تواجه الكويت تحديّاً مالياً في ميزانيتها للعام المالي 2025-2026، حيث يتوقع أن يصل العجز المالي إلى 6 مليارات دينار كويتي، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 12 % مقارنة بالعام الحالي. ولتحقيق ميزانية متوازنة وخالية من العجز، يجب أن يبلغ متوسط سعر برميل النفط الكويتي 90 دولاراً أميركياً اعتباراً من أبريل المقبل. ومع ذلك، يبدو هذا الرقم بعيد المنال، خاصة في ظل الظروف الحالية لسوق النفط العالمية.

في المقابل، اعتمدت الميزانية سعراً محافظاً للنفط عند 68 دولاراً للبرميل، وهو تقدير يبدو واقعياً مقارنة بالسعر التعادلي المطلوب، لكنه لا يزال أقل بكثير من الحد الذي يضمن التوازن المالي الكامل للدولة.

في الوقت الحالي، يبلغ سعر خام برنت حوالي 75 دولاراً للبرميل، أي أنه أقل بـ 15 دولاراً عن السعر المطلوب لتحقيق ميزانية متعادلة. ومع التوقعات السائدة في الأسواق، يرجح أن يتراوح سعر النفط بين 70 و75 دولاراً للبرميل خلال العام المقبل، وهو نطاق سعري يُعتبر مناسباً للاقتصاد العالمي، حيث يساعد على تجنب الضغوط التضخمية وارتفاع أسعار السلع والخدمات عالمياً.

إضافة إلى ذلك، تزداد الضغوط الاقتصادية مع توجه الإدارة الأميركية نحو فرض ضرائب جديدة على كندا والمكسيك والصين، مما قد يؤثر على أسواق النفط العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تستورد يومياً ما بين 4 إلى 5 ملايين برميل من النفط الكندي، مما يجعل أي تغيير في السياسات الضريبية الأميركية ذا تأثير مباشر على التدفقات التجارية النفطية. في الوقت نفسه، تواصل واشنطن الضغط على منظمة (أوبك) لخفض أسعار النفط، متجاهلة حقيقة أن المنتجين الأميركيين بحاجة إلى سعر يتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل لتحقيق أرباح وتغطية تكاليف الإنتاج وسداد التزاماتهم المالية تجاه المستثمرين والمساهمين.

وعود على بدء، الميزانية الجديدة تبداً في الأول من أبريل 2025، مع تقدير الإيرادات النفطية بنحو 18 مليار دينار كويتي، في حين أن المصروفات تصل إلى 25 مليار دينار، مما يخلق فجوة مالية قدرها 6 مليارات دينار. ومن الملاحظ أن المرتبات والدعومات تستحوذ على 80 % من إجمالي المصروفات، وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على الميزانية العامة للدولة.

أما المصروفات الرأسمالية المخصصة للمشاريع التنموية، فتبلغ 2.2 مليار دينار، بانخفاض نسبته 2 % مقارنة بالعام السابق، رغم أهمية هذه المشاريع في تحقيق عوائد اقتصادية مستقبلية للبلاد. وبالتالي، هناك ضرورة ملحة لإيجاد مشاريع تنموية مستدامة قادرة على توليد إيرادات إضافية للدولة، بالإضافة إلى تعزيز العوائد من الاستثمارات الخارجية، ولا سيما تلك التي تديرها الصناديق السيادية، لضمان تأمين الموارد المالية للأجيال القادمة.

وتشمل المشاريع الحكومية المدرجة في الميزانية الجديدة مجموعة من المبادرات لتحديث البنية التحتية وتوسعتها، بما في ذلك:

إنشاء مركزين طبيين متخصصين في طب الأسنان وطب العيون.

تطوير مشاريع الصرف الصحي وتحسين شبكات المياه.

بناء استاديين رياضيين جديدين لكرة القدم لتعزيز البنية التحتية الرياضية.

توسعة مطار الكويت الدولي وبناء مبنى جديد لمركز علاج السرطان.

إنشاء الحرم الطبي لتوفير خدمات رعاية صحية متقدمة.

هذه المشاريع تساهم في تحسين الخدمات العامة وتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان، كما تمثل استثمارات حيوية لمستقبل الكويت، خاصة فيما يتعلق بتعزيز البنية التحتية وتحقيق التنمية المستدامة.

رغم أن الميزانية الجديدة لا تحمل تغييرات جوهرية مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية التعامل مع العجز المالي المستمر للسنة العاشرة على التوالي. وفي ظل استبعاد سيناريو ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قادرة على سد العجز، فإن الكويت مطالبة باستكشاف خيارات بديلة لمعالجة الأزمة المالية، ومن بينها

الخصخصة الجزئية لبعض الشركات والمؤسسات الحكومية، لا سيما في القطاع النفطي، وذلك لتعزيز الإيرادات. فالعديد من هذه الشركات كانت أصلاً جزءاً من القطاع الخاص، وبالتالي قد يكون من المفيد إعادة جزء منها إلى السوق المفتوحة. ويمكن اللجوء إلى إصدار سندات دين محلية أو دولية لتمويل العجز، لكن هذه الخطوة تأتي بتكاليف إضافية مرتبطة بخدمة الدين والفوائد المستحقة، مما قد يزيد الضغوط المالية على المدى الطويل.

ومن الحلول أيضاً، قد يكون بيع جزء من الأصول التي تمتلكها الكويت في محفظة استثمارية ضخمة في الصناديق السيادية العالمية خياراً لسد العجز المالي، ولكن هذه الخطوة تحتاج إلى دراسة دقيقة لضمان عدم التأثير على الأجيال القادمة.

ويبقى التساؤل: ما المسار الأقل كلفة والأكثر أماناً لمواجهة العجز المالي؟ هل يكون من خلال الخصخصة، أم الاقتراض، أم بيع الأصول، أم مزيج من هذه الحلول؟ هذه الأسئلة تتطلب إجابات واضحة وخططاً اقتصادية مدروسة من الاقتصاديين، لضمان مستقبل مالي أكثر استقراراً للكويت وأجيالها القادمة.

محلل نفطي مستقل

naftikuwaiti@yahoo.com