No Script

حالة مرضية في العراق

تصغير
تكبير

يُعاني عدد لا بأس به من السياسيين العراقيين من حالة مرضية. يعود ذلك الى الرغبة في استرضاء ايران في وقت يعرف هؤلاء ان نظام «الجمهورية الإسلامية» يعاني من ازمة عميقة، بل ازمة مصيرية، كشفتها عملية اغتيال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني.

ادّت هذه الحالة المرضية في العراق الى ردود فعل غير طبيعية ردّا على تصفية الولايات المتحدة لسليماني بعيد مغادرته مطار بغداد مع أبو مهدي المهندس، نائب قائد «الحشد الشعبي» مطلع هذه السنة. كانت البداية طلب مجلس النوّاب، في غياب معظم النوّاب السنّة وكل النواب الاكراد، انسحاب القوات الأميركية من العراق.

كلام عراقي كثير قيل منذ تخلّص الاميركيين من سليماني، بما في ذلك ما صدر عن رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يريد التخلّص من القواعد الأميركية من دون الإشارة الى الوجود الايراني في العراق، وهو وجود اقلّ ما يمكن ان يوصف به انّه طاغ.

لم يتردد الصدر، الذي عاد الى تحت الجناح الايراني قبل اشهر قليلة وشوهد في مجلس «المرشد» علي خامنئي الى جانب سليماني، في التهديد والوعيد للاميركيين قبل ان يدعو الى تظاهرة «مليونية» في بغداد لا يبدو انّها ستقدّم أو تأخر. قبل كل شيء، لم تكن التظاهرة «مليونية».

فضلاً عن ذلك، بدأ مقتدى نفسه يعدّل من لهجة خطابه بدعوته الى مجرد «غلق القواعد الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية» مؤكداً ان «الهدف والمطلب الأساسي هما جدولة خروج قوات الاحتلال فعليا وبشكل منظور على الأرض».

قام مقتدى بنقلة نوعية تؤكّد انّه ليس سوى ضحيّة أخرى للحالة المرضية التي يعاني منها قسم كبير من الطبقة السياسية العراقية.

متى يعود أي سياسي عراقي، من السياسيين الحاليين، إلى نفسه، يدرك في العمق انّ الدبابة الأميركية هي التي عادت به الى بغداد وان المشروع الايراني ليس سوى مشروع ذي افق مسدود في المدى الطويل.

لكن ما العمل عندما يكون هذا السياسي او ذاك مضطراً الى ان يأخذ في الاعتبار انّ عليه مراعاة ايران إلى ابعد حدود بعدما اكتشف ان لديها القدرة على منع أي شخص لا يعجبها من الوصول الى موقع رئيس الوزراء...

كما حصل مع حيدر العبادي او مع اياد علّاوي، كما لديها ما يكفي من النفوذ لاقالة ضابط كبير مثل عبدالوهاب الساعدي لعب دورا مهمّاً في الانتصار على «داعش» في الموصل وفي كلّ معركة.

من حسن الحظ انّه لا يزال في العراق عدد من السياسيين القادرين على التمتع بحدّ ادنى من الاستقلالية مع امتلاك لبعض من ذاكرة ايضاً. لا شكّ ان الاكراد يمثلون نوعا من الاستثناء العراقي هذه الايّام رغم ان اميركا خذلتهم بعد الاستفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر - سبتمبر 2017.

لم تقدم واشنطن على أي خطوة من اجل مساعدة مسعود بارزاني في ترجمة نتائج الاستفتاء، التي جاءت لمصلحة الاستقلال، على ارض الواقع. امتلك بارزاني ما يكفي من الحكمة وقدّم استقالته معترفاً بفشله في تحقيق الحلم الكردي القديم.

تعاطى مع الواقع ورضخ له. استوعب ان الدعوة الى استفتاء في ظروف معيّنة لم يكن خطوة في الاتجاه الصحيح رغم ان نسبة مؤيدي الاستقلال في إقليم كردستان بلغت 92 في المئة.

ما يؤكد ان اكراد العراق متصالحون الى حدّ كبير مع الواقع ومع الحقائق العراقية، تصرّف برهم صالح رئيس الجمهورية في مؤتمر دافوس. التقى صالح الرئيس دونالد ترامب وتعاطى معه بصفة كونه رئيس الدولة الأكبر في العالم. لهذه الدولة فضل على كلّ سياسي حالي في العراق.

لم يتجاهل الاكراد انّه لولا الجيش الاميركي لكان العراق لا يزال تحت حكم صدّام حسين وذلك بغض النظر عن ايّ مقارنة بين عراق ما قبل 2003 وعراق الآن. وهي مقارنة لمصلحة صدّام.

اجتمع رئيس الجمهورية العراقية الكردي مع الرئيس الاميركي مع علمه المسبق انّ ايران ستعترض على ذلك وستستخدم ازلامها لشنّ حملة تهويل عليه. رأى برهم صالح اين مصلحة العراق وذلك على الرغم انّه لا يعتبر من السياسيين المعادين لإيران.

ما يؤكّد أيضاً وايضاً، ان الاكراد يتعاطون مع الواقع العراقي، كان موقف الرئيس الحالي لإقليم كردستان نيجرفان بارزاني في دافوس.

ففي جلسة حوارية في اطار المنتدى الاقتصادي العالمي قال نيجرفان: «عندما يتعلق الامر بما يحصل في العراق فإننا نتحدث عن جيل تراوح أعمار المنتمين اليه بين 15 و 23 عاما، أي أن هؤلاء لم يعايشوا فترة صدام حسين أو أميركا بل يسعون الى حياة أفضل مقارنة ببقية الشعوب».

وأضاف: «المتظاهرون غير راضين عن أداء الطبقة السياسية وقد أوصلوا رسالتهم عبر الاحتجاجات. نستغرب ان هناك من يلقي كل اللوم على الخارج، فإذا افترضنا أن 70 في المئة متأثرون بأطراف خارجية، فإن هنالك 30 في المئة يتظاهرون بدوافع تلقائية، لذا لا بد أن نشعر بالمسؤولية ونراجع أنفسنا».

وشدد على أن «الأكراد جزء من العراق ولا نستطيع النأي بأنفسنا عما يحصل لذلك نعمل على تهدئة الأوضاع ولدينا تواصل مع بغداد من اجل تحقيق هذا الغرض».

وعن وجود القوات الأميركية في العراق، قال نيجرفان، إن «القوات الأميركية موجودة بناء على طلب الحكومة للمساعدة في التصدي لداعش ومهماتها واضحة ومحددة. نرى أن قرار البرلمان العراقي غير صائب وصدر بغياب الأكراد والسنة، فالعراق لا يزال بحاجة الى الدعم الأميركي لأن خطر داعش لا يزال قائما».

خلص الى التأكيد مجدّداً أن «المشكلة تكمن في عدم وجود شيء اسمه الولاء للعراق، في حين يجب أن يكون العراق جامعا لكل المكونات».

يوجد منطقان عراقيان لا يمكن ان يكون هناك قاسم مشترك بينهما، اقلّه في الوقت الحاضر، وذلك في انتظار ما ستؤول اليه الامور في ايران.

هناك منطق لا علاقة له بالمنطق مثل منطق مقتدى وآخر متصالح مع الواقع اسمه المنطق الكردي. ارتكب الاكراد في الماضي أخطاء كثيرة.

الظاهر انّهم استفادوا من هذه الأخطاء. استفادوا من ان الشعارات لا تطعم خبزا.

انّهم على العكس من معظم قادة الأحزاب الشيعية من نوع الصدر يعرفون ان مصلحة كلّ عراقي في المحافظة على العراق وان الخطر الأكبر هو ذلك الذي تمثّله ايران وليس الولايات المتحدة التي راهنت رهاناً خاطئاً على ان في الإمكان إقامة نظام ديموقراطي في العراق... وهي تدفع حالياً ثمن هذا الرهان!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي