ حكمت الهجري رفض الاتفاق مع الحكومة، قائلاً إن «القتال سيتواصل لحين تحرير كامل السويداء».
ونقلت «وكالة سانا للأنباء» عن مصدر في وزارة الداخلية «التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء ونشر حواجز أمنية في المدينة واندماجها الكامل ضمن الدولة السورية».
وأكّد جربوع وهو واحد من ثلاثة مشايخ دروز بارزين «الاندماج الكامل للسويداء ضمن الدولة السورية» وتشكيل «لجنة مشتركة لتقصي الحقائق والتحقق في الجرائم والانتهاكات والتجاوزات التي حصلت».
لكن الهجري أعلن في بيان «ضرورة الاستمرار في الدفاع المشروع واستمرار القتال».
وقال في منشور على صفحة الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز التي تنقل بشكل دوري بياناته موقفاً مغايراً أكّد فيه «للرأي العام المحلي والدولي، أنه لا يوجد أي اتفاق أو تفاوض أو تفويض مع هذه العصابات المسلحة التي تُسمّي نفسها زوراً حكومة».
وحذّر «من أن أي شخص أو جهة تخرج عن هذا الموقف الموحّد، وتقوم بالتواصل أو الاتفاق من طرف واحد، ستُعرّض نفسها للمحاسبة القانونية والاجتماعية».
وناشد الهجري، صباحاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «وكل من يملك صوتاً وتأثيراً في هذا العالم... أنقذوا السويداء»، مضيفاً «أهلنا يُبادون، ويُقتلون بدمٍ بارد».
يأتي ذلك في وقت تعهّدت الرئاسة السورية «محاسبة» مرتكبي «الانتهاكات» في السويداء.
«ضربات موجعة»
وكانت إسرائيل، حذرت السلطة الانتقالية، من «ضربات موجعة»، وتوعّد وزير دفاعها يسرائيل كاتس بأن يعمل الجيش «بقوة» في السويداء «لتصفية القوات التي هاجمت الدروز حتى انسحابها الكامل».
وحذر كاتس في بيان من أنه «يجب على النظام السوري أن يترك الدروز في السويداء وشأنهم، وأن يسحب قواته» منها.
وقال إن الجيش «سيواصل مهاجمة قوات النظام حتى انسحابها من المنطقة وسيرفع قريباً مستوى الرد ضد النظام إذا لم يتم استيعاب الرسالة».
وتنفيذاً لهذه التهديدات، أعلن الجيش الإسرائيلي ضرب «هدف عسكري» في محيط قصر الرئاسة في دمشق، بعيد تأكيده استهداف مدخل مجمع رئاسة الأركان العامة.
وأورد التلفزيون السوري الرسمي «عدوان جديد لطيران الاحتلال الإسرائيلي في ساحة الأمويين قرب مبنى رئاسة الأركان في ساحة الأمويين وسط دمشق»، في ثالث استهداف للمكان أمس.
وأظهر بثّ مباشر حزاماً من الغارات استهدف مجمّع هيئة الأركان العسكرية، تصاعدت على أثره سحب الدخان، وأدت إلى تصدّع وتضرر أجزاء من المبنى.
وأفادت وزارة الصحة بمقتل 3 أشخاص وإصابة 34 بجروح.
واعتبرت الخارجية السورية أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة، تشكّل «تصعيداً خطيراً».
نقل قوات
وأفادت هيئة البث الإسرائيلية، بأن رئيس الأركان إيال زمير، أوعز بنقل قوات من قطاع غزة إلى هضبة الجولان.
في الوقت نفسه، ذكرت إذاعة الجيش أن ما يجري على الجانب السوري يمكن اعتباره بمثابة «إعلان حرب مصغر»، مضيفة «نستعد لأيام قتالية في سوريا».
وتابعت أن رئيس الأركان أمر بتحويل عدد كبير من المقاتلات نحو الجبهة السورية.
ونقل مراسل «سكاي نيوز عربية» عن مصادر إسرائيلية أنه «تم قصف أكثر من 160 هدفاً في سوريا والضربات مستمرة».
وقال مسؤولون إسرائيليون إن الجيش السوري نسّق مع إسرائيل قبل دخول السويداء «لكن خالف التفاهم»، مشيرين إلى أن التنسيق كان يقضي بعدم إدخال الأسلحة الثقيلة.
وذكر مسؤول عسكري أن تل أبيب «لن تسمح بحشد عسكري على حدودها مع جنوب سوريا».
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قرر «تعزيز عدد القوات في منطقة الحدود مع سوريا في منطقة السياج الأمني» في المنطقة الحدودية بين سوريا والجولان المحتلّ، حيث حاول العشرات عبور الحدود الشديدة التحصين.
وقال مسؤول عسكري إن إسرائيل على اتصال وثيق بالولايات المتحدة، وإنها مستعدة لأي تطورات، مشيراً إلى أن الجيش السوري «لا يمنع الهجمات على الدروز ولا يحل المشكلة وإنما هو جزء منها».
أبرز بنود الاتفاق
ـ إيقاف كامل لجميع العمليات العسكرية بشكل فوري، والتزام جميع الأطراف بوقف التصعيد العسكري أو أي شكل من أشكال الهجوم ضد القوات الأمنية وحواجزها، مع إعادة قوات الجيش إلى ثكناتها.
ـ تشكيل لجنة مراقبة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار وضمان الالتزام به.
ـ نشر حواجز الأمن الداخلي والشرطة من الدولة ومنتسبي الشرطة من أبناء محافظة السويداء، في جميع أنحاء المدينة والمناطق المجاورة.
ـ احترام حرمة البيوت وحياة المدنيين، وعدم المساس بأي منزل أو ممتلكات خاصة داخل المدينة، أو في أي من مناطق محافظة السويداء، مع الالتزام بحمايتها من أي اعتداءات أو تخريب.
ـ التوافق على آلية لتنظيم السلاح الثقيل بالتعاون مع وزارة الداخلية والدفاع بما يضمن إنهاء مظاهر السلاح خارج إطار الدولة بالتنسسق مع الوجهاء والقيادات المحلية والدينية مع مراعاة الخصوصية الاجتماعية والتاريخية لمحافظة السويداء.
ـ الاندماج الكامل للسويداء ضمن الدولة السورية، والتأكيد على السيادة الكاملة للدولة السورية على جميع أراضي محافظة السويداء، بما في ذلك استعادة كافة مؤسسات الدولة وتفعيلها على الأرض.
ـ تشكيل لجنة مشتركة لتقصي الحقائق والتحقق في الجرائم والانتهاكات والتجاوزات التي حصلت وتحديد المتسبيين مع تعويض المتضررين، ورد الحقوق لأصحابها.
ـ تأمين طريق دمشق السويداء من قبل الدولة وضمان سلامة المسافرين.
ـ العمل على إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المغيبين بالأحداث الأخيرة فوراً.
أكثر من 300 قتيل في السويداء
منذ اندلاع الاشتباكات الأحد، في محافظة السويداء، أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل أكثر من 300 شخص، بينهم 69 مقاتلاً درزياً، إضافة الى 40 مدنياً، قُتل 27 منهم «بإعدامات ميدانية برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية»، مقابل 165 قتيلاً من القوات الحكومية و18 مسلحاً من العشائر.
كما قتل 10 عناصر من القوات الحكومية جراء الغارات الإسرائيلية. وشاهد مراسل لـ «فرانس برس» داخل مدينة السويداء، نحو 30 جثة، يعود بعضها لعناصر من السلطة وأخرى لمقاتلين بلباس مدني مع جعب عسكرية، فيما كان الدخان يتصاعد من بعض أحياء المدينة على وقع دوي القصف المتقطع.
وعند المدخل الغربي للمدينة، شاهد مراسل آخر آليتين للأمن العام، تنقلان نحو تسع جثث لعناصر أمنية، بينما كان قادة يطلبون من العناصر إخلاء المكان.
وتخللت المواجهات عمليات قتل وحرق ونهب للمنازل والمتاجر، وفق شهادات سكان وناشطين.
وتحدث سكان في السويداء عن عمليات نهب وسرقة وإعدامات ميدانية رافقت دخول قوات الأمن إلى المدينة وسط حالة من الخوف.
وقال أحد السكان، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، لـ «فرانس برس»، «أنا في قلب مدينة السويداء بجانب مبنى المحافظة. وأنا على يقين أنهم إذا وصلوا إلي فستتم تصفيتي، هناك اعدامات ميدانية في الشوارع».
وصرح آخر، تسنى التواصل معه عبر الهاتف «نحن محاصرون ونسمع صراخ المقاتلين... نحن خائفون للغاية». وسمع دوي إطلاق النار مصحوباً بأصوات انفجارات متفرقة في الخلفية.
وأضاف الرجل، الذي طلب عدم نشر اسمه، «نحاول إبقاء الأطفال هادئين حتى لا يسمعنا أحد».
وتعقيباً على ذلك، أعلنت السلطات السورية انها «تابعت باهتمام بالغ الانتهاكات المؤسفة التي طالت بعض المناطق في محافظة السويداء أخيراً»، مضيفة «ندين بشدة هذه الأعمال المشينة، ونؤكد التزامنا التام بالتحقيق في كل الحوادث المتعلقة بها، ومحاسبة كل من ثبت تورطه فيها».
تواصل أميركي مع سوريا وإسرائيل «طوال الليل والنهار» لاحتواء التصعيد
قال الرئيس دونالد ترامب، إن إدارته تسعى إلى خفض التصعيد.
وأعرب وزير الخارجية ماركو روبيو عن أمله بـ «احتواء التصعيد» خلال «الساعات المقبلة»، متحدثاً عن «سوء فهم» بين إسرائيل وسوريا.
وقال «تواصلنا معهم طوال النهار والليل، مع الجانبين، ونعتقد أننا نتجه نحو احتواء فعلي للتصعيد».
وأضاف «في الساعات المقبلة، نأمل أن نشهد تقدماً فعلياً»، مشيراً الى «خصومات تاريخية، قديمة العهد، بين مختلف المجموعات في جنوب غربي سوريا، والطائفة الدرزية، وهذا الأمر أفضى الى وضع مؤسف، والى سوء فهم على ما يبدو بين الطرفين الاسرائيلي والسوري».
واعتبرت تركيا أن «الهجمات الإسرائيلية على دمشق بعد تدخلاتها العسكرية في جنوب سوريا، تمثّل عملية تخريبية تستهدف جهود سوريا لضمان السلام والاستقرار والأمن».
كما دانت الجامعة العربية الغارات الإسرائيلية، بما فيها تلك التي استهدفت مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي.
وأكدت باريس أن «الانتهاكات التي تستهدف المدنيين والتي ندينها بشدة، يجب أن تتوقف»، داعية إلى«وقف فوري للمواجهات».