No Script

رؤية ورأي

عودة الحراك

تصغير
تكبير

سلّطت الصحف الضوء على علامات عودة الربيع العربي، عبر عناوينها الرئيسة في صفحاتها الأولى على مدى أيام عدة. وأنا بدوري أتساءل هل هناك من يسعى إلى توجيه هذه العودة نحونا؟
لا شك أن الكويت تعاني من عوامل عدّة محفّزة للسخط الشعبي، وقد يكون من بين أبرزها استشراء الفساد في الدولة، وضعف الأمل في مكافحته والقضاء عليه. ولكن في المقابل نجد أن العديد ممن يسعون إلى توظيف ورقة استشراء الفساد في تحريك الشارع، هم أيضاً من الطبقة الفاسدة أو من الشريحة التي استفادت منها. فمنهم من ثبت تضخم ثروته لدى النيابة العامة أو لدى غيرها من جهات ولجان التحقيق.
الأمثلة على تناقض المتسترين وراء قناع الإصلاح كثيرة، فعلى سبيل المثال نجد أن الكثير من المطالبين بإصلاح النظام الإداري في البلاد، هم ممن تقلد مناصب قيادية بالبراشوت؛ ومجموعة من المناضلين من أجل الحريات، كانوا قبل سنوات قليلة فرسان حملات حكومية برلمانية مشتركة لتشريع قوانين قيّدت حرياتنا؛ وعدد من السياسيين والأكاديميين المناهضين للشهادات «الكرتونية» - هم أيضاً - من حملة شهادات كرتونية أو أنهم كانوا قبل سنوات عدّة حلفاء القيادي السابق عميد إفساد التعليم العالي.
المراد أن ورقة استشراء الفساد ليست بالقوة المؤثرة، كما كانت أبان الحراك الأول، خصوصاً بعد إحالة عدد من القياديين إلى القضاء بتهم التطاول على المال العام.
المسار الآخر المتبع في تأجيج استياء وغضب المواطنين على الدولة، هو مسار المشاريع الممنهجة لتدمير المواطن الكويتي. المشاريع، التي أشار إليها الدكتور جمال عبدالرحيم في لقائه الأخير في برنامج «عشر إلا عشر» على قناة «الراي» التلفزيونية. فبعد أن كان الكويتي منتجاً وعنصراً إيجابياً في تدوير عجلة اقتصاد وطنه، وبعد أن حولته الحكومات السابقة إلى فرد اتكالي ومعتمد على الرعاية الحكومية، نلاحظ اليوم وجود قوى خفية تعمل على تدمير هذا المواطن أكثر فأكثر، وتقنعه وتشجعه على مضاعفة توقعاته من الرعاية التي يجب أن توفرها الحكومة له، وتباعاً مفاقمة أعبائه على الحكومة، بغرض إنهاك الدولة واستنزاف طاقاتها وامكانياتها، كوسيلة ضغط من قبل تلك القوى الخفية لضمان موقعها في المشهد السياسي ونصيبها من مشاريع التنمية الجبارة المنظورة. ويبدو لي أن قوة وقدرة هذا المسار على تأجيج الشارع في ازدياد.
بشكل مواز، هناك مساع لخلق صراع بين أقطاب وأركان الدولة، عبر دعوات إلى تبني خيار الإصلاح الفردي الخارق للدستور والنظام العام للبلاد. وقد تكون أحدثها الدعوات التي وجهت إلى الشيخ ناصر الصباح لتغيير المشهد السياسي وقلب الطاولة على ثلاث دوائر سياسية تعمل ضده، وفق ما جاء في تلك الدعوات. الغريب أن الكثير من مؤيدي مبدأ الإصلاح الفردي غير الدستوري، اعترضوا على مرسوم الصوت الواحد بحجة أنه غير دستوري، رغم أن سمو الأمير أصدره بموجب المادة (71) من الدستور.
شخصيا أرى أن الشيخ ناصر عازم على تطوير المشهد السياسي والاقتصادي في البلاد، ولكن ليس بمنهجية الربيع العربي، بل بمنهجية متسقة مع الدستور. ويكفيني الاستدلال بتصريحاته المتكررة في هذا الشأن لمحطات تلفزيونية أجنبية عدة، كانت آخرها التلفزيون الصيني قبل ثلاثة شهور. ولكن التصريح الأبرز كان في مقابلته مع تلفزيون «بلومبيرغ» قبل قرابة عام، حين أبدى إعجابه بالإصلاحات التي قادها الأمير محمد بن سلمان في السعودية، ثم عقّب مؤكدا أن تلك المنهجية غير قابلة للتطبيق في الكويت بسبب الضوابط الدستورية. الغريب أن من يمجّد المغفور له الشيخ عبدالله السالم لالتزامه بالدستور، منزعج اليوم من التزام الشيخ ناصر بذات الدستور!
الإصلاح مشروع نبيل، ولكنه سيكون سلاحاً خطيراً، إذا شارك في إدارته وتنفيذه أقطاب وأدوات الفساد. لذلك علينا تمحيص المصلحين، ثم نُعين ونساند الحقيقيين منهم ونفضح ونتصدى للمقنّعين منهم... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».

abdnakhi@yahoo.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي