No Script

لماذا اختصام النيابة العامة؟

تصغير
تكبير

مشروع قانون يناقشه مجلس الأمة ساوى، تحت مسمى مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء، بين مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء وبين أعمال النيابة العامة، وكأن التوأمة التي وردت في قانون تنظيم القضاء بين القضاء ذاته وبين النيابة العامة كجهازين، أغرت من قدم هذا المشروع بأن النيابة العامة يجب أن تكون من ضمنه من دون الأخذ بالاعتبارات الخاصة للنيابة العامة، ولا بالأصل الدستوري الذي تمارسه، باعتبارها ممثلة المجتمع في الدعوى العمومية، أي أن النيابة العامة جزء من دعوى... وهذه الدعوى تُنظر في نهاية المطاف بكل ما فيها أمام القضاء، أي أن قرارات النيابة العامة تتسم بأنها موقتة أو تحفظية، أما من يقضي ويرتب آثاراً لا يمكن تداركها فهو صدور الحكم نهائياً، ومن هنا جاءت أصل فكرة أن تقوم مسؤولية الدولة عن التعويض عن تلك الأخطاء، التي لا يمكن تداركها.
إن النيابة العامة وهي حارس المجتمع وبكل ما لديها من صلاحيات إنما تلك صلاحيات آنيّة، فلو قررت حفظ البلاغ أو الشكوى لكان من حق المبلغ أو الشاكي أن يتظلم للمحكمة ويكون للمحكمة حكمها، ولو تم أي إجراء تحفظي من حجز أو منع سفر أو قبض، فإن ذلك كله محدود وموقت ومرده المحاكم في قضايا ما يسمى بـ«تجديد الحبس» أو التظلمات التي استحدثها المشرع لقرارات منع السفر، وعليه فما الداعي لأن تكون هناك مسؤولية للدولة عن أعمال النيابة العامة من دون أن تحدد ماهية تلك المسؤولية؟ فلو كانت من قبيل الخطأ الشخصي فإن قانون الجزاء موجود لسد تلك الذرائع، ولو كان خطأ مرفقياً لكان القضاء هو المرافق والفاصل في هذا الاتجاه بوقت زمني معقول، لحين نظرها أمام المحكمة.
إنه من غير المعقول أن يكون هناك مشروع قانون يقيم المسؤولية عن أعمال النيابة العامة، من دون أن يُعدل في الوقت ذاته قانون التحقيقات في الاتجاه ذاته، وللأسف فإن المشروعين (مخاصمة النيابة العامة – تعديل قانون التحقيقات) في جدول أعمال المجلس ذاته وقد ينظران في الجلسة ذاتها، من دون أن يكون هناك تعديل للإدارة العامة للتحقيقات في السياق نفسه... لمَ لا؟ والإدارة العامة للتحقيقات تتعامل مع أضعاف القضايا التي تنظرها النيابة العامة، فلو قامت العلة على الأولى فلا بد أن تكون على الثانية.


النيابة العامة جسد واحد، يكمل بعضه بعضاً، ولا يتجزأ بحسب نص المادة الـ59 من قانون تنظيم القضاء، هذا هو المبدأ الراسخ، وقد جاء هذا المشروع بقانون بشرط أن يوقف عضو النيابة العامة عمله في القضية المختصم فيها وأن يوكل لأحد غيره، وهذا أمر يهدم فكرة وحدة النيابة العامة، خصوصاً أن القرارات في القضايا غالباً ما تصدر من شيوخها وكبارها، فهل من المعقول أن يوقف النائب العام عن النظر في قضية وقد أعطاه هذا الحق الدستور مباشرة بنص صريح في المادة 167؟ وهذا ما يجرنا ?ن تثار شبهة عدم الدستورية في هذا الخصوص، ومن شأنه أن يجعل من النيابة العامة عرضةً لابتزاز المتهمين الذين لن يتوانوا عن استخدام أي إمكانية قانونية من شأنها تعطيل عمل النيابة العامة في التحقيق والتصرف، ومن شأن ذلك أن يعطل القضايا ذات الاهتمام المجتمعي في مراحلها الأولى ما يجعل الجهاز الأهم في الدولة عرضةً للتمزيق وهو كل، وعطلة للتحقيق وهو أصل.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي