الأصل في القضاء أنه في غنى عن الدفاع، إلّا أنه في ظل الجدال الدائر حالياً حول إنشاء المفوضية العامة للانتخابات وإسناد إدارة هذا الجهاز الإداري لقضاة، ومدى تأثير ذلك على استقلالية القضاء يتوجب التأكيد على أحد الثوابت وهو أن القضاء الكويتي منذ نشأته يتمتع بالاستقلالية التامة.

وإذا كان لا خلاف على أهمية إنشاء المفوضية العامة للانتخابات لما لها من دور مستحق في تنظيم العملية الانتخابية بآلية أكثر فعالية، إلا أن المادة 2 من مشروع القانون المقدم من مجلس الأمة في هذا الخصوص تستحق إعادة النظر وقراءتها جيداً دفاعاً عن استمرارية استقلالية القضاء واحتراماً لمبدأ فصل السلطات.

وما يزيد من أهمية هذا المبدأ أنه لا يجوز توغل سُلطة على سُلطة، ومن ثم لا يجوز لأعضاء السلطة التنفيذية القيام بأعمال السلطة القضائية، كما لا يجوز لأعضاء السلطة القضائية القيام بأعمال السلطة التنفيذية.

وهنا ربما يكون مفيداً التذكير بالمادة 2 ضمن المشروع المقترح والتي تنص على«تنشأ المفوضية العامة للانتخابات وتتولى الإشراف على الانتخابات وتنظيم العملية الانتخابية بالتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية بالانتخابات وتلحق وزير العدل ويمثلها أمام القضاء وفي علاقتها بالغير رئيسها».

وتشكّل المفوضية العامة للانتخابات من سبعة قضاة كويتيين شاغلي درجة وكيل بمحكمة التمييز أو محكمة الاستئناف أو ما يعادلها من أعضاء النيابة العامة برئاسة أقدمهم ويصدر مرسوم بندبهم للعمل بالمفوضية لمدة أربع سنوات بالإضافة إلى عملهم الأصلي وذلك بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء.

ويصدر قرار من مجلس الوزراء بتحديد مقر عمل المفوضية ومكافآت أعضائها وسائر شؤونها الأخرى.

وتحليلياً يتعين الإشارة إلى أن الأصل في القاضي أن يكون متفرّغاً لعمل القضاء ويفرغ جميع وقته لصالح القضاء، أما إسناد إدارة وإشراف المفوضية للقضاة ففيه انشغال عن القضاء وهو الأصل، وعملياً يخشى أن يؤثر هذا التداخل بين السلطتين على استقلالية القضاء.

ولجهة الواقع يظل القضاة مستقلين ولا سلطان عليهم في قضائهم ما داموا في محراب العدالة، أما إخراجهم من المحراب إلى إدارة جهاز إداري وترؤسه سيفقدهم الاستقلالية وسيجعلهم سُلطة مرؤوسة تحت إشراف الوزير ورئيس الوزراء كما سيجعلهم عرضة للانتقاد والشكاوى بحكم إدارة الجهاز الإداري، إذ لا يخلو جهاز إداري في الدولة إلّا وعليه العديد من الشكاوى.

وهنا سؤال يوجه للإخوة النواب، إذا قدمت شكوى في لجنة الشكاوى والعرائض في مجلس الأمة من قِبل أحد موظفي المفوضية هل ستقوم اللجنة باستدعاء رئيس الجهاز؟ وهل سيقبل السادة القضاة أن يقوم ديوان المحاسبة وجهاز المراقبين الماليين مراقبة أعمالهم المالية والإدارية وتسجيل المخالفات والملاحظات عليهم؟

كما لا يتصور أن يكون الرئيس هو الممثل القانوني حيث سيكون الخصم والحكم أمام القضاء.

وأمام ذلك، تتعاظم المخاوف المشروعة من إمكانية أن يؤدي هذا التداخل إلى تنحيف الضمانات التي تكفل استقلالية المرفق القضائي.

وبالتالي، قد لا يتاح للمواطن الشعور بالطمأنينة من عدم وقوعه ضحية لهيمنة السلطة التنفيذية على القضائية لأي أسباب سياسية قد تطرأ، ما يخالف المبادئ الأساسية في شأن حماية استقلال السلطة القضائية.

الخلاصة:

يشكّل النظام القضائي المستقل ضمانة أساسية لحماية الحقوق، والحصول على سبل الانتصاف القانونية الفعّالة.

أما المادة 2 من مشروع القانون المقترح فقد تمثل أحد الأسباب التي تؤثر سلباً على مبدأ فصل السلطات وعلى استقلال القضاء، وتوغل القضاة الذين تعينهم السلطة التنفيذية على صلاحية القضاء نفسه، ومن ثم سيكون المرفق القضائي عرضة لفقد أحد مكتسباته وهي الاستقلالية.