لا أحد يُجادل بأهمية برامج سهل وهويتي وذخر والبصمة البيومترية وأنظمة حوسبة الوزارات والشركات وضبط الحضور والانصراف في ساعات العمل، وكذلك كيفية احتساب زكاة المؤسسات التجارية.

فهذه البرامج والتطبيقات ثبت للجميع أهميتها وحيويتها ودورها في تسهيل المعاملات ومنع التلاعب والغش... لكن حديثنا ينحصر في تكنولوجيا التعليم، هل حققت النتائج المرجوة منها؟ وما هي مخرجات التعليم الرقمي؟

الى جانب التكاليف الباهظة التي تم إنفاقها على شراء الأجهزة وتنصيب البرامج وتالياً تشغيلها وصيانتها! وما حققته الشركات الكبرى من أرباح وما لها من تأثير خارج المجال الاقتصادي وصولاً إلى السياسي والأمني والاجتماعي.

الجواب أتركه لكل منصف ومراقب للميدان التربوي وما يعانيه من مشاكل فقدان الانتماء والتسيّب الدراسي وضعف الأداء المهني ومخرجات التعليم وترهل الوظائف الإشراقية!!

ولن أتطرق الى تجربة جهاز التابلت في وزارة التربية، وما هي الدورة المستندية في إقرار التعليم الرقمي والى ماذا انتهت إليه! مكتفياً بالإشارة فقط الى ما يهمنا حيث يبذل بعض الآباء قصارى جهدهم للحد من أضرار الشاشات في المنزل، لكن أطفالهم يذهبون إلى المدرسة ويقضون ساعات أمام الشاشات تحت ستار التكنولوجيا التعليمية!

فمن اثبت أن هذا الكم الهائل من التعليم عبر الشاشات هو الأفضل لأطفالنا؟ لم يثبت ذلك أحد على الرغم من كثرة أجهزة ومؤسسات مراقبة التعليم ومستوى الجودة في العالم؟ هذا الى جانب أجهزة الهاتف التي لا تكاد تفارق يد الطلاب والطالبات أكثر من اقتناء الكتب والمراجع العلمية الأصيلة!

لقد أنفقت المدارس الخاصة ذات النوايا الحسنة، مبالغ طائلة لشراء أحدث البرامج وتطبيقها، ودرّبت معلميها على استخدامها. وقد كانت بعض الأدوات مفيدة للمعلمين.

لكن لدينا الآن بيانات أفضل من أطباء وأكاديميين اجتماعيين ونفسيين ذوي خبرة حول تأثير التكنولوجيا سلباً على التلاميذ، لذا يجب علينا إيقافها موقتاً، وفي كثير من الحالات، إرجاعها إلى الوراء، نظراً إلى هذه الحقائق التي أقرّها العقلاء في العالم.

فقد نشر معهد «كارولينسكا» في السويد أخيراً بحثاً خلص إلى وجود أدلة علمية واضحة على أن الأدوات تُعيق التعلم بدلاً من تعزيزه. وقد انتبهت السويد لذلك، وكانت أول دولة تُخرج التكنولوجيا من الفصول الدراسية، مُعيدةً الاستثمار في الكتب والورق والأقلام. وقد تجرأت على الاعتراف بأن التكنولوجيا التعليمية كانت تجربة فاشلة!

قال مؤسس شركة «مايكروسوفت» بيل غيتس، إن للأجهزة سجلاً سيئاً في الفصول الدراسية!

وتفيد منظمة «اليونيسكو» بأن الاعتدال هو الكلمة الفصل في ما يتعلق باستخدام التكنولوجيا في الفصول الدراسية.

وقد وجدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن معظم التكنولوجيا التعليمية لم تحقق الفوائد الأكاديمية المرجوة، وأن الطلاب الذين يستخدمون الحواسيب بكثرة في المدرسة يُحققون نتائج أسوأ بكثير في معظم نتائج التعلم. وتشهد درجات الاختبارات العالمية في الرياضيات والعلوم والقراءة انخفاضاً حاداً.

والسبب في ذلك كله أن الجسم خصوصاً العقل قد تخلى عن كثير من وظائفه لأنه وجد من يقوم بدلاً عنه بها حتى تبلّد الذهن وتقلّصت الذاكرة، وهذا تماماً مثل جسد المريض المشخص بارتفاع ضغط الدم والكوليسترول، وفي حال استمرار أخذ العقاقير الطبية المخفضة، لذلك نجد الجسم يتخلى عن هذه الوظيفة لأن هناك مَنْ يقوم بهذا الدور.

فهل نتدارك إصلاح التعليم قبل فوات الفوت؟ والتربية عندنا قبل التعليم، فإذا فقدنا التربية فقدنا كل شيء. ومن نافلة القول ما نجده من انتشار تطبيقات الأمن السيبراني وما يحققه من أرباح للشركات العالمية بأرقام فلكية، يوضح لنا أن المسألة تجارية... من دفع دون مقابل أو مردود!