مشروع الانتظام المالي خَرَجَ من الحظيرة... والامتثال في ملف السلاح على المحكّ
لبنان يكافح لردم فجوتيْن: السلاح والمال تدارُكاً للسيناريوات السود
- عون: لبنان يَنتظر خطواتٍ إيجابيةً من الجانب الإسرائيلي ونَعتمد على دول صديقة مثل إيطاليا لإنجاح العملية التفاوضية
- الحكومةُ اللبنانية تَستكمل اليوم مناقشة مشروع «الفجوة المالية» المُحاصَر بمعارضاتٍ من كل حدب وصوب
- هل بدأتْ تتبلْور ملامح «خديعة» جديدة... مَن الأوّل على «لائحة الحرب» الإسرائيلية: إيران أم أذرعها؟
... عيْناً على الفجوةِ الأمنية - العسكرية التي تُنْذِر برميه في عين حرب جديدة لا تفوّت إسرائيل فرصةً لـ «التذكير» بأنها باتت «مسألة وقت» لا أكثر، وعيْناً على الفجوة المالية التي يُخشى أن «تَرتقي» به إلى اللائحة السوداء على سلّم الدول التي تعاني قصوراً إستراتيجياً في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
هكذا بدا لبنان مع ارتسام «المَشهد البانورامي» الذي يَعكس كيف يتّجه الوطن الصغير إلى السنة الجديدة كمَن يسير على «رؤوس الأصابع» فوق حقلٍ من الجَمْر الذي يتأجّج على صفيح تسخينٍ اسرائيلي تَصاعُدي على جبهة إيران وبناءٍ تَراكُمي لـ «ملف حزب الله» تبريراً لاستخدام «المطرقة» مجدداً في وقتٍ ما من 2026.
ولم يكن عابراً أن تَتَبَلْوَرَ في آخِر أيام السنة «العدستان» اللتان تشكّلان البابَ لرؤيةٍ ماكرو للواقع اللبناني الذي يحكمه مساران متوازيان ومتشابكان، وإن بدرجاتٍ متفاوتةٍ لجهة التأثيرات العاتية والارتداداتِ المدمّرة التي ما زال لبنان الرسمي يحاول تجنيبَ البلاد الانكشاف عليها وتعزيز آلياتِ معاندة «جاذبية السقوط» في القعر الذي لا قعر تحته.
ففي مجلس الوزراء، لم تدشّن الحكومةُ النقاشَ الشائكَ في مشروع قانون «الانتظام المالي واسترداد الودائع»، واسمُه الحَركي قانون «الفجوة المالية»، بوصَفه فقط مدخلاً، متأخّراً أكثر من 6 سنوات، لتصحيح المسار الفوضوي العارم الذي حَكَمَ إدارة «العاصفة الكاملة» التي ضربتْ البلاد خريف 2019 مع الانهيار المالي (للدولة) والمصرفي والنقدي والاقتصادي – الاجتماعي.
وبمعزل عن «إطلاقِ النار» على المشروع من كل الأطراف، القطاع المصرفي، المودعون، والقسم الأكبر من القوى السياسية على قاعدة عدم عدالة توزيع الخَسائر (نحو 80 مليار دولار) بين الدولة «التي يبرّئها» و«المركزي» والمصارف وأصحاب الحقوق، فإنّ هذا المشروع يطلّ على «بابِ ريحٍ» خطيرٍ يريد لبنان سَدَّه كونه «مكمّلاً» لمسار ردم الفجوة الأمنية.
وفي موازاة المقاربةِ التقنية للخطّة (تستكمل الحكومةُ بَحْثَها في جلسة ثانية اليوم) التي تنصّ على حصول كل المودعين على مبلغ 100 ألف دولار (على 4 سنوات) - وهذا المبلغ يغطي كامل ودائع نحو 85 في المئة من المودعين - إضافة إلى سندات قابلةٍ للتداول ومدعومةً بعائدات وأصول مصرف لبنان (على فترات زمنية أطول) للمودعين المتوسطين والكبار بقيمة باقي ودائعهم ودون اقتطاع، فإنّ عودةَ الانتظام المالي وخروج المصارف من وضعية الـ «زومبي» يشكّل خط حماية أخيراً أمام نقْلِ لبنان على لائحة «فاتف» من خانة الرمادي إلى الأسود.
وإذ ذكّر وزير المال ياسين جابر قبيل جلسة الحكومة بعدم جواز أن «يبقى المودع مذلولاً، والمصارف معطّلة»، محذراً من ان لبنان على اللائحة الرمادية ومهدَّد بإدراجه على السوداء و«علينا إزالة هذا الخطر عبر التمسك بالمعايير الدولية» والسير بمشروع القانون المعدّ (يتطابق مع متطلبات صندوق النقد الدولي ما خلا بعض الملاحظات) بأسرع وقت، فإنّ أوساطاً مطلعة أشارت إلى أن الملف المالي وإصلاحاته اعتُبر من المجتمع الدولي «الجناحَ الثاني» لرفْد لبنان بعناصِر النهوض المالي – الاقتصادي وإعادة الإعمار، بالتوازي مع الإصلاح المتعلق بفرض الدولة سيادتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية، أي سَحْبِ سلاح «حزب الله».
ولفتت هذه الأوساط إلى أنّ إحياءَ النظام المالي بدورته «الشرعية» يشكّل بوابةً لقفْل مزارب «اقتصاد الكاش» الذي تعتبره واشنطن بالدرجة الأولى مصدراً رئيسياً لتعافي «حزب الله» مالياً وإعادة تمكينه اجتماعياً وإعادة تكوين ترسانته العسكرية، وهي «مضبطة الاتهام» التي سبق أن حملها أكثر من موفد الى بيروت وسمعها أكثر من زائر لواشنطن.
وإذ رأتْ الأوساطُ نفسها في هذا الإطار أنّ معالجة الفجوة المالية تتداخل من هذه الزاوية مع الفجوة الأمنية كونها تُلاقي مسارَ حصر تمويل «حزب الله»، فإنها اعتبرتْ أن «الجناحَ» العسكري من الأزمة اللبنانية شَرْطيّ أيضاً ليس فقط لتجنيب البلاد «إعصار دمار» جديد بل لتزويد عملية التعافي المالي – الاقتصادي بعد بلوغ حل مستدام «محرّكات توربو» كفيلةً بنقْلها سريعاً جداً إلى ضفةِ الاستقرار الطويل الأمد.
وفي موازاة ذلك، أبْقَتْ الأوساطُ عيْنُها على تقويمها القاتم لِما قد يكون لبنان مُقْبِلاً عليه في الأسابيع الأولى من 2026 والذي سيتبلور أكثر في ضوء لقاء دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في 29 الجاري، على وقع تلويح مستمرّ من تل أبيب بأن ثمة «ضربةً حتميةً» لحزب الله، تراوح بين وشيكة ومؤجَّلة مرة جديدة، وملامح «قلْب أولويات» إسرائيلية تحت عنوان «قطع رأس الأخطبوط أولاً»، أي إيران، بما يجعل أذرعها تتهاوى أكثر، من حزب الله الى حماس والحوثيين والفصائل العراقية.
وفي هذا السياق، توقفت الأوساط عند «القضية» التي يَبْنيها نتنياهو ضد إيران وبرنامجها البالستي لعرْضه على ترامب بعد 6 أيام، والمعطيات التي لاحت عن محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي إقناع الرئيس الأميركي خلال لقائهما المرتقب بجدوى إزالة «المشكلة من جذورها» واجتثاث العائق الأكبر أمام مشروع الرئيس الأميركي للشرق الجديد، أي طهران إما بالقوة العسكرية أو بمزيد من الضغط المتعدّد البُعد ولا سيما الاقتصادي.
وتساءلت الأوساط هل نحن أمام احتمال تكرار «الخديعة» التي سبقت حربَ الـ 12 يوماً ضد إيران في يونيو الماضي، وهذه المَرة عبر ما تم الإيحاء به على امتداد الأسابيع الأخيرة من أن تل أبيب تريد توجيه ضربة قاصمة لـ «حزب الله» لتحييده قبل الانقضاض على طهران، في حين أن «الهدف الذهبي» وذي الأولوية بات الجمهورية الإسلامية «أولاً».
مَخاطر الحرب على لبنان ولا يقلّل هذا السيناريو بأي حالٍ من المَخاطر التي تحدق بلبنان ربطاً بملف سحْب سلاح حزب الله والذي يبدو فيه الوطنُ الصغير كمَن يسير على طريقٍ مليء بالحفر السحيقة التي يَسعى إلى رَدْمِها تباعاً كي يبقى يتقدّم بعيداً من «عاصفة النار» التي تشي بأنها هبّت مع «وقف تنفيذٍ» يُرْبط بأمرين:
* الأول إذا كانت الحكومةُ وفي معرض إعلانها المرتقَب رسمياً في 5 أو 6 يناير - كما وجّه رئيسُها نواف سلام في اليومين الماضيين – عن انتهاءِ مرحلة سَحْب سلاح «حزب الله» جنوب الليطاني، ستحدّد جدولاً زمنياً لمرحلة شمال النهر وتحديداً المنطقة الواقعة بين الليطاني ونهر الأولي (وفق الخطة المُمَرْحَلة التي كان وضعها الجيش وتبنّتْها الحكومة في 5 سبتمبر تنفيذاً لقرار حصر السلاح بيد الدولة).
ومن شأن هذه الخطوة أن تساعد في سَحْبِ المزيد من الذرائع من يدِ إسرائيل المتحفِّزة لضَرْب «حزب الله» والتي كانت تستعدّ للضغط على «زِرّ الحرب» أوائل ديسمبر قبل أن يُفَرْمِلها الأميركيون، بعدما زوّدهم لبنان الرسمي «بورقةِ ضغط» ضد نتنياهو شكّلها رَفْعُ مستوى التمثيل في لجنة الإشراف على اتفاق وقف النار (27 نوفمبر 2024) الى دبلو – مدني بتكليف السفير السابق سيمون كرم ترؤس وفد «بلاد الأرز» إليها.
ويَسود اعتقاد في هذا الإطار أنه ما لم تَقلب تل أبيب الطاولة بضربة على إيران، فإنّ تدشينَ مرحلة شمال الليطاني يمكن أن «يشتري» لبيروت وقتاً إضافياً جديداً حتى أواخر فبراير، الشهر المفترَض لمؤتمر الدول المانحة لدعْم الجيش اللبناني والذي أكد الرئيس جوزف عون، أمام مجلس الوزراء أن هناك «وعداً مبدئياً بعقده» في هذا الموعد وفق «النتائج الإيجابية» لزيارة العماد رودولف هيكل لباريس الأسبوع الماضي ومشاركته في اللقاء الفرنسي – الأميركي – السعودي.
* والأمر الثاني الذي يرتبط به «رَكْلُ كرة النار» بعيداً، هو موقف «حزب الله» من سحب سلاحه شمال الليطاني، ولا سيما في ظل المعطياتِ التي لم تتبدّل عن أنه لن يتعاون في هذا الإطار، وأنه يتجه لإعلان الامتثال لمندرجات اتفاق 27 نوفمبر - وفق تفسيره له - وللقرار الأممي 1701 مع نهاية السنة، ببيانٍ يؤكد فيه أنه لم يَعُد له وجود عسكري جنوب النهر، وأن ما عدا ذلك لا نقاش فيه قبل انسحاب إسرائيل من النقاط التي ما زالت تحتلّها ووقف الاعتداءات وإطلاق الأسرى، وعلى أن يكون ذلك في إطار حوارٍ داخلي حول إستراتيجية دفاعية «ولو أطبقت السماء على الأرض» كما كان أعلن أمينه العام الشيخ نعيم قاسم.
وفي الوقت الذي نفّذت إسرائيل، غارة في قضاء صيدا استهدفت سيارة كان فيها 3 من «حزب الله» سقطوا داخلها، أبلغ رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى وزير الدفاع الإيطالي GUIDO CROSSETTO خلال استقباله إياه، «أن لبنان يرحّب بمشاركة إيطاليا ودول أوروبية أخرى في أي قوة تحلّ محل قوة«اليونيفيل»بعد اكتمال انسحابها سنة 2027، وذلك لمساعدة الجيش اللبناني في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من التلال والأراضي التي تحتلها».
وقال عون «إن خيار التفاوض الذي اعتمده لبنان الذي كلّف سفيراً سابقاً ترؤس الوفد اللبناني في لجنة الميكانيزم، هدفه وقف الأعمال العدائية وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الأسرى المعتقلين في إسرائيل وإعادة السكان الجنوبيين الى قراهم وممتلكاتهم، ولبنان يَنتظر خطوات إيجابية من الجانب الإسرائيلي، ونَعتمد على دول صديقة مثل إيطاليا للدفع في اتجاه إنجاح العملية التفاوضية والوصول الى نتائج إيجابية».
وأكد الرئيس عون لوزير الدفاع الإيطالي «أن لبنان بلد مُحِبّ للسلام ولا يريد الحرب بل يعمل لحفظ الأمن وحماية الحدود وبسط سيادة الدولة، وهذا ما يجب ان يتولاه الجيش اللبناني بالتعاون مع الدول الصديقة الراغبة في مساعدته، لا سيما أننا تعلّمنا من الحروب المتتالية على أرضنا انه لا يمكن ان ينتصر فريق على آخَر، ولا بد في النهاية من التفاوض».
بدوره، أشار الوزير الإيطالي إلى «أن بلاده ترغب في إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بعد انسحاب اليونيفيل منها»، لافتاً إلى «وجود دول أوروبية أخرى تنوي أيضاً اتخاذ الموقف نفسه». وقال «إن هذه الخطوة تهدف الى دعم الجيش اللبناني في مهامه في الجنوب لان إيطاليا تَعتبر ان أمن لبنان والمنطقة والبحر المتوسط يتحقق من خلال تعزيز دور الجيش اللبناني وتوفير الإمكانات الضرورية له».
من جهة أخرى، لفت عون أمام وفد من اتحاد مجالس رجال الأعمال اللبنانية الخليجية إلى أنّ «لبنان بدأ يستعيد عافيته رغم الجرح النازف في الجنوب، ومسؤوليتكم كبيرة في المساهمة في نهضته الاقتصادية وتعزيز الثقة الخليجية به لاسيما وان قادة دول الخليج الذين التقيتهم أجمعوا على الإشادة بدور الجاليات اللبنانية في هذه الدول».