هل قالتها؟ أم أن منظرها الجميل الشامخ وهي تصعد المقصلة ولم تتجاوز الأربعين عاماً من عمرها، هذا المنظر المهيب هو الذي جعل خيال الأدباء يصور لهم تلك الجملة الشهيرة التي أصبحت عنواناً لأحداث كثيرة: (إيه... أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك).

مدام رولان (Madam Roland) الناشطة السياسية الفرنسية التي وقفت مع الثورة الفرنسية التي استمرت من 1789 حتى 1799، وأثناء تلك الثورة اختلفت مع بعض صُنّاعها فكانت عاقبتها في نوفمبر عام 1793، المقصلة الفرنسية الشهيرة.

لقد ذهبت رولان، وبقيت جملتها عنواناً لكثير من الأحداث التي أتت بعدها، اليوم نحن نحتاج إلى تكرار هذه الجملة كل يوم، كم من الوطنية التي يصرخ بها اليوم بعض من حولنا هي مجرد شعار لتمرير أجندات ضد الوطن واستقراره، كم من قضايا قومية يتبناها أشخاص ويتغنون بها ليلاً ونهاراً وهم يسعون لإفساد القضايا القومية وإسقاطها.

جرائم لا تُعدّ نراها اليوم تُرتكب باسم الوطن وباسم قضايا إسلامية أو قومية، إنهم آلاف من صانعي المقاصل يعيشون بيننا وباسم الوطن وباسم قضايانا يدفعون المصلحين إلى المقصلة.

أعرف بعض الليبراليين والليبراليات لا يتحدثون إلا عن الحرية والوطنية، وهم يحاربون ثوابت أمتنا ولغتها ودينها، جرائم تُرتكب باسم الوطنية، أعرف بعض الأقليات لا يتحدثون إلا عن المساواة والعدالة وهم يُسقطون حق الأغلبية في إدارة شؤونهم ويمدّون أيديهم للخارج للغرباء ليساعدوهم ضد أبناء وطنهم باسم العدالة والمساواة، فكم من الجرائم تُرتكب باسم العدالة والمساواة.

في غزة حيث العالم الغربي لا يرى شعبها، دول تتحدث عن الديمقراطية وحق الإنسان في وطنه، هذه الدول نفسها لا تُمانع من طرد أهل غزة من وطنهم وهي لا ترى معظم دول العالم المُعارضة لها، كم من الجرائم ترتكب باسم الديمقراطية؟

في سوريا اليوم آلاف من الأصوات في منصات التواصل تصرخ ضد النظام الجديد باسم من؟! باسم الحرية والمساواة ونبذ الطائفية وكل الشعارات الجميلة، أصوات سكتت على كل أنواع الهدم والطغيان والقتل والتشريد عقوداً وهي اليوم تفتح صندوق القيم لإسقاط مستقبل لم تُحدد ملامحه بعد دون صبر ولا أمل، كم من الجرائم ترتكب باسمك أيتها القيم.

دولة جميلة في عالمنا العربي أضاعها بعض من أهلها، عقود قليلة كانت كافية لتحويل تلك البقعة الراقية إلى ما نراه اليوم من... لا شيء... للأسف، بعض من أهلها ارتكبوا جرائم لا تعد، اغتيالات؛ دمار؛ تهريب؛ زراعة المخدرات... كل ذلك باسم المقاومة، كم من الجرائم ارتُكبت باسمك أيتها المقاومة.

إن الاعداء الحقيقيين لأوطاننا هم من يلبسون القيم ليقتلوا القيم؛ إننا نعرفهم بلحن القول، ونعرف أعمالهم، إنهم صُنّاع الفتن! وقانا الله من شرورهم.