في عالم تتعاظم فيه التحديات وتتسارع التغيرات، تبرز المرأة الدبلوماسية كصوتٍ للحوار والتجربة والحكمة، وجسرٍ للتفاهم، وأداةٍ فعالة لصناعة السلام وتعزيز التنمية. وفي هذه السلسلة من الحوارات الخاصة، نسلّط الضوء على تجارب سفيرات ودبلوماسيات يمثلن بلدانهن في الكويت، حيث كشفن لـ«الراي» عن القصص الملهمة التي تقف خلف المواقف الرسمية، والأدوار الفاعلة التي تؤديها النساء في صياغة السياسات الخارجية، وبناء الجسور بين الشعوب، والدفاع عن قضايا أوطانهن. من التحديات إلى النجاحات، ومن البرلمان إلى السفارات، تروي لنا هؤلاء السيدات مسيرة مليئة بالإصرار، والانتماء، والرؤية.
مسار مختلف
سفيرة إندونيسيا في الكويت لينا ماريانا لم تأتِ إلى الدبلوماسية من المسار التقليدي، بل من عمق التجربة التشريعية والخدمة العامة في البرلمان الإندونيسي. ومع ذلك، حملت في حقيبتها الرسالة نفسها: خدمة الشعب والدفاع عن مصالح الوطن، ولكن هذه المرة من منصة عالمية، وعبر لغة الحوار والدبلوماسية الإنسانية.
تشرح ماريانا لـ«الراي» مسيرتها الدبلوماسية، فتقول «رحلتي في الدبلوماسية لم تكن تقليدية. انطلقت من العمل التشريعي والخدمة العامة، إذ شغلت لعدة دورات مقعداً في البرلمان الإندونيسي. لكن جوهر العمل ظل واحداً: خدمة الشعب وتمثيل مصالح إندونيسيا. حين تم منحي الثقة لتولي منصب السفيرة، رأيت فيه فرصة لنقل خبرتي في السياسات والتفاوض والدفاع عن الحقوق إلى ساحة دولية، حيث أواصل بناء الجسور لكن هذه المرة بين الأمم».
تحديات
وتطرقت السفيرة إلى التحديات التي واجهتها كامرأة ودبلوماسية غير تقليدية، فقالت «كوني امرأة، ومن خارج السلك الدبلوماسي التقليدي، واجهت بعض الشكوك في البداية. ولم يكن التشكيك في كفاءتي، بل في خلفيتي غير النمطية. لكنني تغلبت على ذلك بالعمل الجاد، والإعداد المتقن، والقيادة بصدق. وكنت أذكر نفسي دائماً أن جوهر الدبلوماسية هو الثقة، والتعاطف، والفعالية، وليس الألقاب ولا الأقدمية».
وعن النوع الاجتماعي وتأثيره على أسلوب العمل الدبلوماسي، قالت «يؤثر بلا شك. فالنساء غالباً ما يدخلن الدبلوماسية بحس عالٍ من التعاطف، والقدرة على التعاون، والذكاء العاطفي. وهذه الصفات تصبح قوة حقيقية، خاصة في لحظات التوتر أو الغموض. ورأيت كيف يمكن لنبرة ناعمة أن تفتح حواراً صعباً، وكيف أن القيادة الشاملة تخلق شراكات طويلة الأمد. النوع الاجتماعي ليس عائقاً، بل أداة إضافية لصنع السلام».
تأثير وصفات
وتستذكر ماريانا أكثر اللحظات الباقية في حياتها الدبلوماسية، فتقول «أحد أكثر اللحظات تأثيراً في مسيرتي كان خلال تواصلي المباشر مع الجالية الإندونيسية في الكويت. فقد كنت حريصة على الاستماع لمخاوفهم والعمل على معالجتها، سواء في التعليم أو الحماية القانونية أو الدعم النفسي. وتلك اللحظات ذكّرتني أن الدبلوماسية ليست فقط عن الاستقبالات الرسمية أو الاتفاقيات، بل عن الاستجابة لحاجات الناس، في صمت، وبإنسانية».
وعددت الصفات القيادية التي تراها ضرورية للنجاح في الدبلوماسية، فرأت أنها «النزاهة، والمرونة، وفهم الثقافات، والتواصل الواضح. وكقائدة، عليكِ أن تُصغي أكثر مما تتحدثين، لكن حين تتحدثين افعلي ذلك بوضوح وهدف. كما أؤمن أن التعاطف جزء أساسي من القيادة. فالدبلوماسية ليست مجرد اتفاقات، بل علاقات. والعلاقات تنمو في بيئة يسودها الاحترام».
ووجهت نصيحة للشابات الراغبات في الانضمام إلى السلك الدبلوماسي، بالقول «لا تنتظرن من يمنحكن الإذن، تقدمن بأنفسكن. وأصواتكن، ورؤاكن مهمة. كُنّ فضوليات تجاه العالم، وطوّرن مهاراتكن اللغوية والتفاوضية، وابنين ثقتكن بأنفسكن لبنة لبنة».
دبلوماسية... اقتصادية
تحدثت سفير إندونيسيا لينا ماريانا عن تجربتها كسفيرة في الكويت، فقالت إنها «تجربة تقودها الدبلوماسية الاقتصادية، وتعززها العلاقات بين الشعوب، وتركّز على نتائج حقيقية ومستدامة. منذ تعييني في 2021، انصبّ اهتمامي على تعزيز العلاقات الإندونيسية - الكويتية من خلال الاستثمار والتعاون الثقافي».
وأضافت «في قطاع الطاقة، من أبرز إنجازاتنا تسهيل استحواذ شركة KUFPEC الكويتية على حصص في حقول نفطية بإندونيسيا، مع التزام باستثمار يصل إلى 10 مليارات دولار في قطاع النفط والغاز في آتشيه، وهو نقلة نوعية بين البلدين. كما أطلقنا منتديات استثمارية مشتركة، ركزت على البنية التحتية والسياحة المستدامة، بهدف تحويل الدبلوماسية إلى تنمية حقيقية».