في ظل التخمة النفطية الحالية التي يتوقع أن تتفاقم مع قرار منظمة (أوبك+) بزيادة الإنتاج تدريجياً، والسماح بضخ كميات إضافية من النفط المخزّن لدى الدول الأعضاء، يبدو أن السوق تواجه تحديات كبيرة. هذا التوجه قد يكون محاولة من المنظمة لتخفيف الضغوط السياسية التي قد تتعرّض لها إذا لم تتخذ خطوات واضحة لخفض الأسعار من خلال زيادة العرض. لكن في المقابل، فإن وفرة المعروض مقارنة بالطلب قد تؤدي إلى تراجع الأسعار بشكل حاد.

يأتي هذا في وقتٍ تفرض فيه الولايات المتحدة ضرائب على واردات الديزل من كندا والمكسيك وأوروبا، بالإضافة إلى الصين، وهو ما قد يؤدي إلى ردود فعل تجارية مماثلة، مسبباً حالة من الركود التجاري وارتفاع التضخم، ما قد يؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل سلبي. في ظل هذا السيناريو، قد يصبح سعر 50 دولاراً للبرميل واقعاً، وهو مستوى قد ترحب به الإدارة الأميركية، لكنه في الوقت ذاته لن يكون في صالح منتجي النفط في الولايات المتحدة،

لا سيما منتجي النفط الصخري، الذين يحتاجون إلى أسعار أعلى لضمان جدوى عملياتهم. فالسعر التعادلي عند 50 دولاراً ليس ثابتاً، والحقول القادرة على تحقيق أرباح عند هذا المستوى على وشك النضوب.

ورغم ذلك، فإن الشركات النفطية الأميركية لا تزال متفائلة ولا تأخذ في الحسبان احتمال وصول الأسعار إلى هذا المستوى، بل تواصل خططها لزيادة الإنتاج، مدعومة بسياسات الإدارة الأميركية التي تتبنى شعار «الحفر ثم الحفر». وتعمل الحكومة على تسهيل عمليات التنقيب عبر فتح الأراضي الفيدرالية أمام الاستثمار النفطي، بل وحتى النظر في تخفيف بعض القيود البيئية الصارمة، بهدف تحقيق هدف إستراتيجي يتمثل في رفع إنتاج النفط الأميركي إلى 20 مليون برميل يومياً خلال السنوات الخمس المقبلة، بزيادة 6.5 مليون برميل عن المستوى الحالي، البالغ 13.5 مليون برميل يومياً، وهو الأعلى عالمياً.

غير أن بلوغ هذا الهدف ليس بالأمر السهل، لا سيما مع استقرار الأسعار حالياً عند 68 دولاراً للبرميل، وهو نطاق سعري مريح للمنتجين، حيث يحققون أرباحاً تبلغ نحو 20 دولاراً لكل برميل. وبالتالي، لا يوجد دافع قوي لدى الإدارة الأميركية لإجبار المنتجين على خفض الأسعار، طالما أن المستهلك الأميركي لا يواجه أعباءً كبيرة بسببها.

لكن إذا قرّرت (أوبك+) ضخ الكميات المخزونة، التي تصل إلى نحو 6 ملايين برميل يومياً، دون أن يكون هناك طلب عالمي حقيقي، فإن ذلك قد يؤدي إلى انهيار الأسعار، وهو ما سيضر بمنتجي النفط الأميركيين، ما سيدفعهم إلى تقليص الإنفاق وتسريح العمالة، وقد يضطر قطاع النفط الصخري إلى تقليل عدد الحفارات والدخول في حالة من الترقب والانتظار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهو ما سيكون وضعاً مصيرياً قد يؤدي إلى موجة من الاندماجات والاستحواذات، مع استحواذ الشركات الكبرى على الشركات التي لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة.

ويبقى التساؤل الأهم: هل بلغ استهلاك النفط ذروته؟ مع التوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية، إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة الضرائب، وارتفاع التضخم، قد نكون بالفعل أمام بداية مرحلة جديدة من التراجع في الطلب على النفط، وهو ما قد يعجّل بانخفاض الأسعار بشكل أكبر، وربما إلى مستويات لم تكن متوقعة.

محلل نفطي مستقل

naftikuwaiti@yahoo.com