No Script

واضح

السياسة فنّ التمثيل!

تصغير
تكبير

دخلت ذات مرة البيت فأخبرتني والدتي أنها اتخذت قراراً بمنع خادمة منزلنا «لچمي» من مشاهدة التلفاز نهائياً، وأنها أخذت من غرفتها الجهاز، ولما سألتها: لماذا يا أمي، دعيها تستأنس بمشاهدة التلفازوتستمتع، قالت: منعتها لمصلحتها، فهي لا تكاد تشاهد فيلماً حتى تدخل في نوبة بكاء كبيرة فتسوء نفسيتها أياماً عدة من أثر هذه المشاهدة، «لچمي» تتأثر كثيراً بالأفلام وأنا أخاف عليها!
قلت لها: يا أمي كلنا نتأثر بالتمثيل نبكي من بعض المشاهد ونضحك من أخرى، نعيش القصة وكأنها حقيقة، كل البشر هكذا، مع أننا نعلم أنه مجرد تمثيل، وأن هؤلاء الممثلين يصطنعون هذه الأدوار اصطناعاً لكننا نصدقهم، نرى فقيرهم فقيراً وغنيهم غنياً، ترتسم في أذهاننا صورة سيئة عمن يمثل أدوار الشر والقسوة، كما ترتسم صورة جميلة عن آخرين يقومون بأدوار الطيبة والحكمة، الغريب أن هناك ممثلين ارتسمت عنهم صورة نمطية واحدة لتخصصهم في أداء نوع معين من الأدوار، حتى صار الناس يظنون أن هذه شخصياتهم الحقيقية، في حين تجد بعض الممثلين يقوم أحياناً بدور العسكري المحافظ على القانون، وآخر بدور الحرامي السارق، وثالث تراه فقيراً معدماً، ورابع تراه غنياً مفرطاً في الغنى، وفي كل الحالات نعيش معه الدور ونصدقه، هذا هو فن التمثيل وهذا هو أثره علينا، كلنا هكذا ليست «لچمي» وحدها!
كثيرون عرّفوا السياسة وأطلقوا عليها بعض المصطلحات لمحاولة تبسيط فهمها للعموم، بعضهم كان لطيفاً في تعريفها، أسماها فن الممكن! عندي أن السياسة هي فن التمثيل! هي أن تجيد أداء الأدوار المطلوبة منك، أو التي تحقق مصالحك أو مصالح حزبك أو تجمعك حسب الحاجة، السياسي يتنقل من موقف إلى آخر كما يتنقل الممثل من دور إلى غيره، يخطب بثورية وحماسة إذا احتاج الأمر ليقنع المستمعين، وقد تحتاج المصلحة إلى اللين والهدوء فتجده ليناً هادئاً في خطابه!


إذا احتاج السياسي إلى الحرب كان صقراً محلقاً في السماء وجمع لأتباعه كل مقولات الشجاعة والإقدام والكرامة والعنفوان، والمحفز لهذا الإصلاح وإقامة العدل والمساواة، وإذا احتاج للسلم تجده حمامة يطير لنشر السلام ويحشد مقولات الحكمة والهدوء وطول البال لنيل المنى وتحقيق المصالح!
في السياسة قد تصرّح بغير الحقيقة وقد تغضب على ما أنت راضٍ عنه، وقد ترضى علناً عما يغضبك في السر، وتظهر ليس كما أنت، كل هذا من أعمال السياسة كما أنه من أعمال التمثيل.
أنا لا أعيب على السياسيين بهذا الكلام قطعاً، بل أحاول فقط تبسيط مفهوم السياسة، ولا أجد عيباً أبداً فتغيير المواقف لتحقيق المصالح وفق المتغيرات وبضوابط مرعية، لكن الفرق أن هناك ممثلين يجيدون اختيارالقصة وأداء الأدوار المطلوبة منهم لينتجوا فناً راقياً هادفاً، لكن بعضهم قد يزوّرون أثناء تمثيلهم حقائق تاريخية أو يسيئون في أداء الشخصيات أو قد يفتقدون للمعنى الحقيقي للفن، قصة وحواراً وأداء، من أجل الربح المادي المجرد أو بدافع التواجد والظهور ليس إلا، وهكذا يفعل بعض السياسيين تماماً! نحن نتأثر بالتمثيل مع علمنا اليقيني أنه تمثيل، لكننا لا نعي أن المواقف السياسية أغلبها تمثيل أيضاً!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي