No Script

أصبوحة

كيف نتخلص من بدائيتنا

تصغير
تكبير

أجزم أن البشرية لم تتخلص من بدائيتها، وأن التحضر والأنسنة التي وصلت لهما لم تكن سوى قطرة في بحر الإنسانية، فما زالت ثقافة الكراهية والعداء مع المختلف متأججة، وما زال العنف الغريزي تجاه الآخر مستمراً ومتصاعداً، من خلال الحروب والاعتداءات وشهوة الدم ورائحتها التي تزكم الأنوف.
والعنصرية والتمييز ضد الآخرين المختلفين، ما زالت حاضرة منذ العصور البدائية، والقتل من أجل الاستحواذ على ما لدى الآخر لم تتوقف، بل طور الإنسان آلات قتل أشد خطورة ودمار، ولم تخفت منذ آلاف السنوات الكراهية بين الناس.
وقد تختفي العنصرية ظاهرياً في أوقات الاستقرار المجتمعي، لكنها تكون دائماً كامنة في نفوس البشر، تظهر كلما مرت أزمة أو تحولات كبيرة على المجتمع، مثل الحروب وانهيار الاقتصاد والعنف والأوبئة والكوارث الطبيعية، فكلما مرت أزمة اقتصادية وبطالة، يلقي جزء من المجتمع اللوم على الفئات الأضعف أو التي تعتبر دخيلة، مثل المهاجرين والقوميات والأديان والمذاهب الأخرى.
وإلقاء الملامة على الآخر هو الأسهل والأقرب، فالإنسان لا يفكر بلوم الحكومات والأنظمة السياسية والاقتصادية، التي قد تكون هي مصدر المشكلة، أو يلوم المتنفذين وكبار رجال المال والأعمال والفاسدين، الذين في سبيل أرباحهم هم على استعداد لتلويث البيئة، وإفقار البلدان ونشر الحروب والأوبئة، وكذلك صنع هوة طبقية سحيقة وتغييب العدالة الاجتماعية.
لقد شهدنا في تاريخنا الحديث، تأجيجاً عنصرياً طائفياً وقومياً تسبب بضرر كبير في المجتمع، أثناء الحرب العراقية، كما عشنا حالة من الكراهية ضد جنسية عربية أثناء الاحتلال العراقي، ونشهد الآن حملة شعواء وتأجيجاً ضد الوافدين وتحميلهم سبب انتشار كورونا، أو حتى الازدحام المروري وانهيار البنية التحتية والضغط على الخدمات.
لكن الفيروس اجتاح العالم أجمع، ولم يأتِ به إخوتنا الوافدون، كما أن خلل التركيبة السكانية وبعض المشكلات الاجتماعية التي رافقت وجودهم، سببها أبناء جلدتنا ممن افتقروا لأبسط أشكال الإنسانية والضمير والوطنية فتاجروا بالبشر.
إن الوافدين لم يأتوا إلى الكويت من أجل تخريبها، بل قدموا إليها من كل أصقاع الدنيا لكي يعملوا ويكسبوا رزقهم ورزق أسرهم، وهم منذ بدايات القرن الماضي، شركاؤنا في البناء والنهضة والتنمية في كل جوانب حياتنا، في التعليم والصحة واستخراج ثروتنا وفي منازلنا، ولسنا بأفضل من معظم دول العالم، التي تشاركت مع الوافدين والمهاجرين في البناء والتقدم.
إننا نثق بالعلم لكي يخلصنا مما نتعرض له، فهذا المرض سيزول وستعود الحياة كما كانت وربما أفضل، لكننا لن نستطيع بأي حال أن نكون مجتمعاً إنسانياً، إذا لم نقضِ على عنصريتنا وكراهيتنا للآخر، إذا لم نقضِ على الطائفية والقبلية والقومية والفئوية، فهذه الأمراض لا يقضي عليها سوى تحقيق الدولة المدنية، التي يسود فيها القانون والمواطنة فوق كل اعتبار.

osbohatw@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي