في زيارة الرئيس اللبناني العماد جوزف عون إلى دولة الكويت، كمن يعود إلى بيته الثاني. لم تكن زيارته مجرد محطة رسمية، بل حملت في طياتها رمزية خاصة تعكس عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين لبنان والكويت، تلك العلاقات التي تعود جذورها إلى ما قبل استقلال البلدين، وتُجسدها روابط إنسانية واقتصادية واجتماعية لاتزال حية حتى اليوم.
تاريخ من الود والتواصل
شكل التجار اللبنانيون أحد مكونات النسيج الاقتصادي والاجتماعي في الكويت، حيث كان لهم حضور فاعل في مجالات التجارة والتعليم والصحافة. وفي المقابل، امتلك العديد من الكويتيين بيوتاً وعقارات في لبنان، خصوصاً في بيروت والمناطق الجبلية، ما يعكس متانة العلاقات المتبادلة وتقدير الطرفين لبعضهما البعض.
ولم تقتصر العلاقة على الجانب الاقتصادي فقط، بل امتدت إلى المصاهرة والروابط العائلية، حيث نشأت العديد من الأسر المشتركة التي جمعت بين اللبنانيين والكويتيين، لتضيف إلى العلاقة بعداً إنسانياً واجتماعياً متيناً.
الموقف اللبناني
من الغزو العراقي للكويت
موقف لبنان من الغزو العراقي في أغسطس 1990، كان داعماً للحق الكويتي، رغم الظروف السياسية المعقدة التي كان يمر بها لبنان آنذاك. عبّر اللبنانيون – شعباً ونخباً – عن رفضهم الصريح للغزو ووقوفهم إلى جانب السيادة الكويتية، في موقف أخلاقي وإنساني يليق بتاريخ لبنان ومبادئه.
الصندوق الكويتي للتنمية...
شريك دائم في إعمار لبنان
لا يمكن الحديث عن الدعم الكويتي للبنان دون الإشارة إلى الدور الريادي الذي اضطلع به الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والذي كان حاضراً في مختلف مراحل الإعمار والبناء بعد الحرب الأهلية اللبنانية، وكذلك بعد الأزمات المتعاقبة التي شهدها البلد.
ساهم الصندوق في تمويل العديد من المشاريع الحيوية في لبنان، من بينها مشاريع البنية التحتية، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحي، والتعليم، والصحة. كما كان له دور فعّال بعد عدوان 2006، حيث موّل إعادة إعمار عدد من القرى والمناطق المتضررة، في رسالة واضحة تعكس التزام الكويت بدعم استقرار لبنان ورفاه شعبه.
وتجدر الإشارة إلى أن الصندوق الكويتي لم يكن مجرد جهة مانحة، بل شريك حقيقي في التنمية، حيث اعتمد في دعمه على معايير الشفافية والجدوى الاقتصادية، ما ساهم في استدامة العديد من المشاريع التي نُفذت على أرض الواقع.
الكويت ومرفأ بيروت
عندما هزّ انفجار مرفأ بيروت العاصمة اللبنانية في الرابع من أغسطس 2020، كانت الكويت من أوائل الدول التي سارعت إلى تقديم الدعم والمساندة. لم تتأخر الكويت في إرسال المساعدات الطبية والغذائية، كما شاركت فرقها الهندسية والإنقاذ في عمليات المسح والمساعدة. وقد عبّرت هذه الخطوة عن روح التضامن العربي، وجاءت امتداداً طبيعياً لعلاقة لا تقوم فقط على المصالح، بل على القيم والأخوة.
شراكة أمنية وآفاق جديدة
تحمل زيارة الرئيس جوزف عون إلى الكويت رسائل متعددة، أبرزها التأكيد على العلاقة الودية بين البلدين قبل أي اعتبار آخر وأهمية التنسيق الأمني والعسكري بين الجيش اللبناني والدول الخليجية، وفي مقدمتها الكويت، في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة. كما تفتح الزيارة آفاقاً جديدة لتعزيز التعاون في مجالات التدريب والدعم اللوجستي، انطلاقاً من الثقة التي يحظى بها الجيش اللبناني ومكانة الكويت في العالم العربي.
بين لبنان والكويت قصة محبة وصداقة عمرها عقود، لا تهزها الظروف ولا تغيرها التحولات. وزيارة الرئيس جوزف عون تأتي لتذكّر الجميع بأن الأوطان قد تتباعد جغرافياً، لكنها تقترب أكثر حين تجمعها الأخلاق والتاريخ والمصير الواحد.