يُقال إن غريزة الخوف أقوى الغرائز على الإطلاق، إلا أن المخرج الشاب عبدالله المسلم أثبت خلاف هذه المقولة، حين قدم عرضاً مُبهراً على خشبة مسرح الدسمة، في مسرحية «فوبيا»، ضمن فعاليات الدورة الحادية والعشرين لمهرجان الكويت المسرحي.

ففي مصحة نفسية، يعيش مجموعة من الأشخاص الذين يكابدون العُقد وعُصاب المخاوف، التي قد يكون سببها ظروف الحياة القاسية التي عاشوها في طفولتهم، فأصابهم عارضاً من عوارض الهلع والرهاب، حتى أصبحت الحياة بالنسبة إليهم شبحاً يبث الرعب في مخيلاتهم، فمنهم من يخاف الحريق أو الغرق، ومنهم من يكابد الفزع بسبب خوفه من الحشرات والمرتفعات والموت.

وبالرغم من الإطالة في السرد، إلا أن العرض شهد متعة بصرية، حيث استعان المخرج بالمؤثرات، عطفاً على ما قدمه من تصورات تخيلية، أضفت تنوعاً وتناغماً.

فالرسالة التي حملتها «فوبيا»، لم تكن ترجمتها سهلة على الإطلاق، لكن المخرج نجح وبذكاء شديد في أن يكسر حاجز الرهبة في داخله أولاً، قبل أن يُقدم على هذه التجربة، التي كانت غزيرة في محتواها، نصاً وأداء وإخراجاً، فأبدع بتنفيذ «ثيمة» النص، لتبدو الخشبة كما لو أنها مجرة سحرية تلقي بأضوائها الزرقاء والحمراء، لتعبّر عن كل حدث على حدة، الحزن والفرح، الموت والحياة، النار والماء، حتى ظهرت أمامنا مجموعة من الصور السريالية، كلوحة بريشة رسام حاذق.

كذلك، أبدعت الكاتبة مريم القلاف في تقديم نص ذي ملمح كلاسيكي حديث، لكثرة الشخصيات الموجودة على المسرح، بالإضافة إلى براعتها في عرض الأحداث وترابطها والمحافظة على وحدة الفكرة.

ولعلّ وجود عنصر الخبرة (الفنان جمال الردهان) كان ضرورياً لإشعال جذوة الحماسة لدى المواهب الشابة والغضة، التي جسدت الأداء الحركي والاستعراضي في أبهى صوره، بعد أن قدمت الشخصيات الرئيسية حالات «الفوبيا» بأوجهٍ مختلفة، في حين دارت الشخصيات المساندة بثيابها السوداء دوران الأفكار السلبية، التي تسيطر على عقل الإنسان، لتلقي به إما في بئر الضياع وإما تدفعه نحو الانتحار.

أيضاً، لا نغفل دور الفنان نصار النصار، الذي برع كذلك في تجسيد إحدى الشخصيات الرئيسية، فضلاً عن قيامه بصياغة وتلحين الأغنية التي أوقدت شعلة الأمل في عتمة اليأس والمعاناة.

أما الديكور، لمحمد جواد الشطي فقد كان بطل العرض بلا منازع، وتجلّى دهاء المصمم في تحويل كل قطعة على المسرح إلى أشكال متعددة، فتارة يتحول السرير إلى طاولة وتارة إلى قارب، وتم ذلك بانسيابية شديدة.

بينما لعبت الموسيقى والمؤثرات الصوتية لمحمد القديري دوراً كبيراً في إضفاء الحبكة الدرامية، بعد أن تم توظيفها بشكل جيد جداً.

إلى جانب ذلك، كان اختيار المصممة حصة العباد للأزياء، موفقاً للغاية، وتحديداً اللونين الأبيض والأسود، فالأول يشير إلى المرضى، والثاني إلى السوداوية التي تحيط بهم.

العرض بمجمله حمل أكثر من دلالة، وناقش جملة من القضايا الشائكة والإشاعة لدى الكثير من البشر، إلا أن النهاية الحزينة لم يكن لها مبرر درامي، خصوصاً بعدما استطاع الطبيب أن يجد حلاً ناجعاً لعلاج مرضاه، ويدخل البهجة في قلوبهم، من خلال حبس المخاوف ومواجهتها عوضاً عن الهروب منها.