No Script

رواق

المتفتحون والمتحفظون

تصغير
تكبير
ينقسم الناس إلى نوعين في ما يتعلق بأسلوب حياتها: متفتحون ومتحفظون.

المتفتحون عادة هم الناس «الرايقة» التي تشترك مع غيرها في الصفات وتشاركهم الحياة على هذا الكوكب تقاسمهم الأكسجين وكثيرا من المعلومات العامة التي لا تخفيها ولا تخيفها كالأصدقاء والسياحة والسفر والتسوق والمطاعم. لا تخاف من العين والحسد، ولو أصيبت به اعتقدت أنه شر لا بد منه لتستمر الحياة ولا تخشى ألا تكتمل مشاريعها عندما تبوح بها، لأن عدم اكتمالها في نظرها خيرة ولا تخاف الفقد كثيراً فكل شيء قابل للنهايات التي لا تشغلها قدر انشغالها في البدايات حتى وإن لم تكتمل.


المتحفظون عادة هم المصابون بنوع من أنواع الوسواس القهري مهووسون بمراقبة الناس ويعيشون على هاجس مراقبة الناس لهم، فتسير حياتهم على مبدأ التمويه بعد أن تجاوزت مبدأ التكتيم، فإن كانت تشرب القهوة مثلاً ستخبرك بأنها تشرب الشاي، وهي تعلم أن رائحة القهوة تفضحها ولكن لا شعور لمن يكذب.

تضع صورها في «انستغرام»، تسبح في شط إسكندرية، وعندما تسألها هل زرت مصر تقسم أنها لا تعرف موقعها على الخريطة، ولا تعرف شيئاً عن هرم خوفو، لأن خوفها يفوقه ضخامة خوفها من أن تنكشف أسرارها التي لا سر فيها ولا تعني أحد سواها هي المشغولة في إخفائها.

أيهما أفضل؟ سيقول قائل: «إن المتفتحين طبيعيون، والمتحفظون معادون»، وسيقول آخر: «إن المتحفظين واعون، والمتفتحين سذج»، ويبقى تفضيل بعضهم عن بعضهم الآخر مسألة نسبية حسب ميول المفضل إن كان متفتحاً، أم متحفظاً، لكن القضية المحيرة هي تشابك العلاقة بين الاثنين، ففي حين ينشغل المتفتحون بالانفتاح على الحياة والنَّاس وتجارب الحياة ولا يضيعون وقتاً في معرفة ما يتحفظ عليه المتحفظ القابل للكشف بسهولة أسئلة المتحفظ نفسه أسئلة لا يقبل أن يسمعها... يا سلام.

المتحفظون الذين لا يريدون لمخلوق أن يشاركهم تفاصيل حياتهم يشاركون المتفتحين تفاصيل التفاصيل يسألون عنه ثم يسألونه سؤالاً ملغوماً جوابه معه، وينتظرون أن يكذب كي يثبتوا لأنفسهم أن حتى من يناقضهم أسلوب الحياة يشابههم في ارتداء طاقية إخفاء معالمها وهو «ما درى عنهم».

وفِي ظل تشابك العلاقة غير العادلة بين الاثنين، يبقى الحل أحد ثلاث: إما أن يعامل المنفتح المتحفظ بالمثل فلا يجيبه قبل أن يسأله السؤال ذاته، وينتظر جوابه ليجيب عن المبدأ الصعيدي الشهير أو أن يعامل المتحفظ المنفتح بما يحب أن يعامل به فيكرمه بعدم سؤاله، لأنه ليس مستباحاً، لمن لا يبيح الاقتراب من خصوصياته، وهو يعتبر لون ثيابه ولو كانت تفقع العينين أمراً خاصاً لا تجوز إذاعته أو أن يدع المتحفظ المنفتح كل في شأنه، ويبقى الاثنان يسيران في خطين متناقضين متوازيين لا يلتقيان حتى ينكسر أحدهما بفضوله فيكسر الآخر رأسه وفِي نهاية المطاف تسير الحياة ولو كسر الفخار بعضه.

reemalme@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي