No Script

الكويت بين ديبلوماسية القوة وقوة الديبلوماسية

تصغير
تكبير

عندما بدأت الجهات المختصة في الكويت، في وزارات الداخلية والصحة والشؤون، تتخذ إجراءات قانونية، ترقى الى مصاف السيادة بحق مخالفي الإقامات على أرضها، خصوصاً أثناء جائحة وباء «كورونا»، الذي تتهاوى أمامه أكبر الدول وأكثرها تقدماً وتطوراً في العلم والتكنولوجيا، لم تكن هذه البلاد المعطاءة بشهادة العالم أجمع، تقصد جنسية بعينها، كما يحاول بعض المصطادين في المياه العكرة تصويرها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الجالية المصرية العربية، حيث تربط بلدينا علاقات تاريخية، تكاد تكون استراتيجية، صودف أن هذه الجالية هي الأكبر بين بقية الجاليات، فهناك أيضاً الجالية الهندية والجالية البنغالية، وهذه الجاليات تتساوى تقريباً في العدد، الذي أحدث خللاً في التركيبة السكانية، وجعل المقيمين يفوقون عدد المواطنين بثلاثة أضعاف، مع ملاحظة ان الكويت تستضيف على أرضها نحو 120 جنسية بين عربية وأجنبية، وكان لا بد من إيجاد حل جذري لهذا الخلل، الذي يكبد الدولة مبالغ طائلة، لا تصرف فقط على الرواتب، وإنما على الخدمات الأخرى، مثل الرعاية الصحية، والمراقبة الامنية، وهذان المرفقان الأكثر تضرراً وتكبداً للخسائر، إضافة الى ما يتطلب ذلك من حلول هذه العمالة، من أي جنسية كانت، محل العمالة الوطنية، التي تكدست في القطاع العام الآمن، وتركت القطاع الخاص المنتج للوافدين، الذين يرضون بأي راتب، وسيكون بالتأكيد أكبر بكثير مما يتقاضونه في بلدانهم.
إذاً، فإن العمالة الاجنبية أخذت مكان المواطن في القطاع الخاص، والذي كانت الدولة تشجعه للانخراط فيه، لما له من تأثير في الحركة الاقتصادية وفي العملية الانتاجية، كما أغرت أرباب العمل وأصحاب الشركات على الاستعانة بها، لما يترتب عليها من أكلاف وضمانات، هي من حق المواطن. كما هو الحال في بقية الدول، التي وازنت بين الوظيفة في القطاعين العام والخاص.


إن إقبال المواطن على الوظيفة العامة خلق العمالة المقنعة، وهي عمالة خطيرة تأخذ دون أن تعطي، وحوّلت الدولة الى بقرة حلوب، ونتيجة ذلك معروفة، وهي مزيد من الانفاق الحكومي أو الهدر، في وقت تعتمد فيه الكويت على مصدر أحادي هو النفط، الذي يتهاوى سعره يوماً بعد يوم، تبعاً للسياسات العالمية، في إنتاج وتسويق هذه السلعة، التي كما يعرف الجميع لا تعتبر سلعة تجارية، بقدر ما هي سلعة سياسية واستراتيجية.
وعودة الى العمالة الهامشية او السائبة أو المتاجر بها (سمها ما شئت)، فإن من واجب الدولة أمام مواطنيها، أن تتخذ إجراءات صارمة، ليس الهدف منها (طرد) هذه العمالة المتضخمة، وإنما تنظيم وجودها، من خلال الاجهزة المختصة، كما ذكرنا سابقاً، إضافة الى ان مثل هذه الاجراءات بدأت تكشف تجار البشر، أو كما اسميهم دائماً (بلاعي البيزة)، الذين لا يهمهم سوى الربح، حتى ولو كان على حساب تدمير الوطن، كما كشفت وجود مئات الشركات الوهمية، خصوصاً شركات المناولة او الحراسة التي تتطلب قدرات استثنائية، سوف تكون خطيرة جدا على أمن البلد، في أي حال اهتزاز، ولا استبعد ان بعض ضعاف النفوس والمتربصين باستقرار الكويت، يتحينون مثل هذه الفرص لغايات لم تعد خافية على أحد، وما حدث أخيراً في جائحة كورونا، وإن كان فاقعاً وفاجراً، ليس المرة الاولى، وكلنا نذكر أحداث خيطان الماضية، التي كشفت مدى خطورة تحركات ضد الأمن، لكن هذه المرة غير مسبوقة، لناحية الوقاحة في التعاطي مع الجهات الامنية، سواء عبر جيوش إلكترونية داخل الكويت وفي الدول المعنية، وهنا أقصد الشقيقة مصر التي تربطنا بها علاقات متجذّرة، ولا ينكر أحد ذلك، لكن أن تصل الأمور الى الابتزاز بهذا الشكل من مستويات مسؤولة، لا أعتقد أنها غائبة عن الأمر.
إنّ ما قدمته الكويت للمخالفين ورعتهم حتى وصولهم الى بلدهم، لم ولن تفعله دولة أخرى، ومع ذلك لم تسلم من ألسنة الذباب الإلكتروني الفردي وربما الرسمي، ولم يعد بالإمكان أفضل مما كان، إلا العين الحمراء، فالكويت لن ترضخ للتهديدات الدونكيشوتية، ولا للابتزازات التي تجبرنا على إعادة النظر في العلاقات، فالكارثة لن ترحمنا إذا لم نرحم أنفسنا.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي