No Script

واضح

النصف القاتل!

تصغير
تكبير

في أصول قيادة صهاريج الماء أو ما يسمى بالعامية بـ«التناكر»، ليس بمقدور سائقها قيادتها في الطريق إلا بإحدى الحالتين: إما أن تكون ممتلئة وإما فارغة تماماً، لأن وجود نصف كمية الماء في الصهريج يعني انقلاب الشاحنة، لأن الماء سيتحرك يميناً وشمالاً وبقوة أثناء القيادة ويؤدي حتماً لانقلاب السيارة، ولهذا أنت تلاحظ أن السائق أحياناً كثيرة يفرغ الباقي من حمولة الماء على الزرع أو التراب تخلصاً منه بعد بيع الكمية المتفق عليها، لأنه لا يستطيع قيادة الصهريج وبه كمية من الماء متبقية... إما أن يكون الصهريج ممتلئاً وإما فارغاً!
أنصاف المتعلمين... أنصاف المثقفين... كلهم يقعون في ذات الخانة... خانة الخطر، لأن الجاهل بالشيء، والعالم بجهله يعلم حدود معرفته فيسكت عندما يستدعي الموقف سكوته، العالم المتمرس بفنه سواء أخطأ أم أصاب... نقاشه مثرٍ حتى في حال الخلاف، صاحب «النصف» هذا هو البلوى، الذي يرى نفسه لا يجارى في العلم، وهو غير مستعد حتى لسماع الآخرين فضلاً عن الاقتناع بآرائهم.
الجرأة في الطرح والنشر صفة لازمة للجهل لا للعلم، العالم بالشيء دائماً ما يتردد في النشر، لأنه يحسب للقارئ ألف حساب خشية الوقوع في الخطأ، صاحب «النصف» لا يعتريه هذا الخوف لأنه يرى نفسه متمكناً أيما تمكن!


إذا جمعت هاتين الصفتين إلى بعض: غرور نصف العلم، والجرأة في النشر، يتبين لأي فاحص أن هذه الفئة أصحاب نصف المعلومة هي التي تسيطر على الرأي العام في ثورة المواقع الإعلامية، التي تتيح النشر لمن شاء وقتما شاء كيفما شاء، ولأنهم جريئون فهم يملؤون هذه المواقع بما ينشرون ويشكلون في النهاية رأيا عاماً!
اليوم هناك ظاهرة أخطر، هم مثقفو «الواتساب»! هذه فئة تتلقى كل معلوماتها من مواقع التواصل، وهي تصدق كل ما تقرأه وكل ما يصل إليها، وتبني كل مواقفها وآرائها على ما تقرأه لأشخاص من ذات المستوى والنهج! «حاطب ليل»، إنه يتلقى من «حاطب ليل» وينقل لحاطب آخر، ليتشكل في نهاية المطاف رأي عام ضخم مبني على جهالة وإشاعة!
قبل أيام قرأت تغريدات عدة لأكاديميين ومثقفين ينتقدون بشدة كتاباً منسوباً لإدارة الطيران المدني، وظلوا طوال ساعات اليوم ينتقدون هذا الكتاب ويتندرون عليه، وفي نهاية يوم العمل وعندما نشر الطيران المدني نفياً لصدور هذا الكتاب عنه وقرر أنه «مفبرك»، قلب هؤلاء الأكاديميون نقدهم لوزارة الداخلية مطالبين بضرورة محاسبة المواقع الإلكترونية التي نشرت هذا الكتاب وضللت الرأي العام!
 لا أحد منهم ولا من متابعيهم يسأل كيف صدق هؤلاء المثقفون هذه «الفبركة»؟ كيف تتبعت هذه النخبة هذا النهج المتسرع في بناء المواقف على أي خبر تقرأه من دون أي تمحيص؟ هذا هو حال الأكاديميين فكيف بـ«الأنصاف»؟ ثم كيف الحال بمثقفي الواتساب!

@lawyermodalsbti

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي