بينما كنت مع أخي الأصغر على قارعة الطريق، «اتريّق باكراً سندويجة مشكل بيديان وبطاط وزهرة وسلطة طحينية»، كلها متزاحمة بحب وبكمية وفيرة وبألوان زاهية داخل نصف خبزة طرية... سميكة... ولذيذة، فاجأني أخ عزيز نزل من سيارته وكان متجهاً إلى أحد المحال على ذات الطريق بالتوقف والسلام، ثم قال:

- مو انت بوخالد؟

قلت له:

- نعم أخي الكريم... يا هلا ومرحبا.

نظر إليّ بتمعن، وأنزل كمامته عن وجهه، وقال معاتباً:

- وينك يا أخي؟...

أجبته ضاحكاً وأنا مدرك لمقصده من السؤال... «موجود طال عمرك... كاني جدامك». فقال: «لا لا... وينك عن اللي قاعد يصير!». ومضى قائلاً: «انت عاجبك الوضع؟.. كل الناس تكلموا، ونبي نسمع منك».

قلت له و«الصمونة» بيميني تنتظر قضمة مؤجلة: «الصراحة يا عزيزي وباختصار شديد جداً... مليت، والله مليت.

مليت من اللي قاعد يصير، مليت من الحكومة، ومليت من المجلس، ومليت من الروتين، ومليت الدوران في حلقة مفرغة، ومليت من اجترار الحديث في مشاكل تمضي عليها السنين وراء السنين ولا تجد لها حلاً... مليت حتى من الملل... لاعت جبودنا والله ياخوي، وعيزنا واحنا نقول ونعيد ونزيد، وأعتقد أنني حالياً في مرحلة فقدان الأمل».

استمع الأخ الكريم إلى كلامي باهتمام، ووجدته بروحه الكويتية الأصيلة الجميلة يحاول بث الأمل لدي من جديد... فبادرني مشجعاً:

- لا لا يبه، لا تفقد الأمل، وبإذن الله الأمور سوف تنصلح.

شاطرته الأمل، لكنه لم يشاطرني «السندويجة».

ثم رفع كمامته مستعداً للرحيل، ألقى التحية وأكمل طريقه... وأكملت أنا «سندويجة البطاط والبيديان بالزهرة» على قارعة الطريق، واستمعت باهتمام وألم إلى أخي الأصغر وهو يحكي مخططاته للهجرة في يوم ما.