No Script

حكومة مستقلّين.. من دون مستقلّين

تصغير
تكبير

على الرغم من وجود عدد قليل من الوزراء المعقولين في حكومة حسّان دياب، وهم وزراء اختيروا بغرض التمويه ليس إلّا، يبقى أنّ هذه الحكومة هي حكومة لبنانية أخرى يشكّلها "حزب الله".
شكّلها الحزب حكومة مستقلّين من دون مستقلين من أجل تكريس دوره اللبناني. يعني هذا الدور، بين ما يعنيه، أنّ لبنان تابع لإيران من جهة وأنّ هناك عودة لدور ما للنظام السوري عبر شخصيات مثل جميل السيّد وغيره من جهة أخرى.
لا يمكن تجاهل دور جميل السيّد، المدير السابق للأمن العام، في تشكيل الحكومة وهو ما التقطه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وأشار إليه بأسلوب جمع بين الألمعية والظرافة...


في النهاية، يمكن وضع أسماء كلّ الوزراء جانباً وطرح سؤال في غاية البساطة: ما الذي تستطيع مثل هذه الحكومة عمله من أجل إخراج لبنان من حال الانهيار التي يعاني منها؟
يظلّ أهمّ تعبير عن حال الانهيار احتجاز المصارف لأموال اللبنانيين والعرب والأجانب الذين وضعوا ثقتهم في البنوك اللبنانية.
فوق ذلك كلّه، تعطّل الدور المالي للبنان الى درجة لم يعد في استطاعة المواطن او المقيم او صاحب الحساب المصرفي.. او صاحب شركة القيام بأي تحويل الى خارج البلد. يشير ذلك الى أن لبنان الذي عرفناه لم يعد قائماً.
المخيف أنّ ليس في الحكومة الجديدة من هو قادر على استيعاب معاني الكارثة اللبنانية ذات الأبعاد المختلفة. الأسوأ من ذلك، أن ليس فيها من يمتلك القدرة على التعاطي مع الجهات الخارجية التي في استطاعتها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلد اسمه لبنان.
تمثّل حكومة دياب كلّ ما كان يُفترض بلبنان تفاديه خصوصا أنّ رئيس مجلس الوزراء الجديد لا يمتلك، خلافاً لما يعتقده، أي قنوات اتصال فعّالة مع الخارج من جهة، كما أنّ الوزراء لا يستطيعون تكوين فريق عمل متكامل ينفّذ الإصلاحات المطلوبة، أقلّه من أجل الحصول على المساعدات التي أقرّها مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في باريس في نيسان - ابريل من العام 2018.
هناك ركيزتان أساسيتان لـ"سيدر". الأولى الإصلاحات الجذرية المطلوبة والأخرى التعاون بين القطاعين العام والخاص، بل الشراكة بينهما.
قد يكون هناك وزير او وزيران او ثلاثة او أربعة يستوعبون هذه المعادلة التي تقوم على الإصلاحات والتعاون بين القطاعين والتي تشكّل مدخلا لمخرج من حال الانهيار.
أمّا الباقون فهم في عالم آخر، عالم الانغلاق على الذات الذي يترافق مع الاعتقاد بأن لبنان مهمّ كورقة في المواجهة بين وايران أميركا وأنّ نظام بشّار الأسد قابل لإعادة التأهيل. هذه وصفة لتكريس حال الانهيار التي بلغها لبنان وهي تكشف عقم الطبقة السياسية التي شكّلت مثل هذه الحكومة.
هذه ليست المرّة الأولى التي يشكّل فيها "حزب الله" حكومة في لبنان. سبق له أن شكّل مثل هذه الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي بعدما أسقط الحزب حكومة سعد الحريري في كانون الثاني - يناير من العام 2011.
تميّزت حكومة ميقاتي التي دخلها دياب كوزير للتربية، بوجود عدد لا بأس به من الوزراء العونيين، أي التابعين لميشال عون، فيها.
لكنّ ما كان لافتا أن رئيس مجلس الوزراء وقتذاك، الذي كانت لديه أسبابه السورية الخاصة لقبول تشكيل حكومة من لون محدّد، صمد في وجه ضغوطات كثيرة وحافظ على ثوابت معيّنة لم يتزحزح عنها، خصوصا عندما كان يتعلّق الأمر بمشاعر الجمهور السنّي المنتشر في كلّ المناطق اللبنانية...
لعلّ جديد المرحلة الراهنة أنّ ثمّة فارقا شاسعا بين ميقاتي ودياب الذي اختير عن سابق تصوّر وتصميم لتشكيل الحكومة كي يثبت "حزب الله" أنّه بات يتحكّم بموقع رئيس مجلس الوزراء السنّي، تماما مثلما يختار من هو رئيس الجمهورية الماروني (المسيحي).
هل يمكن لحكومة تشكّلت بذهنية من هذا النوع أن يكون لها مستقبل ما أمّ أنّها حكومة الإشراف على الانهيار اللبناني في مراحله الأخيرة في وقت يبدو أن السلطة السياسية لا علاقة لها بما يدور في لبنان وحوله، بل تركت "حزب الله" يقرّر ما يجب أن يكون عليه البلد وكيف يجب أن تكون حكومته.
بكلام أوضح، لا تدري القيادة السياسية في لبنان أنّ لا مجال للجوء الى بعض المستشارين او الأسماء غير المعروفة وإدخال هؤلاء الى الحكومة لتوجيه رسالة الى العرب والمجتمع الدولي فحواها أنّ "حزب الله" يتمتع بتمثيل من النوع المبطن في الحكومة فقط.
العالم كلّه يعرف أن حكومة دياب هي حكومة "حزب الله" وأنّ هناك عقوبات أميركية وأوروبية على "حزب الله". كلما مرّ يوم يزداد عدد الدول التي تشكو من "حزب الله"، بما في ذلك في الأميركتين الجنوبية والوسطى.
لا شكّأن العقوبات الأميركية وغير الأميركية على "حزب الله" فرضت على المصارف اللبنانية قيوداً معيّنة أثرت على نشاطها في وقت صار على لبنان تأمين حاجة السوق السورية الى الدولار أيضاً.
يظلّ أخطر ما في الأمر تلك الرهانات الخاطئة على أن إيران ما زالت في مرحلة صعود وأن النظام السوري لا يزال قابلا للحياة وأنّه يمثّل مستقبل سورية ولبنان ايضاً.
من يقدم على مثل هذه الرهانات في المرحلة الراهنة ويشكّل حكومة مستقلّين من دون مستقليّن إنّما يراهن على سراب ويرتكب جريمة في حقّ لبنان واللبنانيين ومستقبل أولادهم.
لا يشبه الرهان على "الجمهورية الإسلامية" والنظام السوري سوى الرهان في الأعوام 1988 و1989 و1990 على نظام صدّام حسين.
كان وقتذاك رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون في قصر بعبدا كرئيس لحكومة موقتة مهمتها تأمين انتخاب رئيس للجمهورية. كانت نتيجة الرهان على صدّام حسين حرباً على مناطق لبنانية عدّة ثم حرباً مسيحية - مسيحية أسفرت عن أكبر عملية تهجير للمسيحيين من لبنان!
كانت هناك في تلك المرحلة أطراف عربية وأوروبية ودولية متمسّكة بإنقاذ لبنان، خصوصا بعد إقرار اتفاق الطائف. لا يدري الذين شكّلوا الحكومة الراهنة في ظلّ ثورة شعبية حقيقية، تحولّت للأسف الى أعمال عنف في بعض الأحيان، أنّه لم يعد هناك من يريد إنقاذ لبنان.
لا بين العرب ولا بين الأميركيين. ما دام لبنان يريد أن يكون جرماً يدور في الفلك الإيراني، ليس هناك من يهمّه أمره. على العكس من ذلك ليذهب أولئك الذين شكلوا حكومة دياب الى النهاية في رهانهم الذي يبدو الطريق الأقصر الى الكارثة...

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي