لا نندهش ونهتف بانزعاج متذمرين من أين أتىٰ هؤلاء؟... وننسى أننا نحن الذين جاملناهم على حساب الوطن والمواطن في المسائل الواضحة والثوابت المجتمعية... ومنحناهم كامل الفرص لتشكيل معالم التفكير ومبادئ التربية للأجيال القادمة من أجل أن يرضوا عنا ولو قليلاً وموقتاً؟ وهم بطبيعة الحال لن يرضوا عنا إلا بأن نتبع ملتهم بكل حذافيرها...

كم توهمنا أنه من التسامح والعدل ومبادئ الدمقراطية المشتركة أن نتواصل معهم تواصل تعاون وتكافل بَلْ ودعم غير مشروط!

وفي كل حال وبكل مجال –حتى انتشروا في مفاصل الدولة– وننسى أن الغالبية الساحقة من برامجهم ودوراتهم الخاصة والعامة تستهدف شيطنة جميع الأنظمة والحكومات، بل والإنسان عموماً إذا لم يكن منهم ومعهم! وصولاً إلى قمعه وخفضه إلى تابع (للجماعة أو الحزب أو الطائفة أو القبيلة) تحقيقاً للمبدأ العسكري (نفذ ثم ناقش) بعيداً عن نظام القانون.

فالمسألة هنا ليست خيار ترف ثقافي أو ترفيهي بل هي مسألة فاصلة هل أنت مع الإنسان أو ضد الإنسان؟ مع الفوضى أو مع الدولة؟ هناك خيارات فكرية داخلة في إطار التنوع البشري مهما كانت درجة جمودها وانغلاقها لكن يمكن مسايرتها دون الذوبان فيها... بينما هناك تيارات أخرى لا يمكن التعايش معها مثل الصدّامية أو الفاشية أو القذافية أو الصهيونية أو الداعشية أو تنظيم الدولة الإسلامية؟ لأن هذه النظريات تنطلق صراحة من أدلجة للعقل عقائدياً مؤسساً على أمراض الحقد والكراهية لكل نوع إنساني... ومن الأخطاء المزمنة في تعاطينا الفكري والإعلامي معهم أننا نتبعهم في تحديد المنطلقات وأعمدة الرؤىٰ لقضايا مصيرية حتى وإن اختلفنا معهم فيها مثل (ثورات الربيع – الهوية الوطنية والمظاهرات) فنجدهم ينجحون في جرّنا إلى المربع الأول الذي يريدون منا أن ننطلق من خلاله معهم ليستطيعوا أن يقنعونا بأدبياتهم الخاصة بعيداً عن روح العقل والمنطق فضلاً عن الشرع الحنيف!

في محاولة لإلهائنا بالفكرة العابرة من خلال إثارة العواطف أو الغيرة حتى نقع أسرى لذلك الأسلوب الذي يسعى إلى فرض خياراته الشوهاء بالقوة وسط هتافات الجماهير وأهازيج الفزعة الرقمية وغوغائية الإعلام الموجه من مشايخ الضلال لتسويغ المظاهرات المليونية ليس في الكويت فحسب بل والعالم العربي والإسلامي... وكأننا (غنم سارحة) ومجرد حقل مجاني مُتاح لتفجير الألغام لمحترفي الثورات وثقافة الإقصاء وإلغاء الآخر!

وهنا أعترف لأقول: لقد نجح فكر العاطفة في استغلال الدين واعتلى منصات التواصل الاجتماعي تحدوه فتاوى علماء منحرفين مضللة لتسويغ القتل والقتال مع وعودهم بالجنة والحور العين! حتى وإن لم تكن تملك سلاحاً! حتى وأنت عاجز عن توفير قوت يومك!

في تقديري، كان يجب أن يكون النقاش في الكويت عبر منابر الجامعة ومجلس الوزراء ووزارة الأوقاف والعدل منصباً على جوهر سلوك التطرف والإرهاب الذي بدأ للجميع عالمياً (سلوكاً همجياً) إلى بعد الحدود فلا زالت شبكات الإرهاب ترصدها أجهزة الأمن في جميع الدول بلا استثناء، والمشكلة مع هؤلاء ليست محصورة في رأي أو مقاربة ولا هي جزئيات نشاط إنساني واجتماعي وعمل خيري بحيث يمكن حلها والالتفاف حولها...

ولكن المشكلة في ما تكنه صدورهم وما يستلزمه ذلك من إرادة وعزم لممارسة القمع والإبادة وفرض الوصايا متى ما آلَ لهم الأمر وتمكنوا من القيادة!

فهل وصلت الرسالة؟