شلل أصاب قلمي وأنا أحاول أن أجد بداية لمقالي هذا في الراحل جميل القلب والعقل والأخلاق والذكرى الكابتن حسام عبداللطيف الشملان... كيف أبدأ وذكرياتي معه كثيرة، أكثر من أن تُحصى! ومن أين أبدأ وأحداثي معه كثيرة، أكثر من أن تستجمعها ذاكرة مقال!

هل أتحدث عنه إنسانياً؟ لغوياً؟ وطنياً؟ كويتياً؟ قومياً؟ عربياً؟ إنكليزياً؟ تاريخياً؟ جغرافياً؟ دينياً؟ أخلاقياً؟ جوياً؟ بحرياً؟ سياسياً عربياً؟ أو غربياً؟ بوشياً أم ترمبياً أم أوبامياً؟

هل أتحدث عنه في عالم الطيران والطائرات؟

أم عن الراحل عبدالله السالم وقد كان أبوه عبداللطيف سكرتيراً له مديراً لمكتبه؟

أم عن بيت الكويت في القاهرة الذي كان أبوه مديراً له؟

هل أتحدث عن النضال ضد الإنكليز في البحرين؟ أم عن جورج بوش وحكايته معه بالطائرة الأميركية التي انثقب جناحها؟

أم عما قاله له الراحل الشيخ سعود الناصر الصباح وما قاله له الأميركان قبيل الغزو العراقي الغاشم.

لقد كان (الكابتن حسام) كل شيء... فعلاً هو كل شيء يكون شغوفاً به، لا يكتفي بالمعلومات السطحية عنه، بل يحرص أن يصل إلى منتهاه حتى كان صاحب العقل الموسوعي الشامل لمختلف مناحي الحياة، وحتى بات مرجعنا في الكثير من الأمور... رأيته يصحح للإنكليز إنكليزيتهم وللعرب عربيتهم وللطيارين معلوماتهم... ولكن دروسي المستفادة حقيقة منه كانت أخلاقية.

سنوات ممتدة نسبياً - منذ تعارفنا - كانت علاقتي به يومية في التواصل، ولنا - إن كان متواجداً في الكويت معشوقته - أكثر من لقاء كل أسبوع ما عدا فترات سفره المتعددة، والتي كانت تتوزع ما بين الولايات المتحدة ولبنان غالباً... وطيلة تلك السنوات، لم أسمع منه يوماً مفردة قبيحة أو نميمة أو «حشاً» في إنسان... وإن كانت له ملاحظات على أحد يبلغه بها مباشرة في وقت مناسب وبأسلوب راق رائع يوصل المعلومة من دون أن يجرح شعوراً... أو يترك ندبة في مشاعر أحد.

كل من رآه وجالسه أحبه، حتى من يخالفونه فكرياً أو سياسياً، وليس هناك أصدق في المشاعر من «أحباب الله» الأطفال الذين أحبوه كثيراً وارتبطوا به ارتباطاً وثيقاً وكأنه من ذويهم المقربين.

قبل نحو سبعة عشر عاماً، وقع وزوجته الكريمة (مدام منى - رفيقة دربه) في حب ابنتي (غالية)، وكان عمرها آنذاك عاماً واحداً فقط... طفلة جميلة خنقها جمالها بهجوم كل من يراها عليها للحديث معها وقرص خدودها حتى باتت تخاف من الناس! إلا أن الكابتن بأبويته الجميلة وفطرته المحبة للأطفال كان له وقع آخر عليها... تحبه غالية كثيراً وتحب مدام منى، بل وتتركني وتترك أمها لتركب معهما سيارتهما... وتذهب إلى بيتهم الصخري الجميل بين جبال لبنان.

كانت - في سنوات مرضه الأخيرة - تسألني دوماً عنه وعن حالته التي تدهورت قبل ثلاث سنوات إثر جلطة عنيفة في الرأس... أمس صباحاً استيقظت باكراً على خبر وفاته، ذهبت إلى صالة المنزل جالساً على أريكتي الجلدية... مطأطئ الرأس حزيناً... غالية جاءت لتعد لي قهوتي... نظرت إليها وقلت لها... (الكابتن مات)... سألتني بلهفة الخوف عليّ من بعد صدمة وفاة صديقين مقربين خلال السنوات القليلة الماضية... (انت شلونك)... قلت لها بخير! وطأطأت رأسي حزيناً من جديد، فاحتضنت أباها وأجهشت هي بالبكاء حزناً على (كابتن حسام) لأواسيها أنا بدلاً من أن تواسيني هي.

قد تكون الولادة هي البداية... لكن الموت بالتأكيد ليس هو النهاية، فمن كانوا مثل (حسام الشملان) ذكراهم تبقى في قلوب محبيهم دوماً عطرة حية... ليبقى صاحب الذكرى قصة تتناقلها أجيال محبيه.

رحمك الله أيها الكابتن الجميل... وإلى جنة الخلد بإذن الله.