بعد الحرب العالمية الثانية، زاد بشكل كبير استهلاك الدجاج في أوروبا الغربية. وكانت النسبة الأكبر من الدجاج المستهلك تستورد من الولايات المتحدة الأميركية، على حساب الدجاج المحلّي. لذلك، فرضت دول «The European Economic Community»
(نواة الاتحاد الأوروبي) رسوماً جمركية باهظة على الدجاج الأميركي. فانخفض معدّل استيراده بشكل كبير، وردّت أميركا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على استيراد شاحنات «البيك آب» من تلك الدول، فانخفضت مبيعاتها بشكل حاد في السوق الأميركية بسبب الطفرة في أسعارها.
هذه المواجهة الجمركية الأوروبية الأميركية عُرفت في حينها باسم «حرب الدجاج». ومنذ ذلك الحين يَستدل بها العديد من مناهضي زيادة الرسوم الجمركية لتبيان العواقب السلبية بعيدة المدى لزيادة الرسوم الجمركية. وقد يكون أبرز هذه العواقب ارتفاع كُلفة السلع وتفاقم العجز الاقتصادي. فزيادة رسوم استيراد الشاحنات الأوروبية خفّض بشكل فوري الطلب على الشاحنات المستوردة، ولاحقاً خفّض الطلب على الشاحنات المحليّة، لأن أسعارها ارتفعت أيضاً بعد زيادة الطلب عليها مرحليّاً.
إلى جانب تقليل الفارق في الميزان التجاري، هناك دوافع أخرى لـ «حرب الدجاج» التي أعلنها قبل أيّام الرئيس الأميركي على الجارتين الشمالية والجنوبية والصين. وفي مقدّمة هذه الدوافع مكافحة تهريب مخدّر الفنتانيل (Fentanyl) الأفيوني إلى أميركا. حيث إن عشرات الآلاف يُتوفّون سنوياً في أميركا بسبب جرعات زائدة من هذا المخدّر.
فالصين، الدولة المنتجة مادة الفنتانيل والمكونات الكيميائية المستخدمة في صناعتها، مُتّهمة من قبل الإدارة الأميركية ببيع تلك المواد على عصابات المخدرات المكسيكية وغيرها. والحكومة المكسيكية أيضاً متهمة من قبل الإدارة الأميركية بالتحالف مع عصابات المخدرات وتوفير ملاذ آمن لها. وأمّا كندا، فقد تزايدت خلال السنوات الأخيرة الأدلة على تنامي استخدام كندا كقاعدة لصنع المخدِّرات، وتصديرها إلى الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، بواسطة عصابات الجريمة المنظّمة العابرة للحدود.
لذلك، قرّر الرئيس الأميركي تأجيل الحرب الجمركية لمدّة شهر على الجارتين الشمالية والجنوبية فقط، واستمرارها على الصين، بعد أن أعلنت الرئيسة المكسيكية في يوم الإثنين الماضي نشر 10 آلاف عسكري من الحرس الوطني على الحدود المكسيكية الأميركية لمنع تهريب الفنتانيل، وبعد أن أعلن رئيس الوزراء الكندي أن كندا سوف تُعيّن مسؤولاً عن ملف الفنتانيل، وسوف تدرج عصابات الفنتانيل المكسيكية ضمن الجماعات الإرهابية، وسوف تُشكل قوة كندية أميركية مشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال المرتبطة بتهريب الفنتانيل. الجدير بالذكر، أن الرئيس المكسيكي السابق كان ينفي إنتاج الفنتانيل في المكسيك. ولكن في عهد الرئيسة الحالية، التي تولّت الرئاسة في شهر أكتوبر الماضي، وبعد أن أعلن دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك عن نيّته فرض رسوم جمركية على المكسيك، أعلنت المكسيك في ديسمبر الماضي ضبط أكثر من طن من أقراص الفنتانيل، وهي أكبر عملية ضبط للمواد الأفيونية الصناعية في تاريخ المكسيك.
وبالنسبة للصين، فقد أعلنت – بعد دقائق من دخول الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة حيز التنفيذ – فرض رسوم جمركية انتقامية على واردات أميركية مختارة، وفتح تحقيق لمكافحة الاحتكار ضد «غوغل»، كما تقدّمت بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية بشأن الرسوم الأميركية الجديدة.
ويرى محلّلون وخبراء اقتصاديون أن الطرفين الأميركي والصيني غير راغبين بالتصعيد أكثر. فالرد الصيني محسوب ومدروس، والصين اليوم أكثر استعداداً مما كانت عليه خلال الجولة السابقة من الحرب التجارية التصاعدية الأميركية الصينية ابان ولاية ترامب الأولى. ولكن في الوقت ذاته، العالم يستعد للمزيد من الصدمات الناجمة عن هذه المواجهة التجارية الجديدة.
ومنا إلى مجلس الوزراء الموقّر والجمعية الاقتصادية الكويتية، لاتخاذ الإجراءات الكفيلة باحتواء الآثار المحليّة للتبعات المباشرة وغير المباشرة لـ «حرب الدجاج» الجديدة على الطلب العالمي على النفط...
اللهمّ أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه.
abdnakhi@yahoo.com