مسفر النعيس

قطر... رؤية تتحقق
قبل سنوات عدة وتحديداً في العام 2018، زرت دولة قطر الشقيقة للمرة الأولى، فوجدت بلداً أشبه بخلية نحل في كُل شارع وزاوية. أعمال بناء وشوارع قد أغلق جزء منها لتصليحها وسكة يتم إنشاءها للمترو وبنايات متعددة ومجمعات في مرحلة البناء، باختصار شديد بلد يُعاد بناؤه من جديد.كان ومازال من طبيعتي أن أبحث وأتقصى المعلومات السياحية وغيرها عن أي بلد قبل زيارته، ولكن لضيق الوقت وبسبب قصر مدة زيارتي لم أفعل ذلك، ولكن ما إن وجدت تلك الأعمال الضخمة، قررت أن أبحث عن ذلك بكل شغف حتى وجدت أن السبب الحقيقي يتمثل في القرار الأميري رقم 44 لسنة 2008، والذي تم بموجبه اعتماد الرؤية الشاملة للتنمية لدولة قطر «رؤية قطر الوطنية 2030»، وذلك باعتبار التنمية الشاملة هي الهدف الأساسي لتحقيق التقدم والازدهار للمواطنين حيث تهدف رؤية قطر 2030 إلى تحويل قطر إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلاً بعد جيل، من خلال أربع ركائز مترابطة تتمثل في التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية.رؤية دولة قطر الشقيقة 2030، لديها سمات محددة للمستقبل وتحديات رئيسية تتمثل في التحديث مع المحافظة على التقاليد، احتياجات الجيل الحالي والأجيال القادمة، النمو المستهدف والتوسع غير المنضبط، مسار التنمية وحجم ونوعية العمالة الوافدة المستهدفة، التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة وتنميتها.بعد سنوات من زيارتي الأولى، زرت دولة قطر الشقيقة عام 2023، فوجدت دولة متطورة حديثة بشوارعها وجسورها وبناياتها وسكك قطار ومترو الدوحة، ومجمعاتها العملاقة ومُدنها الجميلة المتميزة كمدينة لوسيل الحديثة، واندهشت من جماليات التصاميم الهندسية فكل مبنى كأنه لوحة فنية سواء مجمعات تجارية أو ملاعب رياضية، على سبيل المثال مجمع فاندوم، ذو التصميم الخلاب، واستاد البيت المستوحى من بيت الشعر ليمثل التراث القطري والخليجي.إن ما حدث في دولة قطر الشقيقة هو باختصار رؤية ملهمة استطاع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أن يستنهض الهمم ويختصر الزمن نحو مستقبل مشرق، والذي يعمل دون كلل وملل من أجل أن يجعل دولة قطر الشقيقة، الصغيرة حجماً والكبيرة في مواقفها وإنسانيتها، تواكب الدول المتقدمة وتصنع بصمة خاصة بها عنوانها التطور والنمو والتقدم في جميع المجالات.في هذه الأيام تحتفل دولة قطر الشقيقة بيومها الوطني وبهذه المناسبة العزيزة نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لمقام سمو أمير دولة قطر الشقيقة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وللشعب القطري الحبيب، بمناسبة اليوم الوطني القطري الذي يصادف 18 ديسمبر، وهو اليوم الذي تولى فيه مؤسس دولة قطر الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، مقاليد الحكم في 18 ديسمبر 1878، ويُعد يوماً فاصلاً في تاريخ قطر الحديث والذي تحتفل به الدولة كل عام.mesferalnais@

علي الفيروز

فاطمة صديقيان... والحرب السيبرانية
ترى مَن هي فاطمة صديقيان كاشي، وماذا تعمل في الوقت الحالي، وما دورها مع الحرس الثوري الإيراني، ولماذا تبحث عنها الإدارة الأميركية ممثلة بوزارة الخارجية والاستخبارات، ولماذا أصبح اسمها مثيراً للجدل في الحرب السيبرانية العالمية، ولماذا يتداخل علم التكنولوجيا مع السياسة والأمن الدولي؟!إن فاطمة صديقيان، مواطنة إيرانية وتعمل مهندسة وخبيرة كمبيوتر، تخصص أمن سيبراني (تقنية المعلومات) ولكنها ليست مهندسة عادية كالآخرين وإنما هي عضوة فاعلة في وحدة إلكترونية تابعة للحرس الثوري الإيراني واسمها وحدة شهيد شوشتري، وتسمى عند الخبراء السيبرانية الأميركان بأنها وحدة القوة الإلكترونية لإيران.ففاطمة صديقيان، شابة جميلة وذكية تلفت الأنظار وتتميز بذكاء غير عادي، أي عبقرية في علم الحاسوب السيبراني، ومن خلال نشاطها المميز اتهمتها الولايات المتحدة الأميركية بأنها جزء من أخطر هجوم سيبراني إيراني في العشر سنوات الأخيرة حيث سبق لها المشاركة في هجمات سيبرانية ايرانية على جهات أميركية مختلفة مثل شبكات الطاقة والمؤسسات الحكومية وشركات الشحن والاتصالات ووحدات البنوك والنقل البحري والسياحة، بل حتى وسائل الإعلام المختلفة، وهذا يعني أن فريقها السيبراني لم يترك جهة أو وحدة أميركية إلا وهاجمها في عقر دارها، وتتهمها الولايات المتحدة بأنها قامت بعرقلة عملية الانتخابات الأميركية السابقة في عام 2020 حسب ما أفادت وزارة العدل الأميركية، ما يعني أن صديقيان، كانت عاملاً مؤثراً في تعطيل مجريات العملية الانتخابية، وبالتالي تكون مجموعة صديقيان السيبرانية ليست (هكراً) عادياً، كونها ساهمت في تعطيل العملية الديموقراطية الأميركية فقد قامت بتنفيذ حملات اختراق معلوماتية معقدة استهدفت من خلالها بيانات مهمة وأنظمة حساسة، وهذا ما أرعب السياسة الأميركية ومجرياتها، فالموضوع لا يقتصر على الهجوم السيبراني الإيراني أو حرب إلكترونية ولكن هذا الاختراق يعتبر حرباً معلوماتية كاملة الأركان أدت إلى خسائر مالية كبيرة في جميع قطاعات الطاقة ومراكز المصارف والسفر بملايين الدولارات.وهذا ما جعل وزارة الخارجية الأميركية أن تصدر بياناً شديد اللهجة، تفيد لمن يدلي بأي معلومات من شأنها أن توصلهم إلى المهندسة فاطمة صديقيان، فله مكافأة مالية تقدر بـ 10 ملايين دولار، وبالتالي فالمبلغ المرصود ليس مبلغاً عادياً او شخصاً عادياً بل شخصية مطلوبة حياً أو ميتاً لأنها تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأميركي.وفي الوقت نفسه، لمع اسم المهندس محمد باقر شيرينكار، كشريك متورط مع فريق فاطمة صديقيان، وتم عرض المكافأة المرصودة نفسها لمن يدلي بمعلومات عنهما، فيما ترى الولايات المتحدة الأميركية أن الموضوع خطير ولا يرتبط بفرد واحد وإنما هي شبكة سيبرانية كاملة من ضمن الشبكات الإيرانية التي عملت منذ سنوات في عمليات التخطيط والتنفيذ لهجمات سيبرانية متعددة، وما يلفت الأنظار هنا أن مجموعة صديقيان نفسها لا تعتمد على اسم ثابت لها بل تقوم هذه المجموعة بتغيير اسمها السيبراني بين حين وآخر كلما شعرت بمحاصرة مجموعتها، ثم تعيد استئناف عملها حينما تشعر بالأمان فتنتقل من مكان إلى آخر حتى لا تتوقف عن نشاطها السري.وأفادت الولايات المتحدة الأميركية أن الهجمات السيبرانية التابعة لفريق صديقيان وآخرين قد نجحت بالوصول إلى دول أوروبية ودول شرق أوسطية، فتسببت بخسائر مالية تقدر بملايين الدولارات من خلاله تعطيل وتهكير أنظمة بلدان كاملة، وبالتالي فإن الخبيرة فاطمة صديقيان، تعتبر للولايات المتحدة الأميركية هي ليست (هكراً) أو قناصة سيبرانية فقط ولكنها جندية ومقاتلة شرسة خاضت حرباً إلكترونية عالمية ما بين إيران وأميركا.أما اليوم فنشاهد إيران وهي تلتزم السكوت فلا تعتزم التأكيد أو النفي عن هذه المعلومات بل التحفظ على أي خبر سيبراني قد يخصها.ففي النهاية يحق لنا أن نتساءل: هل تعتبر الخبيرة فاطمة صديقيان، العقل السيبراني المدبر للحرس الثوري الإيراني، وهل هي أخطر عقل سيبراني يستحق رصد مكافأةبـ 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنها، أم ما هي إلا ورقة سياسية أو أداة ضغط تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية للضغط على إيران في ملف سلاحها النووي طالما أن هناك نزاعاً أزلياً متصاعداً بين الطرفين؟!ما نريد قوله هنا: أن المهندسة الخبيرة السيبرانية الإيرانية فاطمة صديقيان، ليست شخصية عامة بالمعنى التقليدي بل هي فتاة أسطورية ذات قوة سيبرانية فريدة ظهرت في الساحة الدولية من خلال مهنتها لتثبت وجودها كقوى فاعلة ضمن نزاع رقمي وسياسي بين القوى الكبرى، وبالتالي سيظل اسمها محور جدل واسع بين صراعات دول العالم في القرن الحادي والعشرين.ولكل حادث حديث،،،[email protected]

عبدالعزيز الكندري

خطّط لحياتك... ولا تعش بعشوائية!
«لكل جهد منظم عائد مضاعف»ستيفن كوفيمع نهاية كل سنة نسمع حديث الناس عن التخطيط، ولكن التخطيط ليس مرتبطاً بوقت محدد، وعادة إيجابية أن ينظم الإنسان نفسه خصوصاً مع بداية العام الجديد حيث تتزايد الرغبة لدى الناس في تحقيق الأهداف والطموحات في مختلف المجالات، ويمثل صفحة تحمل إمكانات لا حصر لها لبداية جديدة مليئة بالتفاؤل والعمل والإنجاز، ويقول الأديب علي الطنطاوي: «إن حياة الإنسان لا تُقاس بطول السنين بل بعرض الأحداث».ومن المهم أن نتفكر في الأيام الماضية لتقييم الإنجازات ومراجعة الأخطاء، وللتعلم من التجارب، ووضع خطط للتغلب على التحديات المستقبلية وإيجاد الحلول للتحديات التي نواجهها سواء من الجانب الشخصي أو العملي أو العقلي، وعلى الإنسان ألا يفقد الأمل والتغيير يبدأ من الداخل إلى الخارج ومدى قدرتنا على تغيير أنفسنا: ويقول الله تعالى «إنّ اللهَ لا يُغيّرُ مَا بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم».والعام الجديد ليس مجرد تغيير في التقويم وورقة ننزعها، بل هي دعوة حقيقية للتجدّد الداخلي واستعادة الحماس لتحقيق الأفضل، ويقول زيج زيجلر، في كتابه (أراك على القمة): «أنا أومن أنك تستطيع الحصول على كل شيء تريده في الحياة، إذا قمت فقط بمساعدة عدد كافٍ من الآخرين في الحصول على ما يريدونه».وهناك عادة منتشرة وهي التسويف وهو العدو الأول للإنسان، يقول الشاب عندما أكبر، وبعد أن يكبر يقول عندما أتزوج، وبعد الزواج ينتظر الأبناء، وما هي إلا سنوات ويخرج للتقاعد ويتحسّر على الأيام التي لم يفعل ما كان يفكر فيه، فهل تحب أن تكون مثل هؤلاء الأشخاص، أم أنك ستخطط لحياتك وتستمتع بها أكثر؟.ويقول بيتر دراكر «ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته».ومن الكتب المميزة والتي تطرح فكراً جديداً لمن أراد أن يخطط لحياته وهو كتاب 10X (قاعدة العشرة أضعاف) لـ غرانت كاردون، والفكرة الأساسية التي يعتمد الكتاب عليها على مبدأ بسيط لكنه مبدع، وهو لتحقيق نجاح غير عادي، عليك أن تضع أهدافاً أكبر بعشرة أضعاف من المعتاد، وأن تبذل جهداً أكبر بعشرة أضعاف أيضاً. كاردون يرى أن أغلب الناس يفشلون ليس لقلة الذكاء، بل لأنهم يقللون من حجم أهدافهم وحجم العمل المطلوب لتحقيقها.وقاعدة 10X تعني ألا تكتفي بالحد الأدنى أو المتوسط، بل تفكر وتعمل بطريقة استثنائية. إذا كان هدفك الطبيعي هو دخل 10 آلاف، فاجعله 100 ألف، ثم اسأل نفسك: ما نوع الأفعال التي تليق بهذا الهدف الكبير؟، ويركز الكتاب على تحمّل المسؤولية 100 % عن حياتك ونتائجك. لا أعذار، لا لوم للظروف أو الآخرين.في الحياة العملية، هذا يعني أن ترى نفسك المسؤول الأول عن نجاحك الوظيفي أو التجاري مهما كانت التحديات. والنجاح لا يأتي من الذكاء وحده، بل من العمل الهائل والمستمر. في الواقع العملي، من يعمل أكثر، يتعلم أسرع، يرى فرصاً أكثر، ويملك احتمالية أعلى للنجاح.والخوف موجود دائماً، لكن الفرق بين الناجحين وغيرهم هو أن الناجحين يتصرفون رغم الخوف. الكتاب يشجعك على استخدام الخوف كدافع لا كعذر للتراجع، والتفكير الكبير يحتاج إلى انضباط يومي، أهداف مكتوبة، ومتابعة مستمرة. في العمل والحياة، هذا يعني التخطيط، القياس، والتطوير المستمر للأداء.والخلاصة العملية لكتاب 10X يدعوك للخروج من منطقة الراحة، ورفع سقف طموحك، والعمل بطاقة أعلى مما تعتقد أنه ممكن. النجاح الاستثنائي يتطلب أفعالاً استثنائية، لا حياة عادية ولا نتائج عادية.وتذكر أن التخطيط في الحياة يمنحك وضوح الاتجاه ويحول الأهداف من مجرد أمنيات إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ، ومن خلال التخطيط، تصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات بثقة واتخاذ قرارات تقودك إلى النجاح والاستقرار.

حمد الحمد

قال وين أذنك؟... قال منا!
هناك تصرفات من جهات حكومية، ينطبق عليها المثل الشعبي (قال وين أذنك؟ قال منا). وكذلك مثل آخر (انت أبوها وسمها)، تلك التصرفات مستغربة، حيث قرأت أن وزارة الشؤون طلبت من كل الجمعيات التعاونية وعددها 78 جمعية صوراً من شهادات الجنسية لكل أعضاء المجالس المنتخبة في كل الجمعيات، وجاء الطلب عن طريق اتحاد الجمعيات والنتيجة لم يزود وزارة الشؤون بالمطلوب إلا عشر جمعيات فقط، وثبت أن خمسة أعضاء قدموا استقالاتهم بأنفسهم بسبب سحب جناسيهم.والسؤال الذي يطرح نفسه أو (يسدح نفسه) كيف أن جهة حكومية تطلب من أعضاء منتخبين معلومات عنهم، ولدى الوزارة أرقام مدنياتهم، وهي من أشرفت على الانتخابات واعتمدتها؟! لهذا يفترض من الوزارة وهي جهة حكومية، أن تطلب هي من جهة حكومية أخرى، وهي وزارة الداخلية المعلومات المتوافرة والحديثة جداً، لماذا نتبع مبدأ (وين أذنك؟)، ونحن كوزارة نعرف مكان الأُذن وندل موقعها!ونلاحظ أن الجمعيات لم تستجب لأن كل المعلومات لدى (الأم) الحكومة، وهذه الأيام الأمور سهلة كما (سهل)، والمعلومات مخزنة لدى أجهزة الحاسب الآلي وتصل بسرعة البرق لو طلبت، ولا حاجة أن نفتح ملفات وندقق في صور.أعتقد أن هذا لا يتوافق مع تحديث أنظمتنا التي دائماً نفتخر بتطورها، وأسلوب لا معنى له، وبيروقراطية لا نعرف كيف نصفها في ظل توجه حكومي للذكاء الاصطناعي.حدث هذا كذلك في انتخابات رابطة الأدباء حيث تعطلت الانتخابات أشهراً عدة، وطالت المدة للتدقيق في سجل المرشحين والناخبين، لكن في بداية ديسمبر أجريت الانتخابات وظهرت النتائج وكانت أكثر من ممتازة، فكل من فاز هم شباب ونساء الرابطة، والجميع لهم أعمال ونشاط في مواسمها الثقافية ونبارك لهم، ومن لم يحالفه الحظ نتمنى له حظاً أوفر في فترات مقبلة.لكن المستغرب في انتخابات الرابطة أن الشؤون منعت الأعضاء وحتى المرشحين من حضور فرز النتائج، وهذا الأمر يحصل للمرة الأولى من خمسين سنة، وسمحت فقط بحضور مندوب عن كل قائمة، وتم الفرز خلف أبواب مغلقة! وهنا منعنا من متعة المتابعة والفرز، وقيل إن هذه تعليمات وزارية جديدة.وهنا نعود لمثلنا الشعبي الذي ينطبق على وزارتنا (وين أذنك؟)، والمثل الآخر (انت أبوها)، بمعنى أنتم يا حكومة الأب والأم، ولديكم كل المعلومات، فلماذا السؤال وانتظار إجابات تساهم في تعطل مصالح ومنافع؟!و«ما ينصحك إلا اللي يحبك» يا وزارة!ودمتم.

عبدالله خلف

توافق معشوقين من غير موعد
هكذا: توافق معشوقين من غير موعدوغُيّب عن نجواهما كل كاشحوكلّت جفون الماء من حمل مائهافما ملكت فيض الدموع السوافحوإني لأطوي السرّ عن كل صاحبوان كان للأسرار عدل الجوانحكتب عبدالملك بن مروان، بعض سرّه إلى الحجاج بن يوسف، ففشا حتى بلغه ذلك، فكتب إليه والله يا أمير المؤمنين، ما أخبرت به إلا إنساناً واحداً، فكتب إليه عبدالملك، أن لكل إنسان نصيحاً يفشي إليه سره.قال شاعر:ألم تر أن وُشاة الرجاللا يتركون أديما صحيحافلا تُفشِ سرك إلا إليكفإنّ لكل نصيح نصيحاوقال آخر:إذا أنت لم تحفظ لنفسك سرّهافسرك عند الناس أفشى وأضيعُوقال آخر:أمِت السرّ بكتمان ولا...يبدون منك إذا استودعت سرفإذا ضقت به ذرعاً فلاتجعلنّ سرّك إلا عند حُرومما استحسنته في كتمان السر:أتى دون ما تخشون من بث سرّكمأخو ثقة سهل الخلائق أروعضنين ببذل السر سمح بغيرهأخو ثقة عفّ الوصال سميدع*(* السميدع: السيد الكريم الشريف الشّجاع)أبى أن يبث الدهر ما عاش سرّكمسليما وما دامت له الشمس تطلعوله أيضاً:كريم يميت السر حتى كأنهإذا استنطقوه عن حديثك جاهلهرعى سركم في مضمر القلب والحشاشفيق عليكم لا تخاف غوائلهوأكتم نفسي بعض سري تكرّماإذا ما اضاع السر في الناس حاملهلَعمري ما استودعت سري وسرهاسوانا حذاراً أن تشيع السرائر

د. خالد أحمد الصالح

آن الأوان
لم تعد إخفاقات الكرة الكويتية أمراً طارئاً أو عابراً، بل أصبحت حالة مُزمنة تعكس خللاً عميقاً في طريقة إدارة الرياضة، لا في مستوى اللاعبين وحدهم، بل ان المشكلة لم تعد فنية بقدر ما هي إدارية وفكرية، عنوانها الأبرز: تسييس الرياضة وتحولها إلى ساحة استعراض وشهرة.منذ سنوات طويلة دخلت اللعبة الشعبية الأولى في دهاليز الصراع السياسي وتصفية الحسابات، تتبدل الإدارات لا وفق رؤية تطوير بل وفق اصطفافات ومصالح، فتدفع المنتخبات والأندية الثمن، وحين تُعاقب الرياضة الكويتية خارجياً وينتقل الصراع إلى كل زوايا المجتمع ويصبح التقييم الرياضي واختيار اللاعبين خاضعاً للنفوذ، عندها تتحول الرياضة إلى مشروع فشل وليس مشروع نجاح.الأخطر من ذلك دخول فئة من طالبي الشهرة على خط القرار الرياضي، أشخاص لا يملكون مشروعاً ولا خبرة، لكنهم يُجيدون الظهور الإعلامي وإثارة الجدل، تحولت كرة القدم إلى مادة للترند، وتحول النقد من تشخيص إلى تشهير، ومن مُساءلة إلى مُزايدة، فصار الضجيج أعلى من الإنجاز، والكلام أكثر من العمل.وفي خضم هذا العبث، غاب التخطيط، وضاعت القاعدة، وتُرك الشباب الموهوب بلا مشروع حقيقي، لا أكاديميات قادرة على صناعة لاعب، ولا استقرار إداري يسمح ببناء منتخب، نبحث عن نتائج سريعة بينما نهدم الأساس الذي تُبنى عليه أي كرة قدم محترمة.كرة القدم لا تُدار بالشعارات، ولا تُصلَّح بالمؤتمرات الصحافية، هي منظومة تحتاج إلى استقلالية، وتسليم الدفّة لأهل الاختصاص، فإما أن نعيد الرياضة إلى ملعبها الطبيعي بعيداً عن السياسة والشهرة، أو نواصل الدوران في حلقة الفشل، ونكتفي بترديد أمجاد لم نعد نملك أدوات استعادتها.الرياضة الكويتية لا ينقصها المال ولا المواهب، بل ينقصها العمل الذي يضع اللعبة فوق الأشخاص، والمستقبل فوق اللحظة.إن انصراف الجمهور؛ وابتعاد الأُسر الكويتية عن تشجيع أبنائهم الموهوبين للمشاركة الرياضية سببه ما انتشر بين الناس من تجارب حول تدخل البعض في المسار الرياضي وعدم احترام الموهبة لصالح المصالح الخاصة، حتى أصبح المدربون والجهاز الفني خاضعين للإدارة عاملين بتعليماتها بعيداً عن الحيادية، وطبعاً حين تفقد النوادي شبابها الموهوبين ينقطع الإمداد الواعد، فتكون النتيجة ما رأيناه أخيراً في كأس العرب وما سبقه من مشاركات.إننا نحتاج إلى مشروع وطني لإحياء الرياضة، وقد آن الأوان لبدء حركة الإصلاح والتغيير فقد طالت فترة التراجع وحان زمن الحزم.

د. عيسى محمد العميري

نكافح مرض العصر ونحيا
يكاد لا يخلو بيت من فقد عزيز له بسبب مرض العصر. مرض السرطان كفانا الله وإياكم هذا المرض... حيث يُعدُّ من أخطر الأمراض التي تواجه البشرية في العصر الحديث، لما له من تأثيرات صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية واسعة. فالسرطان ليس مرضاً واحداً، بل مجموعة من الأمراض التي تتسم بالنمو غير الطبيعي للخلايا وانقسامها بشكل غير منضبط، ما يؤدي إلى تكوين أورام قد تكون حميدة أو خبيثة، وقد تنتشر الخلايا السرطانية إلى أجزاء أخرى من الجسم في ما يُعرف بالانتقال أو النقائل. كما وتكمن خطورة مرض السرطان في صعوبة اكتشافه في مراحله المبكرة في بعض الأحيان، إضافة إلى سرعة تطوره وتأثيره المباشر على وظائف الأعضاء الحيوية.وتشير الدراسات الطبية إلى أن فرص الشفاء ترتفع بشكل كبير عند الاكتشاف المبكر وبدء العلاج في الوقت المناسب، ما يجعل التوعية والفحص الدوري من أهم وسائل الحد من مخاطره. وتتعدد مسببات السرطان، وتشمل عوامل وراثية وبيئية وسلوكية. ومن أبرز هذه المسببات التعرّض للمواد الكيميائية المسرطنة، والتلوث البيئي، والإشعاعات الضارة، إضافة إلى بعض الفيروسات والبكتيريا. كما تلعب أنماط الحياة غير الصحية دوراً رئيسياً في زيادة خطر الإصابة، مثل التدخين الذي يُعد السبب الأول لسرطان الرئة وعدد من أنواع السرطان الأخرى، وكذلك الإفراط في تناول الأطعمة غير الصحية، وقلة النشاط البدني، والسمنة.وبالإضافة لذلك فإن الدراسات الطبية المعتمدة تؤكد أن الوقاية من السرطان ممكنة إلى حد كبير من خلال تبني نمط حياة صحي. وتشمل التوصيات الأساسية الامتناع التام عن التدخين ومشتقاته، والحد من استهلاك الكحول، واتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضراوات والفواكه، وممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على وزن صحي. كما يُنصح بتقليل التوتر النفسي، لما له من تأثير سلبي على جهاز المناعة، وإجراء الفحوصات الدورية للكشف المبكر عن السرطان. كما أنه ومن الممارسات السيئة التي تسهم في زيادة احتمالية الإصابة بالسرطان: التدخين بكل أشكاله، والتعرض المستمر للضغط النفسي دون إدارة صحيحة للتوتر، وقلة الحركة والكسل البدني، والسهر المفرط، وإهمال الفحوصات الطبية الدورية. كما أن تجاهل الأعراض المبكرة وعدم استشارة الطبيب في الوقت المناسب قد يؤدي إلى تفاقم المرض.وفي إطار مكافحة السرطان، تولي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اهتماماً بالغاً بهذا الملف الصحي المهم، من خلال التعاون والتنسيق المشترك بين وزارات الصحة والمراكز الطبية المتخصصة، وتبادل الخبرات والبيانات، وإطلاق برامج وطنية وإقليمية للتوعية والكشف المبكر. وقد أسهم هذا التعاون في رفع مستوى الخدمات الصحية وتحسين نتائج العلاج.ومن جانب آخر، فإنه تجدر الإشارة إلى أن دول الخليج العربي بذلت جهوداً كبيرة في توفير أفضل وأحدث الأجهزة الطبية المتطورة لعلاج السرطان، إلى جانب توفير أحدث الأدوية المعتمدة عالمياً، واستقطاب نخبة من أفضل الأطباء والاستشاريين المتخصصين في علاج الأورام. وقد انعكس ذلك إيجاباً على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى، وزيادة نسب الشفاء وتحسين جودة الحياة.وفي الختام، تبقى مكافحة السرطان مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات الصحية، مع تعزيز الوعي، والالتزام بأساليب الوقاية، ودعم البحث العلمي، بما يسهم في الحد من انتشار هذا المرض الخطير وحماية صحة الإنسان. والله خير الحافظين[email protected]

د. أريج السنان

الإسلام والعالمية
في أحد المتاجر في فرنسا، كانت امرأة مسلمة ترتدي النقاب تتسوق بهدوء، تختار ما تحتاجه دون أن تلتفت لأحد. عند وصولها إلى الصندوق، كانت خلفها امرأة من أصول عربية تنظر إليها بازدراء وتضرب السلع على الطاولة بعصبية.لكن الأخت المنتقبة لم تحرك ساكناً، وظلّت هادئة جداً، مما زاد غضب تلك المرأة. فقالت مستفزة: «لدينا في فرنسا مشاكل وأزمات عدة، ونقابك هذا أحدها. نحن هنا للتجارة، وليس لعرض الدين أو التاريخ. فإذا أردتِ ممارسة الدين فافعليه في وطنك!».توقفت الأخت المنتقبة عن وضع السلع في الحقيبة، ثم كشفت النقاب عن وجهها. وإذ بها شقراء زرقاء العينين، تقول: «أنا فرنسية أباً عن جد، هذا إسلامي وهذا وطني».هذا الموقف، سواء كان واقعياً أم خيالياً، يوضح خطأ النظرة التي تعتبر الإسلام ديناً محصوراً في العرب.الإسلام نزل باللغة العربية لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان عربياً، لكن رسالته شاملة لكل البشر، فلا يقتصر فهمه أو تطبيقه على العرب فقط. كما قال الله تعالى: «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً»، وخاطب الناس بصيغة عامة: «يا أيها الناس»، ليؤكد أن الرسالة تصل لكل إنسان بغض النظر عن لونه أو لغته أو نسبه.تجلت عالمية الإسلام في مبادئه التي تقوم على العدل والمساواة والرحمة، إذ جعل التفاضل بين البشر على أساس التقوى والعمل الصالح لا على العِرق أو الثروة. قال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». وانتشر الإسلام في أرجاء الأرض بالدعوة الصادقة والأخلاق الحسنة، فدخل فيه الناس من شعوب وقارات متعددة، وأصبح المسلمون اليوم من كل لون ولسان.مما يمكن استخلاصه من القصة هو قيمة الهدوء والحكمة في مواجهة الاستفزاز، واحترام الاختلافات دون عنف أو تهجم. الاستماع قبل الحكم، التحكم في الانفعال، والتفكير في اختلاف الخلفيات الثقافية والدينية، كلها مفاتيح تجعل التعامل أكثر فعالية ويحوّل المواقف المتوترة إلى فرص للتعلم ونشر التسامح.الإسلام دين عالمي لا تحده أرض ولا لغة، ولا تحجبه حدود أو أعراق، يحمل في تعاليمه الرحمة والعدل، ويجمع القلوب على كلمة الحق والخير.فلنتعلم أن نحكم على الناس بأفعالهم وأخلاقهم، لا بمظاهرهم أو أصولهم.aaalsenan @

مقالات

د. تركي العازمي

التعليم يحتاج لـ«أرسطو»...!
أول أمر إلهي أنزله جبريل عليه السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، هو «اقرأ» من سورة «العلق» التي تعتبر أول سورة نزلت في القرآن الكريم.فالقراءة هي مصدر التعلم والتبصر بعلوم الدين كي يهدينا الله الصراط المستقيم (معرفة الحق والعمل به – طاعة أوامر الله وترك نواهيه)، وبالنسبة لشؤون العلوم الدنيوية تحقق لنا التحصيل العلمي، علماً ينفع البشرية في مختلف المجالات.والتعليم هو الأساس للنهوض بالأوطان والمجتمعات لكن المؤكد أن التعليم (العلم) لوحده لا يكفي.وللتدليل على ذلك، قال أبي ذر (وهو عالم جليل)، قلت: يا رسول الله: ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا مَنْ أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها» (رواه مسلم)، والضعف هنا يعني عجزاً عن تحمل أعباء المسؤولية والقيام بمتطلباتها.فالدرجة العلمية مع خبرة لا تمنح صاحبها الأحقية في تبوؤ منصب مسؤول، لأن المنصب له سمات/خصال ومهارات يجب أن يكون المرشح متمكناً منها (ذكاء عال، رشد، نزاهة وأمانة، معرفة بمجال العمل، محقق للنتائج وصاحب رؤية مفوه يستطيع التعبير عن رأيه وإقناع الآخرين).ونفهم من هذا، أن الذكاء والنزاهة والأمانة والقوة سمات يولد الفرد وهي فيه وبالتالي صعب تدريب المرشح ليكون أذكى من غيره ويصبح نزيهاً أميناً.وقد ذكر أرسطو في أعماله حول القيادي المؤثر، أنه يتميز بامتلاكه لوسائل الإقناع الثلاثة: Ethos ثقة، سمعة وأخلاق، مصداقية. Pathos: القدرة على فهم عاطفة ومشاعر التابعين والجمهور. Logos: المنطق – منطقية الحجج بالحقائق والأدلة، ونحن أحوج لبحثها إن كانت متوفرة!ملاحظة: ذكرنا في ما سبق من مقالات أن تطوير التعليم ممكن عبر تطبيق أحد النماذج المعمول بها في دول الجوار (تطابق الثقافة والدين واللغة) ممن احتلت ترتيب متقدم في جودة التعليم بجانب منح مهنة المعلم لمَنْ يستحقها!الزبدة:التعليم يحتاج لـ«أرسطو» بمعنى أننا نريد مسؤولين يمتلكون القدرات والسمات المؤثرة عند المفاضلة بين المرشحين كون مثلث وسائل الإقناع سالفة الذكر مهمة جداً... وهذا لجميع المجالات وليس التعليم فحسب.ولنلتزم بالدعاء «اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعلا متقبلا» الذي جاء في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم (رواه ابن ماجه)... الله المستعان[email protected]: @TerkiALazmi

موسى بهبهاني

وداعاً أحبتي... سامي وعلي
أشد ما يمر به الإنسان هو ألم فراق الأحبة... ففي الأسبوع الماضي اختار المولى عز وجل، الصديقين المرحومين بإذنه تعالى، (سامي القطان وعلي الداوود).خبران مؤلمان كسرا القلب وسبّبا ألماً كبيراً، ألم الفراق كبير خصوصاً إذا كان مفاجئاً ودون مقدمات.وأنا أكتب هذه المشاعر الصادقة النابعة من القلب المنكسر، أتألم عندما أسبق اسميهما بكتابة كلمة (المرحومان)... إنما هكذا هي الحياة، فالله هو الذي يعطي... ويمنع... ويمنح... ويأخذ... ويفرق ويقرب...{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }فالموت حق وهو المصير المحتوم لكل حي، مهما كان صغيراً أو كبيراً، غيّب الموت الصديقين العزيزين على قلوبنا، فكان المرحومان (سامي القطان وعلي الداوود) متميزين بخصال طيبة عدة، منها الأخلاق الحسنة، والابتسامة التي لا تغادرهما، وحسن المعشر، محبين لأسرهما وأصدقائهما، امتازا بالشخصية الطيبة والمحبوبة والتواضع والإيجابية، وكل من عرفهما أحبهما، انتقلا من دار الفناء إلى دار البقاء تاركين أثراً طيباً بعد رحيلهما من هذه الدنيا الفانية.المرحوم / سامي سلمان القطان (بوسلمان)من أبرز ما يتحلى به أنه كان مبادراً لإصلاح ذات البين، ويتألم كثيراً عندما يرى خلافاً بين الأصدقاء أو بين أفراد الأسرة الواحدة، فعندما يسمع بذلك يحاول بشتى الطرق المتاحة أن يجد وسيلةً لإصلاح هذا الخلاف، وقد رأيت منه هذا الفعل في حالات كثيرة جداً، حتى يصل به الأمر أن يشتد غضبه على الأصدقاء حين يقع بينهم الخلاف ولا يغادر المكان إلّا بإصلاح ذات البين.هذا الإنسان الطيب تميّز بالابتسامة العفوية، فلا تكاد تراه يوماً تغادر الابتسامة محياه، وبضحكته المميزة والتي تلفت الأنظار إليه، ويداعب الآخرين لينشر بين الأصدقاء البهجة والفرحة بالدعابة المحمودة.لقد صادفته في إحدى الدول، فلما التقينا بالصدفة، فإذا به يبادر بدعوتي إلى تناول وجبة الطعام مع عائلته الكريمة دون تردد، وهذا لا يتحلّى به إلا القليل من الأفراد.نعم، الأصدقاء الحقيقيون يعتبرون جزءاً من الأهل، فهم ليسوا مجرد معارف بل يصبحون من ضمن العائلة باختيارنا، لأنهم يرتبطون بالقلب والروح أكثر من الدم، وهم سند وعون لنا في الحياة ويُعتبرون كنزاً ثميناً.المرحوم / علي حسين الداوود (بوحسين)محب للرياضة ومتعصبٌ للمنتخب الوطني، محبٌ للكويت، من خصاله أنه متواصل مع عائلته وأصدقائه، وقد رأيته في الكثير من المناسبات الاجتماعية يقوم بالتواصل مع جميع أطياف المجتمع دون تفرقة، فينظر إلى الجميع كمواطنين على حد سواء، وما يلفت النظر أنه تمكن من إعالة أسرته (والدته وشقيقته) وتحمّل مسؤولية العائلة عندما كان صغيراً بعد وفاة والده، تحمّل تلك المهمة الصعبة كاملة وبجدارة.فكلا المرحومين، سامي القطان وعلي الداوود، مُبادر بالتواصل وحضور المناسبات الاجتماعية، سواء كانت أفراحاً أو أحزاناً، وذلك جوهر الإنسانية، وهي شيمة الأخوة التي تعكس التعاطف والترابط الإنساني، وتقوي الروابط الاجتماعية، وتعزّز التعاون والتماسك المجتمعي.رحلتم يا (سامي وعلي) بجسديكما لكن ذِكراكما الطيبة ستظل في قلوبنا، لن ننساكما من دعائنا في كل الأوقات.{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }اللهم لا اعتراض على قضائك وقدرك، وندعو المولى عز وجل أن يشمل المرحومين (سامي القطان وعلي الداوود) بعفوه ورحمته، وأن يجعلهما مع النبيين والصّديقين والشهداء، وأن يجعل الجنة مثواهما، وأن يلهم أسرتهما الكريمة ومحبيهما الصبر والسلوان.ولنا ذكرياتٌ مع من غابوا عنا بأجسادهملكن الروح لا تنسى من أَلِفَت وهامت بهم حباََ وشوقاََ..فسلام على أرواح عانقها الموت وغفت بلحاف من تراب..سلام لمن سكنوا القبور وفارقوا الأهل والدور.«إنّا لله وإنّا إليه راجعون».

محمد ناصر العطوان

فيلم «الست»... أشباح «المثنى» وثلاث تذاكر إلى الوراء
«الليل وسماه ونجومه وقمره... قمره وسهره... وأنت وأنا...»هكذا، ومن حيث لا يحتسب المرء، وفي غفلة من هذا الزمن الذي حوَّلنا إلى «تروس» صدئة في ماكينة الحياة العملاقة، تأتي «الطلعات» المباغتة من أصدقاء السلاح القدامى لتكون هي طوق النجاة الوحيد من الغرق في شبر مياه المسؤوليات.بلا مقدمات، وبلا «غروبات واتساب» تتحول إلى جلسات مجلس أمن لتحديد موعد يناسب الجميع، وبلا استخراج «تأشيرات خروج» معقدة من وزارة الداخلية (الزوجات)... رن الهاتف.المتصل: «أديب الأدباء».الهدف: عملية سطو مسلح لاختطاف «شهبندر التجار»، والتوجه فوراً لمشاهدة فيلم «الست».الزمان: الآن... ولا عزاء للمسوفين، ولا مكان للمعتذرين.وخلال ساعة واحدة -يا مؤمن- كنا قد نفضنا عن كواهلنا المسؤوليات وشبكة العلاقات، وارتدينا ملابسنا، ووصلنا إلى «المول».التقينا عند باب السينما، ثلاثة أصدقاء، جمعتهم الشاشة الكبيرة قبل أن يجمعهم المكان، وكأننا عبرنا بوابة زمنية أعادتنا إلى تلك الأيام الخوالي في «مجمع المثنى»... تذكرون تلك الأيام؟ حين كنا نلتقي كل يوم، ونفكك «كلاكيع» السياسة والأدب والتاريخ، ونعيد تركيب الكون على مزاجنا... كنا نحلم بأماني بحجم السماء، وبأن نكون يوماً ما «ما نريد».قبل أن تبتلعنا دوامة «الزواج والأولاد» والقروض، كنا نجلس هناك، في «جمهورية المثنى»، ترتفع أصواتنا ونبقى... ونبقى... حتى يأتي الحارس المسكين ليبلغنا بلهجة يائسة أن الأبواب ستغلق، وأن علينا أن «ننصرف» لنترك العالم يرتاح من نظرياتنا.دخلنا القاعة، وبدأت الرحلة بحفلة كوكب الشرق في باريس...!هنا تجلى «الثالوث الإبداعي»... المخرج مروان حامد، الذي رسم بالكاميرا وكأنه ينسج سجادة فارسية، والكاتب أحمد مراد، الذي ينبش في التاريخ بمشرط جراح ليجعلنا نرى أم كلثوم «اللحم والدم» لا الصنم، ومنى زكي، تلك التي لم تكن تمثل، بل كانت في حالة «تحضير أرواح» حقيقية لروح الست.نحن الثلاثة أيضاً نشبه هذا الثالوث، جالسون في الظلام، حيث لم نكن نشاهد فيلماً عن «فاطمة بنت الشيخ إبراهيم البلتاجي» فحسب، بل كنا نشاهد «أنفسنا».ذلك «التأثيث البصري والسمعي» المتقن جعلنا نشعر بدورة حياة كاملة تدور أمامنا... كيف تبدأ الأشياء صغيرة خائفة، وكيف تكبر وتتوحش، وكيف تصل إلى أوجها، ثم كيف تنتهي... أو تتحول.شريط حياتنا كان يمر بالتوازي مع شريط الفيلم، عندما ظهرت «أم كلثوم الكاتبة»، رأيت صديقي «أديب الأدباء» تلمع عينه في الظلام، وكأنه يستعيد معارك قلمه وإهداءاته وأحلامه الأدبية ونصوصه الخالدة التي تعلمنا منها جميعاً وناقشناها طويلاً تحت سقف المثنى.وعندما ظهرت «أم كلثوم رائدة الأعمال»، التي تدير إمبراطوريتها بذكاء ودهاء ومفاوضات شرسة، رأيت «شهبندر التجار» يهز رأسه طرباً، لا للنغم، بل لـ «نغمة» الإدارة والسيطرة، متذكراً صولاته وجولاته في دهاليز السوق.أما أنا... فبين «أم كلثوم الإنسانة» التي تحب وتتألم وتكابر، وبين الفلاحة التي غزت القصور، كنت أقتطع جزءاً من ذاكرتي، وأربطه بجزء من حياتي الحالية.لقد أدركنا في تلك الساعات القليلة أننا، ورغم الشيب الذي بدأ يحتل الرؤوس، ورغم استوائنا على عرش «الأربعينات» الملتهب، ورغم أننا أصبحنا «آباء» و«مسؤولين» ولنا وقار مصطنع، ما زلنا في العمق أولئك الشباب الثلاثة، تغيرت الديكورات، وتبدلت الأماكن من «بلاط المثنى» إلى مقاعد المول الوثيرة، ولكن الروح واحدة.الفيلم لم يكن حكاية مطربة، بل كان مرآة عاكسة... رأينا فيه أن النجاح ليس مجرد صدفة، بل هو «معجنة» من التعب والدهاء والموهبة، ورأينا أن الصداقة الحقيقية هي التي تتحمل «فجوات الزمن»، وتعود لتلتحم في لحظة صفاء، لنكتشف أننا ما زلنا نفهم بعضنا من «نظرة»، ونضحك على نفس «الافيهات»، ونلعن «سنسفيل» الدنيا التي تشغلنا عن بعضنا.خرجنا من الفيلم ونحن ندندن، لا بأصواتنا، بل بأرواحنا التي اغتسلت بماء النغم والذكريات، لسان حالنا يردد مع الست وهي تختصر كل هذا العمر وكل هذا الشوق في مقطع واحد:«وعايزنا نرجع زي زمان... قول للزمان ارجع يا زمان...»وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.

خيرالله خيرالله

الامتحان الحقيقي في سوريا...
لابدّ من العودة إلى السؤال الأوّل والأهم. إنّّه السؤال المتعلق بنجاح أحمد الشرع، في داخل سوريا وليس الاكتفاء بالنجاحات الخارجية، وهي نجاحات لابدّ من الاعتراف بأنّها مرموقة. كان الانتهاء من «قانون قيصر» آخر النجاحات التي تحققت على الصعيد السوري. لم تعد سوريا تحت عقوبات أميركيّة وتستطيع بذلك إعادة بناء علاقتها مع العالم، العالم الغربي خصوصاً من دون عقد. لكنّ المهمّ ما حجم التغيير في الداخل السوري الذي سعى نظام الأسد إلى تدميره؟ هل تعود سوريا دولة طبيعية، دولة مساواة بين مواطنيها كما وعد أحمد الشرع...؟بكلام أوضح، هل تستطيع سوريا التصالح مع نفسها بدءاً بالتخلي عن شعارات من نوع تصديق أنّّها «قلب العروبة النابض» في منطقة لا يحتاج فيها أي بلد إلى دروس في الوطنية من بلد آخر؟في هذه الأيّام، تمرّ الذكرى الأولى لفرار بشّار الأسد إلى موسكو. لم يكن الأمر مجرّد فرار لديكتاتور دموي كان يعتقد أنّ في استطاعته توريث سوريا لنجله كما حدث مع والده حافظ الأسد، لدى وفاته في العام 2000. يتعلّق لأمر بتغيير كبير على الصعيد الإقليمي.ما تبين بعد سنة على تخلّص سوريا من نظام أقلّوي، تحكّم بالسوريين، بين 1970 ونهاية 2024 أنّ ليس في الإمكان الاستخفاف بالتحديات التي تواجه النظام الجديد في سوريا، بما في ذلك مستقبل أبناء الطائفة العلويّة ومنطقة الساحل السوري. توجد مشكلة علويّة في سوريا. هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به. لكن هل في استطاعة بقايا النظام السابق تحويل المشكلة العلويّة إلى قضيّة علويّة؟ من الواضح أنّ بقايا النظام تسعى إلى ذلك عن طريق إسرائيل التي حمت النظام الأسدي منذ قام. لم ترفع الغطاء عنه إلّا بعدما ارتكب بشّار الأسد في أواخر العام 2024 غلطة العمر المتمثلة في السماح بنقل أسلحة متطورة إلى «حزب الله» عن طريق الموانئ السوريّة.إلى أي حدّ يمكن أن تذهب إسرائيل في دعم المجموعات التي تعمل من أجل خلق قضيّة علويّة؟ من الصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال. لكن الأكيد أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب، تقف أقلّه في المدى المنظور، حاجزاً في وجه إسرائيل ولديها مصلحة في المحافظة على وحدة سوريا. عند هذه النقطة تلتقي الإدارة الأميركيّة مع تركيا التي تدعم بدورها النظام الذي على رأسه أحمد الشرع.سيتعمد الكثير في المستقبل على قدرة النظام السوري الجديد على أن يكون مختلفاً. لا يكون ذلك سوى بالابتعاد عن ممارسات حافظ وبشّار الأسد، خصوصاً لجهة كيفية التعاطي مع الأقلّيات بدءاً بالدروز وانتهاء بالعلويين مروراً بالأكراد. من واجب النظام السوري الجديد قطع الطريق على إسرائيل المستعدّة للربط مع بعض الجهات العلوية والمساعدة في تحويل مشكلة هذه الجهات إلى قضيّة.لا يمكن تجاهل وجود آلاف الضباط والعسكريين العلويين في بيوتهم. ليس أسهل من لجوء إسرائيل في دعم هؤلاء في غياب استيعابهم بطريقة أو بأخرى. لا يمكن تحميل كلّ العلويين مسؤولية ارتكابات حافظ وبشّار الأسد وجعل المواطن العلوي، الذي عانى بدوره من ممارستهما، يدفع الثمن. من الضروري التذكير بأنّ حافظ الأسد، بعقله الجهنمي، أفقر عن سابق تصوّر المناطق العلوية كي بجبر أبناء هذه المناطق على الالتحاق بالجيش والأجهزة الأمنيّة التي كانت العمود الفقري لنظامه.لا شكّ أن هناك علويين من نوع ماهر الأسد ورامي خلف وكمال حسن، آخر مدير للمخابرات الجويّة، يتآمرون على سوريا ويحلمون باليوم الذي يصبح فيه العالم يتحدّث عن قضيّة علوية. لكن مما لا شك فيه أيضاً أن على النظام الجديد في سوريا واجبات تجاه كلّ مواطن سوري بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو قوميته. لن يكون الغطاء الأميركي والتركي وحتّى العربي كافياً في المدى الطويل من أجل حماية سوريا من المخاطر التي تتهدّدها في الجنوب والساحل والمناطق التي يوجد فيها الأكراد. لا يحمي سوريا ووحدتها في نهاية المطاف غير المساواة بين المواطنين.يبقى أنّ العبارة الأهمّ التي تصلح شعاراً قابلاً للتحقيق في المرحلة المقبلة، هي عبارة تصالح سوريا مع نفسها. الإنجازات التي تحققت في الخارج مهمّة جدّاً، لكن لا قيمة لها في حال غياب التغيير الداخلي على كلّ صعيد. يشمل ذلك في طبيعة الحال تفادي قيام طبقة أو مجموعة متميزة على حساب مصالح الشعب السوري بكل فئاته بغض النظر عن الطائفة والمذهب والقوميّة. ذلك هو الامتحان الحقيقي أمام النظام السوري الجديد في ظلّ معطيات إقليميّة مختلفة جذريا عن الماضي القريب.

سالم النخيلان

كلّنا كاذبون؟
يعيش الإنسان حياته اللامثالية متطلعاً إلى المثالية، أو باحثاً عنها، أو تعيساً بصعوبة الوصول إليها. لا يدرك بعقلٍ أو قلبٍ أن المطلوب منه ليس المثالية، بل الرضا بالقصور وعدم الكمال ذاتهما.يصارع الإنسان نفسه في حربٍ شعواء، نهايتها الكآبة والهمّ والغمّ والحزن، لعدم استطاعته الوصول إلى تطلعاته اللامنطقية، مدّعياً المنطقية، جاعلاً إيّاها مراده للوصول إلى غاياته اللامتناهية. فيحاول خداع نفسه باختيار صداقاتٍ أقلّ منه موهبة، أو أكثر منه خيبة، أو بصناعة شماعاتٍ مجتمعية من القيود والعادات والروتين والمسؤوليات الحياتية والزوجية، لتبرير الخيبة. أو قد يلجأ إلى المجتمع الوهمي اللامثالي في عالم وسائل التواصل الاجتماعي الوهمي، لينظر إلى مدّعي الإنجاز، وبشيءٍ من الحسد الخفي، وبحثاً في المقارنات المؤدية إلى ما يراه، فيرتطم بالخذلان ويوقظه الواقع. فيغلق الهاتف ويلعن الواقع، وتثور في داخله براكين إرادة التمرّد على الحياة، فيلجأ إلى الدوران حول رحى الخيبة والخذلان والفشل.الظاهرة الاجتماعية قد لا يُجبر عليها الإنسان بقدر ما تُساق لها القِلّة، لتجدها الكثرة طريقاً لهم دون تفكيرٍ في ما إذا كان هذا الطريق يصلح لهم أم لا. وفي هذا قد تكون الظاهرة صالحة أو فاسدة أو مضرّة، لا يهمّ، بقدر ما تُتَّبع ثورة داخلية وقنبلة موقوتة تم ضبطها خفيةً وهماً، لتنفجر حقيقةً في العلن بادعاءات عقلانية.قد لا يعرف الإنسان من أشكال الكذب إلا تغيير الحقيقة قولاً، أو قول ما لم يحدث على أنه قد حدث. بينما مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، قد يكذب الإنسان بادعاء ما ليس فيه، والتخلّق والاتصاف بما ليس من صفاته، أو التفاعل شعورياً بما لا يحرّك مشاعره. وقد يظهر بصورةٍ مفبركة أو محسّنة ليكون على صورةٍ تُضاهى بالتفاعل المُلقى، فترضى نفسه الأمّارة بالسوء ليكون كما يريد، دون إصلاح واقعه الخَرِب. ما يجعل المشاهدين والمتفاعلين يظنّونه كما رأوه، وعند الاقتراب ينخدع فيه الفارغون، وقد يدرك العقلاء أنه لا كمال لبشر إلا بالنقصان، فيقبلونه على نقصه، ويقتربون منه تصالحاً ورضاً به وبعيبه. لكنه لا يرضى لنفسه القبول من الآخرين بالكمال والنقص، بل يبحث عن نفسه الكاذبة كما أراد لها، وكما أعلنها، وكما زُيّنت له وتزين لها. فيُبعد الصادقون عن دائرته ليبحث عمّن غُشيت أبصارهم وراء الشاشات، ظنّاً منه بقبولهم له بما فيه، فيلتم المنحوس على خائب الرجاء، فلو علموا منه نقصاً ما أطاقوه، ولو علم هو أنهم التفّوا عليه من فراغهم لما قبلهم.ملأت وسائل التواصل الاجتماعي حياتنا وهماً وكذباً اصطنعناه وألبسناه ونصّبناه في منصب الحقيقة والواقع، فكبر حجمه وتحكّم بنا كما أردنا له ورضينا بذلك. وألجمنا عقولنا الناقدة، وأرواحنا الطاهرة، وقلوبنا النقية بلجام الغفلة، وتدثّرنا بالهموم والكآبة والخيبة. ورضينا بأي قولٍ يدغدغ عواطفنا، ويحرّك مشاعرنا، ويوهم عقولنا. فدغدغنا مشاعر الآخرين، وحرّكنا عواطفهم، وأوهمناهم بما نريد أو نتمنى أن نكون. أو لعلّنا جرّبنا ما يثير التفاعل والإعجاب، فرضينا أن نكونه دون الارتطام بواقع أن ذلك كذب، قد يتجاوز بضرره كذب القول، متّبعين بوسائل التواصل الاجتماعي سنن من كان قبلنا شبراً بشبر، وذراعاً بذراع.الواعي هو من يعطي نفسه لحظاتٍ من الصمت ليسمع صوته الداخلي المتجرّد من المتابعين والفارغين في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أهواء نفسه المنتظرة لتقييمهم وإعجاباتهم، ليعرف من يكون وما دوره في الحياة. ويتعامل مع ضوابط الحياة ومسؤولياتها بذكاءٍ وإدارةٍ لواقعه، راضياً كلّ الرضا، مسلّماً تمام التسليم بعيوبه، ساعياً إلى إصلاحها، وإن لم تُصلَح. فكماله يكمن في عين نقصه، مدركاً أن أول واجباته في الحياة ليس الوصول إلى الكمال، وأن الطريق إليه هو الرضا بالنقص ومجاهدته، لا محو العيوب كلياً، تلك التي زيّنها لنا العالم الافتراضي، فأصبحت عيوبنا قيوداً لعقولنا عن معرفتها، وقلوبنا عن الرضا بها، فتثقل أرواحنا عن إدراك عالم الكمال بالرضا بعين النقص.

حسين علي الطرجم

رصيف
بعد سبع سنوات من المعاناة في شوارع مدينتنا، ما بين تطاير الحصى، وكثرة الحفر التي كدتُ أعتقد أنها لوحةٌ تراجيدية، ثبتت لتدخل في قائمة اليونيسكو، وبعد هذا الانتظار الطويل، أخيراً أغلق الفريج، ودخل العمال والمعدات كالفرسان، ليقتلعوه من أساسه، ويعيدوا إعماره.سبقهم منشورات التنبيه، بضرورة التعجيل بإخلاء الفريج من السيارات، لمباشرة الأعمال.واستجاب السكان لأوامر «الأشغال»، رغبة في سرعة الإنجاز والإصلاح.ويغلب المستأجرون في الفريج، فكثرة السيارات تسببت في ازدحام المواقف والطرق، وتساءلت... أين أركن سيارتي؟ تركت الأمر للحظ، فيومٌ قريبة وأيامٌ بعيدة.وسمعنا أصوات المعدات التي كدنا ننساها، ومع أصواتها دخل الفرح الفريج كأنه يومُ عيد، فانهالت الضيافةُ كغيمةٍ تهطل من ذاكرة الأجداد.وبدأت الأعمال، فأزيل الأسفلت من أساسه، وأصبح لزاماً عليَ ألا أمشي إلا على رصيف معبد، سهل الممشى، يوصلني إلى البيت.فما وجدت!فاضطررت للمشي وسط الشارع المكتظ بالسيارات، مع حذرٍ شديد في الصباح، خوفاً من المسرعين، وما إن دخلت الفريج حتى اضطررت للمشي على الرمل، وصولاً إلى البيت.واستمر الحال حتى كدت أعتاد على الحال، وإذ هاهم العمال يسكبون البيتومين وفاحت رائحته في الأرجاء حتى اخترق الجدران، وهذا كله تمهيد ليوم الفرش العظيم.وتعقد الأمر، فالرصيف مسدود، والشارع غارق بالبيتومين، فكيف الوصول؟ فكرت وتفكرت، واقتنعت أنه لا وسيلة للوصول إلا بالعبور، فمضيتُ أقطع الطريق، متحملاً مشقة السير، وتلف الحذاء، فواصلت حتى وصلت، وتطلعت من حولي وتأملت، وقلت هل فعلاً كل مدننا بلا رصيف؟ هو موجود... لكنه ليس للمشي!

د. منى عبدالمحسن الشمري

أوضاع التمريض بين حانا ومانا
لم يعد خافياً علينا أن مهنة التمريض في الكويت تعاني اليوم من غياب الدعم الحقيقي رغم أنها تمثل العمود الفقري لأي نظام صحي متكامل. ذلك «الترند» الذي رافق الجائحة ورفع من مكانة المهنة بشكل غير مسبوق، بدأ يتلاشى تدريجياً، وكأن الأزمة انتهت فانتهى معها الاهتمام والعرفان. ومع الأسف، ما كان يُتوقع أن يتحول إلى نقطة انطلاق نحو تعزيز المهنة وتطويرها، عاد ليتلاشى وسط روتين الإهمال المزمن. نعم هناك إقبال كبير على دراسة التمريض والانخراط فيها إلا أن الاهتمام بتطويرها علمياً وعملياً ليس بكاف.الأدهى من ذلك أن الرؤية، بكل ما حملته من طموحات مستقبلية، لم تُشر إلى مهنة التمريض إلا في أسطر معدودة، رغم أن تطوير منظومة صحية عصرية لا يمكن أن يتحقق دون تمكين التمريض وتطوير كوادره المهنية والأكاديمية.ولم يقف الأمر عند غياب الدعم المؤسسي، بل شهدنا خلال السنوات الأخيرة تسابقاً محموماً من جهات ليست من أهل المهنة لمحاولة تبني التمريض، سواء في التعليم أو في الممارسات العملية وعلى أرض الواقع، ما أدى إلى تقديم صورة سطحية وشاملة في الوقت نفسه، تخلو من الفهم الحقيقي لخصوصية وتحدّيات المهنة. وفي المقابل، ازدادت هيمنة المهن الطبية على التمريض، وكأننا عدنا إلى المعادلة القديمة التي تضع التمريض في المرتبة الثانية، رغم أن العالم تجاوز هذه النظرة منذ عقود.كثيرون من أبناء المهنة ظنّوا، ولو لوهلة، أن التمريض في الكويت «غدا شره»، وأنه مقبل على مرحلة نهضة وتنافس حقيقي مع بقية المهن الصحية المساندة. لكننا وجدنا أنفسنا نعود إلى نقطة الصفر، نصعد الجبل بشغف وإصرار، ثم نسقط مرة أخرى، لنعاود المحاولة. ولسنا هنا لنُحبط أبناءنا وزملاءنا الذين يحملون راية المهنة بكل فخر، بل لنقول الحقيقة كما هي:إن التجاهل المستمر لأهمية التمريض، بدأ ينعكس سلباً على الحلم الذي لطالما سعينا إليه... حلم الارتقاء بالمهنة ووضعها في موقعها المستحق.هكذا وجد التمريض نفسه «ضاع بين حانا ومانا»؛ بين جهات تتسابق لتبنّيه إعلامياً دون معرفة حقيقية بطبيعة المهنة، وبين من يهمّشون دوره عند التخطيط ووضع الرؤى المستقبلية. لقد ضاع بين «حانا ومانا»، وضاعت معه آمالنا التي تعبنا على بنائها.ومع ذلك، سنظل نحاول، وبقوة أكبر، أن نرفع راية التمريض عالياً، مهما كانت الرياح معاكسة.

د. وليد التنيب

تزوير بتزوير!
يبدو أن قضية الشهادات المزورة لم تختف والقضاء عليها بحاجة لتضافر الجهود الدولية، فالشهادات الجامعية المزورة قضية عالمية وتعاني منها غالبية الدول...السلطات الهندية أعلنت بشكل واضح أن ملاحقتها المستمرة من مدة ليست بالقصيرة أثمرت إلقاء القبض على شبكة تعمل بالهند مهمتها تزوير الشهادات الجامعية بجميع درجاتها وأنها اكتشفت أن غالبية الشهادات المزورة هي شهادات المجال الطبي سواءً كانت بالطب أو بالطب المساعد كالتمريض أو فنيي الأشعة أو المختبرات، ثم يأتي بعدها شهادات الهندسة بجميع فروعها ويأتي بعدها شهادات إدارة الأعمال، والمثير حقاً أنه حتى علم الذكاء الاصطناعي لم يسلم من التزوير...وأوضحت الهند أن عدد الشهادات المزورة التي استطاعت اكتشافها قد تجاوز المليون شهادة...!ما شجع على هذا التزوير هو وجود طلب عال جداً على التخصصات الطبية بدول عدة، من ضمنها دول الخليج، مما جعل دول الخليج إحدى الوجهات الأساسية للمزورين، ولم تكن دول الخليج هي الضحية الوحيدة للشهادات المزورة فقط عانت الدول الأوروبية وكندا أيضاً...إن طرح اسم الهند كمصدر للشهادات المزورة لا يعني أبداً أنها الدولة الوحيدة التي صدرت شهادات مزورة للخليج، فالحقائق تثبت أن العديد من الدول ذات الكثافة السكانية العالية قد كشفت عن شبكات شاركت بتزوير الشهادات الجامعية...إن القضاء على الشهادات الوهمية والمزورة بدأ يؤتي ثماره عالمياً بوجود مؤسسات معتمدة مهمتها التحقق من مصداقية الشهادة، لكن ما لا يمكن التحقق منه حتى اليوم هو... هل حضر من يمتلك الشهادة للمحاضرات أم أرسل شخصاً غيره، وهل دخل من يمتلك هذه الشهادة الامتحانات أم أرسل شخصاً غيره...؟!