كنت قد كتبت مقالة عما شاهدت من الدراما العربية في شهر رمضان المبارك، إلا انني كنت قد خصصت مقالة خاصة عن مسلسل مصري مميز يحمل اسم «تحت الوصايا» بقيادة المخرج محمد شاكر خضير، تأليف خالد دياب وشيرين دياب، بطولة منى زكي ومجموعة من الممثلين.

ومن تابع الدراما المصرية هذا العام فإنه سيلاحظ اختلاف مسلسل تحت الوصايا رغم أنه يعتبر قصيراً نسبياً، إذ إنه يغطي خمس عشرة حلقة فقط، لكنه يناقش قضية مهمة من قضايا المجتمع المصري وهي قضية الوصية التي وصلت إلى أروقة مجلس النواب المصري.

وكانت الممثلة منى زكي هي محور ارتكاز التطور الدرامي للمسلسل، وقد ظهرت بكل جرأة بصورة لا تتناسب مع ما تبحث عنه بقية الفنانات من حيث الصورة الخارجية والجمال، اذ كانت منى زكي بدور حنان، امرأة محجبة لا تضع مساحيق التجميل كثيراً، بل إنها ظهرت بحاجبين عريضين، الأمر الذي يعكس بحثها عن عمل مميز تقدمه بصورة مغايرة عما قدمته من أعمال في السابق خاصة دورها سيئ الذكر في فيلم «أصحاب ولا أعز».

وقدمت منى زكي دور حنان المتزوجة من عادل الذي يعمل صياداً على مركب يملكه إلا انه يتوفى ويتركها مع طفلين يواجهون الحياة وشرها، بدءاً بالوصاية التي تنتقل إلى الجد مروراً بالعم الذي يسرق مركب الصيد، ويستغل العادات والتقاليد عندما رفض تسليمه لها لتعمل عليه بعد أن كان يمنحها مبلغاً تافهاً لا يسد جوعها مع ولديها فتقرر الهرب من الإسكندرية إلى دمياط لتعمل على مركب تديره بنفسها، لكنها تواجه الصعوبات نفسها من حيث نظرة المجتمع وسوء تعامل الناس في الميناء معها دون سبب مقنع فقط لكونها امرأة وبعضهم حاول ابتزازها أو مضايقتها.

ولقد فاجأت منى زكي الجمهور بنوعية الدور الذي قامت بأدائه بصورة أثبتت موهبتها من حيث الصوت وملامح الوجه تبعاً للموقف، ولم تحاول حنان تشويه صورة المرأة المصرية المحجبة بتاتاً بل على العكس قدمت أنموذجاً رائعاً بصورة تجعلها تفتخر بهذه الصورة غير النمطية عبر قصة تنتمي إلى قصص المجتمع المصري المليء بالكثير من التضحيات.

وقدمت منى زكي دوراً يكاد يكون هو الأفضل في مسيرتها وفي تاريخ الدراما المصرية لهذا العام 2023م، بل وفي السنوات الأخيرة خاصة أن فريق العمل الذي قام بالتحضير لهذا العمل وضع الخطوط العريضة لقصة قريبة من المجتمع المصري، وتم اختيار فريق عمل مميز من الممثلين مثل رشدي الشامي وخالد كمال ومها نصار ومحمد عبدالعظيم وجميل برسوم ومجموعة من الممثلين الشباب.

وكان الحوار رائعاً بين الأم وابنها المحروم من متعة اللعب وهو حق طبيعي لكل طفل إلا أن حياته ليست عادية وكذلك حياة أمه التي هربت بطفليها وعملت في البحر باسم مختلف في مهنة لا تتناسب مع النساء.

وقد استطاع مؤلفا المسلسل تقديم قصة إنسانية بطلتها الفنانة منى زكي في دور يحترم المرأة في المجتمع المصري رغم الأحداث المتلاحقة، وربما يكون هو أفضل ما قدمته منى زكي منذ انطلاقتها الفنية حيث كان السرد الدرامي مركزاً والأداء رائعاً وإيقاع الاحداث سريعة تحسب للمخرج، كما أن الخط الدرامي بسيط لكنه لا يفتقد للعمق الإنساني والاجتماعي، إضافة الى روعة التصوير الذي أضفى بعداً جمالياً كبيراً حققت المتعة البصرية للمتلقي.

ولم يحاول المسلسل تقديم صورة محسنة لطبيعة العمل في الميناء حيث الصيادين وطمعهم الذي هو انعكاس للطبيعة البشرية مع الصياد الرجل فما بالك مع المرأة تحت مظلة طبيعة أداء السوق غير العادل، إلا أن بعضهم ظهرت لديه النزعة الإنسانية بعد حرب غير منطقية مع امرأة لم تؤذهم في شيء فكانت الفنانة منى زكي محور التطور الدرامي، لذا بذلت جهداً كبيراً في الأداء أبرزت خلاله موهبتها بكل دقة، بل إنها ظهرت دون مكياج بصورة تحسب لها حيث إن الكثير من الممثلات النجمات يصررن على أن يظهرن بصورة جميلة عبر مستحضرات التجميل مهما كانت طبيعة الدور، إلا أن منى زكي كانت خارج المألوف.

وكل من شاهد المسلسل يمنح تعاطفه مع منى زكي بدورها هذا رغم غضبه من بعض أدوارها في السابق ولعلها مسؤولة عن اختيار أعمالها المقبلة.

وظهر في المسلسل بحارة رفضوا التعامل معها بل إنهم خدعوها إذ قاموا عمداً بتوفير بحارة سيئين يرفضون العمل مع امرأة تصدر الأوامر لهم، إلا انها استطاعت التعامل معهم خاصة مع البحار المدمن على المخدرات وقد وضعوا أمامها الكثير من العراقيل من حيث عدم الأمانة وهناك من يبيع ما تصيده بأقل الأسعار من أجل فشل حنان في العمل لكنها لا تستسلم.

وظهرت بعض الحالات الإيجابية في المجتمع عبر شخصية العم «ربيع» الذي قام بتجسيد الشخصية الممثل رشدي الشامي، وهو ممثل رائع رغم انه غير معروف بصورة كبيرة لكنه يمتلك موهبة كبيرة سوف تشق طريقها في السنوات المقبلة عبر الحضور الكبير والتلقائية، لكنه مات دفاعاً عن حنان وترك بصمة كبيرة حول فلسفة الصراع الأزلي بين الخير والشر، وكذلك زكريا، جار حنان اذ قام بتجسيد الشخصية الفنان أحمد خالد الصالح، والذي كان يعاملها بصورة سيئة تماشياً مع المجتمع ثم سرعان مع بات يعاملها بصورة جيدة، بل انه عمل على مساعدتها دون انتظار المقابل، وكذلك الطفل ابن حنان، ياسين، وهو موهبة نتمنى له التوفيق متى ما وجد الفرصة والتوجيه حيث انه طفل محروم من أي متعة أو لهو للأطفال، خاصة اننا بتنا نلاحظ ندرة الأطفال في الدراما المصرية الحديثة.

ويأتي قائد العمل المخرج محمد شاكر خضير، المتمكن من أدواته الإخراجية فقدم عملاً درامياً رائعاً بعيداً كل البعد عن الرتابة وما اعتدنا عليه من الدراما المصرية في السنوات العشر الأخيرة.

همسة:

يمكن توفير الوعي والمتعة من خلال عمل فني راقٍ في ما يقدم.