No Script

واضح

الثورات العربية تأكل بعضها... وما تبقى من آمال الشعوب!

تصغير
تكبير

الجزائر الذي قدم مليون شهيد للفكاك من الاحتلال الفرنسي، عجز الثوار فيه أن يديروا شؤون بلادهم بما يحقق آمال شعبهم، وبما يحقق وعودهم التي وعدوا بها، سواء عجز هؤلاء الثوار أو عجز من سرق منهم ثورتهم، في النهاية هناك عجز تام عن تحقيق أي شيء بعد كل هذه التضحيات، لتقتات هذه الثورة على بعضها البعض وتفترس في طريقها ما تبقى من آمال الشعوب المنهكة، نجحت ثورة الجزائر ضد المستعمر ثم انقلب الرفاق على بعضهم بعد أن جلسوا على كرسي الحكم، وفي أول تجربة للتعددية الحزبية يفوز الحزب ذو الطابع الإسلامي باكتساح في عام 1992 لتعود البلاد بعدها إلى سياسة الحزب الواحد وتدخل في حالة عنف غير مسبوقة لرفض «العسكر» نتائج هذه الانتخابات، وبعيداً عن سرد حكاية الحكم هناك، إلا أن الواقع يقول إن شيئاً من وعود تلك الثورات لم يتحقق وأن «القادم» إلى الكرسي يسيطر وينقلب على كل شيء وإلى الأبد!
هذه الحالة العربية الغريبة ليست خاصة بالجزائر فقط، بل هي حالة كل بلادنا وثوراتنا العربية، تستخدم فيها المبادئ فقط للقفز على سدة الحكم، بإيهام الشعوب بالتغيير ثم تبدأ عملية «الشقلبة»، حزب البعث العربي، الذي وعد الأمة كلها بتغيير جذري وبفرض أسس العدالة والحريات وحسن إدارة الثروات وأصول الاشتراكية... الخ، ماذا فعل عندما سيطر على الحكم في دولتين من أكبر وأهم الدول العربية هما سورية والعراق؟ حال هاتين الدولتين في القمع والرعب والفقر لا يحتاج لوصف، إضافة إلى انقلاب كل متسيد على سابق رفاقه، فضلاً عن الحرب المستعرة التي كانت بين بعثي العراق وسورية!
وهكذا كان حال كل الثورات العربية، كانت - وأظنها ما زالت - في هذه الموجة التي جاءت على العالم العربي في عام 2010، وترتد الآن للمرة الثانية، نتائج كل هذا، والتي لا تختلف عن نتائج الثورات في الخمسينات!
هذه الشعوب العربية التي «تجلس على الحديدة»، منذ فترة طويلة من الزمن - رغم غنى دولها ووفرة مواردها - أصبحت اليوم مضطرة لأكل هذه «الحديدة»، لأنها لا تجد طعاماً غيرها، والعجز التام المطبق يكتم على أنفاس أي أمل في التغيير في كل أرجاء هذه الأمة المنكوبة!
أوهمنا هؤلاء السارقون لأحلام وثروات الشعوب، أن هناك مؤامرة غربية لمنع أي تغيير أو تطور في بلادنا! علينا مواجهة أنفسنا إن أردنا العلاج، فهذا محض وهم وخيال، فالغرب يعمل وفقاً لمصالح شعوبه - وهذا حقه كما أنه حق أي أحد - والحقيقة التي يجب أن نواجه بها أنفسنا أنه لا مؤامرة علينا أبداً، وأن مصالح الغرب إن تعارضت مع مصالحنا فهذه ليست مؤامرة، وإننا نحن المقصرون بحق دولنا وشعوبنا ومصالحنا، نظرية المؤامرة هي إحدى خطط هؤلاء الثوار السارقين آمال الشعوب، للسيطرة عليها وعلى خيراتها!
حتى هؤلاء المفكرون والمثقفون - الذين أزعجوا مسامع الأمة بالتدليل على نظرية المؤامرة - ما هم إلا عبء ثقيل على كاهل هذه الأمة، يريدون حبسها في سجون الماضي وعدم خروجها لأي نور إلا نورا يضيئون هم شمعته متى وكيفما ما أرادوا! رغبة منهم في احتكار قيادة الفكر، كما يرغب ثوار السياسة في احتكار السلطة!
الآن - وفي هذا الوقت تحديداً - تخوض الجزائر والسودان تجربة جديدة من تجارب التغيير العربي، هل تخرج هذه التجربة عن نتائج سابقاتها من الثورات؟ أم أن المشهد سيتكرر كما يحصل دائماً؟
في النهاية، تبقى شعوبنا منكوبة، ليس أمامها إلا أحد طريقين، إما الهجرة صوب الغرب لتعيش إنسانيتها هناك، وإما الانسلاخ نهائياً من هذه الإنسانية والبقاء في هذه «القبور»!

@lawyermodalsbti

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي