لا أبالغ إن قلت إن مبادئ كفاءة الطاقة في المباني بالكويت مشمولة ضمن مناهج بعض المقرّرات الدراسية الإلزامية والاختيارية التي تدرّس في كلية الدراسات التكنولوجية، منذ عام 1989 – إن لم تكن من قبل هذا التاريخ – ولكن بجرعات أقل ما كان يتمنّاه أعضاء هيئة التدريس المتخصّصون في علوم وتكنولوجيات حفظ الطاقة في المباني.
الاكتفاء بالجرعات المخفّفة كان نتيجة لعوامل مفصلية، كان من بينها عدم حاجة سوق العمل لمهارات وكفايات كفاءة الطاقة، وذلك بسبب محدوديّة نطاق السياسة الحكومية لإدارة الطاقة. فالسياسة الحكومية لإدارة الطاقة غالباً منحازة لصالح إدارة جانب العرض أو الإنتاج (Supply-Side Management) على حساب إدارة جانب الطلب أو الاستهلاك (Demand-Side Management). فإدارة جانب العرض كانت تتضمّن ركيزتين، ثم أضيفت إليهما ركيزة ثالثة. والركائز الثلاث هي:
• ضمان توافر الطاقة الكهربائية المطلوبة بشكل موثوق، أي بسعة إجمالية تفوق بفارق واضح (نسبة أمان) الطلب المتوقّع في فترات الذروة.
• الحفاظ على تعرفة منخفضة لوحدة استهلاك الكهرباء.
• تخفيف البصمة السلبية لإنتاج الكهرباء على البيئة (Environmental Impact).
وفي المقابل تمحورت جُل جهود إدارة جانب الطلب حول إعداد وتحديث مجموعة من الإرشادات لترشيد استهلاك الكهرباء في المباني، ولكن من دون توفير منظومة ناجعة لضمان الامتثال لهذه الإرشادات.
إدارة جانب الطلب بُعد رئيسي في تحقيق كفاءة الطاقة، وهو بُعد مكمّل لبُعد إدارة جانب العرض. فإدارة جانب الطلب تُعنى بترشيد استهلاك الطاقة لتقليل الطلب – وبالتالي تخفيف متطلبات وتبعات زيادة الإنتاج الاقتصادية والبيئية – ليس فقط من خلال تقليل الاستهلاك، بل أيضاً بتبنّي أنماط أخرى من الاستهلاك، كالترحيل الجزئي أو الكلّي للاستهلاك إلى خارج ساعات الذروة، فضلاً عن الاستغلال الذاتي لمصادر الطاقة المتجدّدة.
الوضع بالنسبة لإدارة جانب الطلب في الكويت تَحسّن في السنوات الأخيرة، ومن بين شواهد هذا التحسّن قرار وزير التجارة والصناعة الذي صدر في 2017 بمنع استيراد مصابيح ذات كفاءة متدنية هادرة للطاقة، وقرار مجلس الوزراء في 2018 بتشكيل أوّل لجنة عليا للطاقة بعضوية معهد الكويت للأبحاث العلمية، بما يمتلك المعهد من خبرات عريقة ومعلومات معاصرة حول إدارة جانب الطلب، ومعه في العضوية جهات حكومية ذات علاقة وثيقة باستهلاك الطاقة كالمؤسسة العامة للرعاية السكنية.
وأيضاً من شواهد تحسّن الوضع لإدارة جانب الطلب، استحداث برنامج «تكنولوجيا كفاءة الطاقة» في كليّة الدراسات التكنولوجية. هذا البرنامج التطبيقي الذي جاء لتلبية حاجة رسمية مستحدثة في سوق العمل المحلّي إلى مساعدين مهندسين في مجال كفاءة الطاقة، قادرين على تشغيل وإدارة ومتابعة أداء نظم إدارة المباني (Building Management System) والنظم والمعدات المستهلكة للطاقة الشائعة في المباني، وقادرين على اقتراح خيارات ذات جدوى اقتصادية وصديقة للبيئة لتطوير أداء هذه النظم والمعدّات، فضلاً عن المساعدة في تصميم النسخ الجديدة والمطوّرة من هذه النظم.
وفق دراسة حديثة لسوق العمل، «وزارة الكهرباء» وحدها بحاجة مستعجلة إلى خريجي هذا البرنامج، على مدى خمس سنوات على الأقل. فضلاً عن حاجة سائر الجهات الحكومية وشركات القطاعات النفطية والصناعات التحويلية لمساعدي مهندسي كفاءة الطاقة. ومن المؤكّد أن الحاجة لخريجي هذا البرنامج سوف تتضاعف مع إصدار قرار «مأمول» يُلزم تواجد مدقّق للطاقة في المباني والمرافق العالية الاستهلاك، التي يزيد استهلاك الكهرباء فيها عن مقدار سنوي أو معدّل أقصى محدّدين في القرار.
وهنا أتوجّه بالمناشدة إلى اللجنة العليا للطاقة – بعد تسجيل التقدير لدور شبكة الربط الخليجي في فصل الصيف الحالي – بالاستعانة بخيارات وبدائل أكثر تعزيزاً لأمن الطاقة في الكويت، وأفضل من حيث المنظورين الاقتصادي والبيئي، كالخيارات والبدائل المندرجة ضمن إدارة جانب الطلب، وأخص من بينها الايعاز إلى «وزارة الكهرباء» لإصدار القرار «المأمول»...
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
abdnakhi@yahoo.com