د. عيسى محمد العميري

نكافح مرض العصر ونحيا
يكاد لا يخلو بيت من فقد عزيز له بسبب مرض العصر. مرض السرطان كفانا الله وإياكم هذا المرض... حيث يُعدُّ من أخطر الأمراض التي تواجه البشرية في العصر الحديث، لما له من تأثيرات صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية واسعة. فالسرطان ليس مرضاً واحداً، بل مجموعة من الأمراض التي تتسم بالنمو غير الطبيعي للخلايا وانقسامها بشكل غير منضبط، ما يؤدي إلى تكوين أورام قد تكون حميدة أو خبيثة، وقد تنتشر الخلايا السرطانية إلى أجزاء أخرى من الجسم في ما يُعرف بالانتقال أو النقائل. كما وتكمن خطورة مرض السرطان في صعوبة اكتشافه في مراحله المبكرة في بعض الأحيان، إضافة إلى سرعة تطوره وتأثيره المباشر على وظائف الأعضاء الحيوية.وتشير الدراسات الطبية إلى أن فرص الشفاء ترتفع بشكل كبير عند الاكتشاف المبكر وبدء العلاج في الوقت المناسب، ما يجعل التوعية والفحص الدوري من أهم وسائل الحد من مخاطره. وتتعدد مسببات السرطان، وتشمل عوامل وراثية وبيئية وسلوكية. ومن أبرز هذه المسببات التعرّض للمواد الكيميائية المسرطنة، والتلوث البيئي، والإشعاعات الضارة، إضافة إلى بعض الفيروسات والبكتيريا. كما تلعب أنماط الحياة غير الصحية دوراً رئيسياً في زيادة خطر الإصابة، مثل التدخين الذي يُعد السبب الأول لسرطان الرئة وعدد من أنواع السرطان الأخرى، وكذلك الإفراط في تناول الأطعمة غير الصحية، وقلة النشاط البدني، والسمنة.وبالإضافة لذلك فإن الدراسات الطبية المعتمدة تؤكد أن الوقاية من السرطان ممكنة إلى حد كبير من خلال تبني نمط حياة صحي. وتشمل التوصيات الأساسية الامتناع التام عن التدخين ومشتقاته، والحد من استهلاك الكحول، واتباع نظام غذائي متوازن غني بالخضراوات والفواكه، وممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على وزن صحي. كما يُنصح بتقليل التوتر النفسي، لما له من تأثير سلبي على جهاز المناعة، وإجراء الفحوصات الدورية للكشف المبكر عن السرطان. كما أنه ومن الممارسات السيئة التي تسهم في زيادة احتمالية الإصابة بالسرطان: التدخين بكل أشكاله، والتعرض المستمر للضغط النفسي دون إدارة صحيحة للتوتر، وقلة الحركة والكسل البدني، والسهر المفرط، وإهمال الفحوصات الطبية الدورية. كما أن تجاهل الأعراض المبكرة وعدم استشارة الطبيب في الوقت المناسب قد يؤدي إلى تفاقم المرض.وفي إطار مكافحة السرطان، تولي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اهتماماً بالغاً بهذا الملف الصحي المهم، من خلال التعاون والتنسيق المشترك بين وزارات الصحة والمراكز الطبية المتخصصة، وتبادل الخبرات والبيانات، وإطلاق برامج وطنية وإقليمية للتوعية والكشف المبكر. وقد أسهم هذا التعاون في رفع مستوى الخدمات الصحية وتحسين نتائج العلاج.ومن جانب آخر، فإنه تجدر الإشارة إلى أن دول الخليج العربي بذلت جهوداً كبيرة في توفير أفضل وأحدث الأجهزة الطبية المتطورة لعلاج السرطان، إلى جانب توفير أحدث الأدوية المعتمدة عالمياً، واستقطاب نخبة من أفضل الأطباء والاستشاريين المتخصصين في علاج الأورام. وقد انعكس ذلك إيجاباً على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى، وزيادة نسب الشفاء وتحسين جودة الحياة.وفي الختام، تبقى مكافحة السرطان مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات الصحية، مع تعزيز الوعي، والالتزام بأساليب الوقاية، ودعم البحث العلمي، بما يسهم في الحد من انتشار هذا المرض الخطير وحماية صحة الإنسان. والله خير الحافظين[email protected]

د. أريج السنان

الإسلام والعالمية
في أحد المتاجر في فرنسا، كانت امرأة مسلمة ترتدي النقاب تتسوق بهدوء، تختار ما تحتاجه دون أن تلتفت لأحد. عند وصولها إلى الصندوق، كانت خلفها امرأة من أصول عربية تنظر إليها بازدراء وتضرب السلع على الطاولة بعصبية.لكن الأخت المنتقبة لم تحرك ساكناً، وظلّت هادئة جداً، مما زاد غضب تلك المرأة. فقالت مستفزة: «لدينا في فرنسا مشاكل وأزمات عدة، ونقابك هذا أحدها. نحن هنا للتجارة، وليس لعرض الدين أو التاريخ. فإذا أردتِ ممارسة الدين فافعليه في وطنك!».توقفت الأخت المنتقبة عن وضع السلع في الحقيبة، ثم كشفت النقاب عن وجهها. وإذ بها شقراء زرقاء العينين، تقول: «أنا فرنسية أباً عن جد، هذا إسلامي وهذا وطني».هذا الموقف، سواء كان واقعياً أم خيالياً، يوضح خطأ النظرة التي تعتبر الإسلام ديناً محصوراً في العرب.الإسلام نزل باللغة العربية لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان عربياً، لكن رسالته شاملة لكل البشر، فلا يقتصر فهمه أو تطبيقه على العرب فقط. كما قال الله تعالى: «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً»، وخاطب الناس بصيغة عامة: «يا أيها الناس»، ليؤكد أن الرسالة تصل لكل إنسان بغض النظر عن لونه أو لغته أو نسبه.تجلت عالمية الإسلام في مبادئه التي تقوم على العدل والمساواة والرحمة، إذ جعل التفاضل بين البشر على أساس التقوى والعمل الصالح لا على العِرق أو الثروة. قال تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». وانتشر الإسلام في أرجاء الأرض بالدعوة الصادقة والأخلاق الحسنة، فدخل فيه الناس من شعوب وقارات متعددة، وأصبح المسلمون اليوم من كل لون ولسان.مما يمكن استخلاصه من القصة هو قيمة الهدوء والحكمة في مواجهة الاستفزاز، واحترام الاختلافات دون عنف أو تهجم. الاستماع قبل الحكم، التحكم في الانفعال، والتفكير في اختلاف الخلفيات الثقافية والدينية، كلها مفاتيح تجعل التعامل أكثر فعالية ويحوّل المواقف المتوترة إلى فرص للتعلم ونشر التسامح.الإسلام دين عالمي لا تحده أرض ولا لغة، ولا تحجبه حدود أو أعراق، يحمل في تعاليمه الرحمة والعدل، ويجمع القلوب على كلمة الحق والخير.فلنتعلم أن نحكم على الناس بأفعالهم وأخلاقهم، لا بمظاهرهم أو أصولهم.aaalsenan @

سلطان ابراهيم الخلف

حرب إعلامية صهيونية مضادة بالمنصّات
كعادة الصهاينة، يستغلون الإعلام للتغطية على جرائمهم، فمن خلاله يقلبون الحقائق رأساً على عقب، ويجعلون من أنفسهم الضحيّة، مع أنهم هم المجرمون، والمعتدون، وغيرهم الضحية الحقيقيون، كالفلسطينيين الذين يعانون من احتلالهم على مدى سبعة عقود.حاول الصهاينة جعل عملية طوفان الأقصى اعتداءً عليهم، منذ زيارة الرئيس الأميركي السابق بايدن، والزعماء الأوروبيين للإرهابي نتنياهو، بعد أيام من العملية، حيث استغلوها كمناسبة تعزيّة، يتباكون فيها، وينشرون من خلالها الأكاذيب، اتهموا الفلسطينيين المهاجمين بأنهم اغتصبوا النساء، وقطعوا رؤوس الأطفال، وقتلوا 1200 صهيوني، بينما الحقيقة تقول بأن الغالبية منهم سقطوا قتلى بذخائر ثقيلة، من طائرات الأباتشي التي استخدمت في مواجهة المهاجمين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى منازل الصهاينة لمقاومة الجيش الصهيوني.ثم إن شبكات الصهاينة تحدثت فيما بعد عن هذه الحقيقة، وحمّلت الجيش الصهيوني المسؤولية، كما تم نفي تعرّض النساء للاغتصاب، أو قطع رؤوس الأطفال. وكل ما في الأمر أن الحملة الإعلامية تتطلّب الكذب، لتكون نواة للتداول الإعلامي، في تشويه صورة المقاومين الفلسطينيين. ومع ذلك لم تفلح تلك الحملة، فقد شاهد العالم مدى الوحشية التي ارتكبها جيش الصهاينة في غزة من جرائم قتل عشوائي سقط ما يقارب 200 ألف بين قتيل وجريح، ومن تدمير كامل لمعالم المدينة، لتتحول غزة إلى ركام، يعيش فيها 2.3 مليون فلسطيني بلا مأوى، وبلا عناية إنسانية.لا يخفى أن منصات التواصل الاجتماعي لعبت دوراً كبيراً في إفشال الحملة الصهيونية الإعلامية الكاذبة، حيث فضحت الجرائم الصهيونية في غزة، بالصوت والصورة، وتخطت القيود التي كانت تمارسها وسائل الإعلام الرئيسية في أميركا وأوروبا، التي تفرض التعتيم على الجرائم، وتدعم حرب الإبادة على غزة. ولعل منصة «التك توك» الصينية هي من أبرز تلك المنصات التي لعبت دوراً في فضح جرائم الصهاينة، حيث بلغ عدد المتابعين لها 180 مليون أميركي غالبيتهم من الشباب تحت سن الأربعين، ممن يطالب بقطع المساعدات عن الكيان الصهيوني، وفرض عقوبات عليه، ووقف حرب الإبادة على الفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة لهم، الأمر الذي أثار الهلع لدى الصهاينة، وهو ما دعا الإرهابي نتنياهو إلى التصريح بهزيمة كيانه إعلامياً، وأنه حان الوقت لتبني منصات التواصل الاجتماعي، كأداة حرب بديلة، وطالب بالاستحواذ على منصة «تك توك»، حيث استجاب له الرئيس ترامب، وبادر بإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الصيني، فتم قبول صفقة الشراء، مع مجموعة من المليارديرات الداعمين للكيان الصهيوني، وعلى رأسهم اليهودي الصهيوني لاري إليسن، المالك والمدير التنفيذي لمؤسسة «أوراكل» Oracle المتخصصة في البرمجة، والتي تعمل في إدارة البيانات السريّة للحكومة الأميركية، مما يتيح لـ«أوراكل» التجسس على بيانات المواطنين الأميركيين المعارضين للكيان الصهيوني من خلال منصة «تك توك»، وحجب انتقاداتهم، والسماح بالآراء المؤيدة للكيان الصهيوني وتبرير جرائمه في غزة. وهو ما يكذب ادعاءات الحكومة الأميركية من أن الاستحواذ على «تك توك» هو من أجل حماية الأمن القومي الأميركي.مع ذلك، فإن الاستحواذ على «تك توك» لن يجدي نفعاً الكيان الصهيوني، بعد أن استقر في وعي الأميركيين والأوروبيين وشعوب العالم أن الكيان الصهيوني فاقد للمصداقية، وأنه مصدر الإرهاب، وعدو السلام والإنسانية.

عبدالعزيز الفضلي

ماذا يصنع أعدائي بي؟
يذكر (ابن القيم) أن شيخه (الإمام ابن تيمية) قال له مرّة: «ماذا يصنع أعدائي بي؟ أنا جنّتي وبُستاني في صدري، أينما ذهبت فهي معي لا تفارقني، إنّ حبسي خَلْوَة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة».إنّ المسلم الذي يكون الله تعالى غايته والرسول قدوته والآخرة همّة، تختلف حساباته عن حسابات من كان الدينار والدرهم هدفه، وأهل الشهوات قدوته، والدنيا أكبر همّه!خرج الصحابي (حرام بن ملحان) في سرية تغزو في سبيل الله فغدر بهم العدو ورماه أحدهم برمحٍ فأصابه إصابة قاتلة، فصاح بأعلى صوته (فُزت وربّ الكعبة)!قال هذا لأنه يُدرك بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وأن ثمن التضحية بالروح هو جنة عرضها السماوات والأرض.لذلك، لا نستغرب تلك الروح الفدائية التي رأيناها لدى المقاتلين في غزة وهم يواجهون أعتى جيوش العالم.أصاب الناس في زمن عمر بن الخطاب، مجاعة (عام الرمادة) ثم أتت قافلة إلى المدينة تعدادها مئة ناقة محمّلة بالطعام وهي لعثمان بن عثمان، فأراد تجار المدينة شراءها بضعف قيمتها إلى ثلاثة أضعاف، إلا أن (عثمان بن عفان) تبرع بها كلها لفقراء المسلمين وقال: إن الله يعطي الحسنة بعشرة أمثالها.عندما يتبرع الإنسان بشيء من ماله في سبيل الله، ففي حسابات أهل الدنيا أن ماله ينقص، لكن النبي عليه الصلاة والسلام يبين العكس فيقول: (ما نقص مالٌ مِن صدقة).عندما يملك الإنسان الفلسطيني شجاعة قول الحق فيقولها وقد يكون الثمن حياته، ففي حسابات الناس أن هذا جنون أو تهور، بينما النبي صلى الله وعليه وسلم، يقول: (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائرٍ فأمره ونهاه فقتله).لعل كثيراً من الناس يعتبون على أهل غزة مواجهتهم للعدو الصهيوني، ولو أنهم خضعوا واستسلموا للكيان الصهيوني لكان ذلك أفضل!لكننا نذكّر المعاتبين أن الله تعالى أثنى على المؤمنين الذين قُتلوا حرقاً في قصة (أصحاب الأخدود) لأنهم لم يتنازلوا عن إيمانهم مقابل السلامة، وقال عن ذلك الموقف (ذلك الفوز الكبير).لذلك يسير المؤمن في طريقه نحو الله تعالى بحسابات تختلف كلّيا عن حسابات أهل الدنيا، لأنه يدرك أن الدنيا مَمَر والآخرة هي المُسْتَقر.X: @abdulaziz2002

كمال الخرس

الدور التربوي المهم للأخصائي الاجتماعي
كثيراً ما يكون الحديث حول المُعلّمين والمُعلمات وأهميتهم وأهمية دعمهم مادياً ومعنوياً للارتقاء بالتربية والتعليم في المدارس الخاصة بشكل عام وبالمدارس العامة بشكل خاص.لكن هناك ذكر أقل للدور المهم والحيوي الذي يقوم به الأخصائيون الاجتماعيون، وقليلاً ما يتم الاستماع إلى أصواتهم واحتياجاتهم وربما مطالبهم، على الرغم من دورهم الكبير في النظام التربوي والتعليمي.فالأخصائي الاجتماعي هو حلقة الوصل بين جميع أطراف العملية التعليمية والإدارية في المدرسة، وهو حلقة الوصل بين الإدارة والطلبة وحلقة الوصل بين أولياء الأمور وإدارة المدرسة، وحلقة الوصل بين أولياء الأمور والمدرسين وأحياناً حلقة وصل بين المدرسين والإدارة.لذلك، فإن أيّ قصور في دور الأخصائي الاجتماعي ينعكس سلباً على العملية التربوية في المدارس وينعكس سلباً وبشكل مباشر على التلاميذ الصغار والطلبة الكبار في ما يحتاجون له من دور الأخصائي الاجتماعي.فمن المعوقات التي تعترض الأخصائي أحياناً حين يتم تكليفه بمهام ليست من طبيعة عمله، أو ضعف التركيز عليه بالمهام التي هي من صلب عمله.إنّ أي اختلال في دور الأخصائي الاجتماعي ينعكس مباشرة على أدائهم بالشكل الذي ينعكس سلباً وبدرجة أولى على التلاميذ الذين هم المستهدف المباشر من العملية التربوية والتعليمية.إنّ كل المتعلقين في الدائرة التربوية والتعليمية يحتاجون إلى الأخصائيين الاجتماعيين، وأن الأخصائيين الاجتماعيين يحتاجون الدعمين المادي والمعنوي، للقيام بمهامهم الكبيرة في المدرسة.فمن ضمن مهامهم للفرد، دعم الطلبة المتعثرين والتعامل مع الحالات السلوكية، ومن أعاد السنة أكثر من مرة، وحالات الغياب المتكرّر لبعض الطلبة وما يرتبط منها من ظروف، والحالات الصحية الخاصة. والأخصائي يتعامل مع مئات الطلبة وبينهم حالات كثيرة تعاني من مشاكل أو ظروف اجتماعية صعبة أو معقدة قد تعيق توجه وأداء الطالب التعليمي، ليقوم الأخصائي بدراستها وإيجاد الحلول لها.هناك تلاميذ لديهم مشاكل اجتماعية، فهذا تلميذ يتيم الأب وآخر فاقد لأمه، وغيرهما لطيم فاقد الأبوين، وهناك حالات يواجهها الأخصائي لتلاميذ برب أسرة واحد بسبب حالات الانفصال والطلاق المتزايدة للأسف في المجتمع. هذه حالات كثيرة يواجهها الأخصائي الاجتماعي مع عدم إغفال الدور المهم للأخصائيين النفسيين الذين يستحقون أن تفرد لهم ولدورهم أسطر خاصة في المستقبل.كذلك من التحديات التي يواجهها الأخصائيون الاجتماعيون، أن بعض المعلمين قليلي الخبرة قد يتعاملون مع التلاميذ بغير الأساليب التربوية، وذلك يعقد بشكل كبير عمل الأخصائي، وينعكس بشكل سلبي على أداء التلميذ، خصوصاً إذا كان لديه ظروف خاصة.كذلك من مهام الأخصائيين الاجتماعيين خدمة الجماعة، وذلك عبر عمل جماعات لأنشطة تربوية مختلفة، كإنشاء جماعة لمحاربة الممارسات الضارة والخطيرة كتدخين السجائر أو المواد الخطرة، وكذلك إنشاء جماعات تفيد الطلبة والتلاميذ، وهناك خدمة المجتمع والأنشطة المختلفة التي يساعد في تنظيمها الأخصائي، لكن ما يكبل أداء الأخصائي لهذه الأنشطة هو عدم توافر ميزانية مناسبة لتمويل هذه الأنشطة الجماعية والفردية وأنشطة خدمة المجتمع.هناك نقطة تستحق الإشارة إليها أيضاً، وهي أن نسبة الذكور قليلة في هذه الوظيفة مقابل نسبة الإناث من المواطنين، ويبدو من ذلك أن هذه الوظيفة قد لا تحقق للذكور طموحهم في الوظيفة، أو أنهم لا يرون أن المقابل المادي والإداري والمعنوي يستحق الجهد المبذول فيها، وهي نقطة تستحق المتابعة من قبل المهتمين فيها.بناءً على كل ذلك، فلا بأس في إعادة النظر في الحوافز المادية والمعنوية وحتى الإدارية لهذه الوظيفة المهمة في مؤسسة المدرسة، ولا بأس في النظر مرة أخرى بكل اهتمام لهم ولدورهم التربوي في المدرسة، فشهاداتهم جامعية كنظرائهم من المدرسين، وساعات التواجد في المدرسة واحدة، والمجهود الذي يقومون فيه مهم ودورهم حيوي، كل ذلك يتطلب سماع أصواتهم واقتراحاتهم وتوفير أكبر قدر من الدعم لهم ولدورهم سواء كان الأخصائي مواطناً أو وافداً.

محمد ناصر العطوان

مانيفستو الأبوة!
هناك أناس عظماء تترك لأبنائها ميراثاً من الأموال يتنازعون عليها، وأناس عاديون يتركون لأبنائهم ميراثاً من القصص والمعاني يعيشون بها.كان عبدالمحسن فرج المرقاف، ابن الثانية والأربعين... يحمل في جيبه قائمةً بالعظماء الذين قابلهم في حياته، وشعر بأنهم يشبهونه وأنه يشبههم.في الصباح، ينظر في المرآة ويرى آثار عنجهيتهم على وجهه... في العمل، كان يصافح زملاءه بحزم مفرط، كمن يسلمهم وثيقةً تثبت تفرده، حتى في طريقة وقفته وشرحه وشربه للقهوة، كان يضع يده على خصره وكأنه ينحني أمام جمهورٍ غير مرئي.ولكن في الواقع كان كل من حوله يراه شخصاً عادياً... زوجته كانت تراه عادياً، ودائماً ما تردد على مسامعه «لا يوجد فيك شيء مميز سوى وجودي في حياتك»، وتطلب منه شراء الخبز في طريق عودته... أصدقاؤه كانوا ينسون مواعيد لقاءاته... مديره في العمل كان يراه «مدمن على العمل» ليس أكثر!... البائع في الدكان كان يناوله الفكة دون أن يرفع عينيه.لكن عندما يعود إلى البيت، يحدث التحول العجيب.كانت طفلته الصغيرة تمسك بقلم رصاص وتكتب على الحائط: «هنا يعيش أعظم رجل في العالم»... وكان ابنه يخبر أصدقاءه أن والده يستطيع لمس القمر إذا ما قفز من كرسي المطبخ.في إحدى الليالي، بينما كان يروي لأطفاله قصة قبل النوم، قال لهم:«إذا لعنتم الدنيا لمجيئكم إليها ذات يوم ولم أكن بجانبكم يومها، اعلموا أن لديكم قصة، لأن الناس لا يتركون وراءهم غير القصص».لم يكن يعلم أنه يصف نفسه.ففي صباح اليوم التالي، بينما كان يسير إلى العمل كأي يوم عادي، رأى طفلته قد رسمت صورته على زجاج النافذة المتسخ... كانت الصورة مشوهة، الأنف كبير جداً، والعينان غير متساويتين، لكن تحت الرسم كتبت: «أبي يملك العالم في جيبه الخلفي».في تلك اللحظة، أدرك أن عظمته الحقيقية لم تكن في المرآة التي ينظر فيها كل صباح، ولا في قائمة العظماء في جيبه. بل كانت في عيون صغيرة ترى العالم من خلاله، وتعيد رسمه كل يوم بقلم رصاص على حائط غرفة نوم أو زجاج نافذة.لقد فهم أخيراً ما قالته الروائية التركية اجة تمل فوران، لابنتها في رواية أصوات الموز:«ليس لدي غير قصة أستطيع تقديمها لك، إذا لعنت الدنيا لمجيئك إليها ذات يوم ولم أكن بجانبك يومها، اعلمي أن لديك قصة، لأن الناس لا يتركون وراءهم غير القصص، تعلمت هذا لكثرة ما رأيت موت أناس رائعين مهما فعلنا لن نترك وراءنا غير قصة، حين نرويها تبدو كذبة كأنها لم تقع أبداً».الناس لا يتركون وراءهم سوى القصص والمعاني... وقصته ستبقى محفورة على زجاج نافذة طفلته، حتى بعد أن يمحو المطر أثره من على الأرض. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لم يُراد به وجه الله يضمحل!

م. أحمد عبدالهادي السدحان

تحرير الرياضة!
بعد خروج منتخب الكويت من كأس العرب في قطر وما حصل من أداء جيد في أول مباراتين وخسارته في آخر مباراتين والإحباط الذي أصاب الجماهير الكروية، فإن ذلك يتطلب وقفة حازمة لإصلاح هذا التراجع، والتعامل بعمق مع جذور المشكلة! وليس بشكل سطحي أو عاطفي.لذا، فإنه لا وقت للمجاملات وأصبحت الحاجة مُلحّة لتحرير الرياضة -إن جاز التعبير- من القيود التي تُكبِّل تطورها، وخصوصاً كرة القدم فالمواهب موجودة والحماس حاضر، لكن الواقع لايزال محاصَراً بروتينٍ إداري، وبِنية تحتية لا تواكب طموح اللاعبين ولا الجماهير.لذلك، فإن الإصرار على هذه العقلية يعني ببساطة إضاعة فرص جديدة وبطولات متعاقبة وترك مستقبل الكرة الكويتية رهين قيودٍ تجاوزها العالم منذ سنوات. واليوم، بات التحرر -كما ذكرت- من هذه المعوقات ضرورة قصوى لعودة الرياضة الكويتية إلى مكانتها التي تستحقها وإطلاق مرحلة نوعية من التغيير.وأنا قلت مراراً وتكراراً: يجب أن تكون الحركة الرياضية مشروع دولة، وعمل التشريعات المطلوبة ومتابعة هموم اللاعبين وتطوير الإستراتيجية الرياضية بالأساسات القوية للبدء بها، ومنها التمويل وليس فقط من ميزانية الدولة مثل الهيئة العامة للاستثمار، على أن تتعامل مع الأندية كأنها نموذج ربحي، والقطاع النفطي أيضاً يساند في هذا الأمر، وتخصيص الأندية وتحويلها إلى نماذج تجارية ومشاريع استثمارية لتسخير هذا المال الناتج عن الدورة الاقتصادية الصحيحة لتطوير الألعاب المختلفة، والدوري ونظام الاحتراف وعمل الفعاليات لتواكب الأندية العالمية وطريقة عملها الإداري والمالي والتشغيلي.وكذلك للتعاون مع القطاع الخاص العالمي والمحلي المتخصص في المجال الرياضي من ناحية البناء والإنشاءات والاستثمار، مثل نظام (بي أو تي) وهو التشييد والتشغيل وتحويل الملكية للدولة وتغيير مواقع بعض الأندية الحالية إلى أماكن أكبر بعيداً عن الزحمة والكثافة السكانية! وكذلك الاستفادة من خبرات الدول الأخرى مثل قطر وتنظيمها للمونديال والسعودية وتطويرها للدوري والاستعانة بمستشارين متخصصين في الإدارة الرياضية وأصحاب الخبرات في المحافل الدولية.لذا، فإن النهضة الرياضية يجب أن تكون بعيدة عن التخبطات الإدارية وفوضى الصراعات على المناصب، وبدايتها من الحكومة باتخاذ الإجراءات في مواجهة التضخم الإداري بدمج الرياضة والشباب في هيئة واحدة مع الجهاز المتعلق بالمنشطات، والتغيير يكون بإدارة جديدة للهيئة بعد الدمج المطلوب، إن شاء الله، بقيادات متخصصة وليس المهم لاعب سابق بل شخص يحدث بإذن الله فارقاً لمصلحة الرياضة. والتأكيد على قرارات جريئة وخطة مدروسة وأن يخرج من دائرة الكلام إلى التنفيذ الفعلي. والخلاصة، وفيما يتعلق بإصلاح المنتخب فإنه يبدأ بمدرب محترف بصلاحيات وتكوين قاعدة لاعبين موهوبين ورفع اللياقة البدنية والانضباط وتحسين الدوري واختيار اللاعبين بالأداء المتميز فقط، مع خوض مباريات قوية محلية ودولية لصقل الخبرة مع الإستراتيجية الرياضية كما ذكرت أعلاه. والله عزوجل المعين في كل الأحوال.X @Alsadhankw

كامل عبدالله الحرمي

الأسواق النفطية بين وفرة المعروض وضبابية الأسعار
تشهد الأسواق النفطية العالمية حالة واضحة من التخمة، إذ تتدفق كميات ضخمة من النفط تفوق مستويات الطلب الفعلي، الأمر الذي يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الأسعار: هل يمكن أن يتراجع سعر برميل النفط إلى مستوى 55 دولاراً؟ إذ يبلغ إجمالي الإنتاج النفطي العالمي اليوم أكثر من 106 ملايين برميل يومياً، وهي كميات وفيرة تفوق الطلب العالمي الحالي، المقدر بنحو 104 ملايين برميل يومياً، ما يعني وجود فائض يقارب مليوني برميل يومياً في الأسواق العالمية.وقد انعكس هذا الفائض بشكل مباشر على الأسعار، حيث تراجع سعر خام غرب تكساس الأميركي إلى نحو 57 دولاراً للبرميل، في حين يسجل خام برنت العالمي قرابة 61 دولاراً للبرميل في الوقت الراهن. وتزداد المخاوف من استمرار هذا النطاق السعري حتى نهاية العام المقبل، ما لم تتدخل منظمة أوبك لضبط مستويات الإنتاج وإعادة قدر من الاستقرار إلى الأسواق النفطية.غير أن المنظمة قد ترى أن التدخل المتكرر لم يعد مجدياً، سواء عبر الخفض التقليدي للإنتاج أو من خلال إعادة توزيع الحصص بين أعضائها، في ظل تكرار السيناريو ذاته كل ستة أشهر أو أكثر خلال العام الواحد. ومن دون عقد اجتماع استثنائي واتخاذ قرارات حاسمة، قد تواصل أسعار النفط مسارها التراجعي.ويبرز احتمال آخر مفاده أن منظمة أوبك قد سئمت من تكرار خفض الإنتاج، في الوقت الذي تستفيد فيه الدول المنتجة الأخرى من هذه التخفيضات، دون أن تتحمل كلفتها. وربما ترغب المنظمة في اختبار مدى الانخفاض السعري القادر على تحفيز ارتفاع فوري في الأسعار، ولو كان موقتاً، كما حدث في مرات سابقة. إلا أن هذا الارتفاع غالباً ما لا يدوم طويلًا، لتُعاد الدورة ذاتها من جديد، الأمر الذي يفتح الباب أمام التساؤل: هل هناك سيناريو بديل؟ وتزداد تعقيدات المشهد حين تنظر أوبك إلى المنتجين من خارجها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، التي يبلغ إنتاجها نحو 13.5 مليون برميل يومياً، ولاتزال تواصل التوسع بوتيرة متسارعة.ويأمل المنتج الأميركي في تدخل سريع من أوبك لتصحيح الأسعار وتنظيم الإنتاج، بما يضمن له تحقيق المكاسب الأكبر مع نهاية العام، بعد تغطية تكاليف البحث والتنقيب والإنتاج، وتوزيع المكافآت على العاملين، والأرباح على المساهمين.في المقابل، تجد دول (أوبك+) نفسها مضطرة إلى اللجوء للبنوك، غالباً الأميركية، لسد العجز في ميزانياتها السنوية، نتيجة عدم بلوغ السعر التعادلي المطلوب، وضعف الأسعار الناجم عن التخمة في الأسواق النفطية، والتي يُعد تزايد الإنتاج الأميركي أحد أبرز أسبابها.وفي الوقت الذي تواصل فيه دول أوبك زيادة استثماراتها في الحقول النفطية عبر التوسع في عمليات الحفر والاكتشاف، تجد نفسها مضطرة في كل اجتماع تقريباً إلى خفض الإنتاج لمعالجة انخفاض الأسعار. غير أن هذه الجهود تُقابل بزيادات إنتاجية من دول أخرى، حيث يقترب الإنتاج النفطي البرازيلي من نحو 5.9 مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام المقبل، إضافة إلى الإمدادات الآتية من دول أميركا اللاتينية، مثل غيانا، التي يبلغ إنتاجها قرابة 1.5 مليون برميل يومياً.ويُتوقع أن يبلغ الطلب العالمي على النفط في العام المقبل نحو 104.5 مليون برميل يومياً. ومن بين الدول القليلة التي تمتلك طاقات فائضة حقيقية لتلبية هذا الطلب، تبرز كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بقدرة إضافية تتجاوز 500 ألف برميل يومياً لكل منهما.في المقابل، يتراوح إنتاج روسيا من النفط الخام بين 9 و10 ملايين برميل يومياً، ما يجعلها ثالث أكبر منتج عالمي بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ومع تراجع أثر العقوبات الأوروبية والأميركية على النفط والمشتقات الروسية، يُتوقع أن تواصل روسيا زيادة إنتاجها، لا سيما من المشتقات النفطية المكررة في مصافيها المشتركة داخل أوروبا، وهو ما قد يسهم في مزيد من الضغط على الأسعار العالمية.وليس من المستبعد، في ظل هذه المعطيات، أن يتراجع سعر النفط إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، وربما يصل إلى مستوى 55 دولاراً. وقد يؤدي هذا الانخفاض إلى حالة من «الهلع المفرح» لدى مستهلكي النفط والأسواق العالمية، ما سيجبر تحالف (أوبك+) على عقد اجتماع استثنائي عاجل، واتخاذ إجراءات الخفض المعتادة. غير أن السؤال الجوهري يبقى: ماذا بعد؟ ولماذا يتكرر هذا السيناريو على الدوام؟ هل هناك حل آخر غير ترك الأمور على حالها؟ وهل يمكن اختبار قدرة المنتجين على الصمود في سباق زيادة الإنتاج؟ وإلى متى يمكن أن يستمر ذلك؟ وهل تكفي سنة واحدة لتحديد الفائز والخاسر؟ وما الكلفة الحقيقية لإنتاج البرميل الواحد لدى كل دولة؟تُترك هذه الأسئلة مفتوحة أمام مالكي وصناع القرار في قطاع النفط. وقد لا يكون الجواب في خفض الإنتاج وحده، بل ربما في البحث عن بدائل إستراتيجية، سواء عبر تسريع التحول إلى مصادر طاقة أخرى، أو من خلال تطوير الصناعة النفطية ذاتها، عبر الاستثمار المكثف في المشتقات النفطية وتعظيم الاستفادة منها. ويبرز هنا خيار الدخول بقوة في صناعة البتروكيماويات المتقدمة، واستثمار اللقيم النفطي في تطوير هذه الصناعة بالشراكة مع شركات أجنبية متخصصة، بما يضمن استدامة العوائد وتقليل الاعتماد على تقلبات أسعار الخام.كاتب ومحلل نفطي مستقل[email protected]

مقالات

حسين علي الطرجم

رصيف
بعد سبع سنوات من المعاناة في شوارع مدينتنا، ما بين تطاير الحصى، وكثرة الحفر التي كدتُ أعتقد أنها لوحةٌ تراجيدية، ثبتت لتدخل في قائمة اليونيسكو، وبعد هذا الانتظار الطويل، أخيراً أغلق الفريج، ودخل العمال والمعدات كالفرسان، ليقتلعوه من أساسه، ويعيدوا إعماره.سبقهم منشورات التنبيه، بضرورة التعجيل بإخلاء الفريج من السيارات، لمباشرة الأعمال.واستجاب السكان لأوامر «الأشغال»، رغبة في سرعة الإنجاز والإصلاح.ويغلب المستأجرون في الفريج، فكثرة السيارات تسببت في ازدحام المواقف والطرق، وتساءلت... أين أركن سيارتي؟ تركت الأمر للحظ، فيومٌ قريبة وأيامٌ بعيدة.وسمعنا أصوات المعدات التي كدنا ننساها، ومع أصواتها دخل الفرح الفريج كأنه يومُ عيد، فانهالت الضيافةُ كغيمةٍ تهطل من ذاكرة الأجداد.وبدأت الأعمال، فأزيل الأسفلت من أساسه، وأصبح لزاماً عليَ ألا أمشي إلا على رصيف معبد، سهل الممشى، يوصلني إلى البيت.فما وجدت!فاضطررت للمشي وسط الشارع المكتظ بالسيارات، مع حذرٍ شديد في الصباح، خوفاً من المسرعين، وما إن دخلت الفريج حتى اضطررت للمشي على الرمل، وصولاً إلى البيت.واستمر الحال حتى كدت أعتاد على الحال، وإذ هاهم العمال يسكبون البيتومين وفاحت رائحته في الأرجاء حتى اخترق الجدران، وهذا كله تمهيد ليوم الفرش العظيم.وتعقد الأمر، فالرصيف مسدود، والشارع غارق بالبيتومين، فكيف الوصول؟ فكرت وتفكرت، واقتنعت أنه لا وسيلة للوصول إلا بالعبور، فمضيتُ أقطع الطريق، متحملاً مشقة السير، وتلف الحذاء، فواصلت حتى وصلت، وتطلعت من حولي وتأملت، وقلت هل فعلاً كل مدننا بلا رصيف؟ هو موجود... لكنه ليس للمشي!

د. منى عبدالمحسن الشمري

أوضاع التمريض بين حانا ومانا
لم يعد خافياً علينا أن مهنة التمريض في الكويت تعاني اليوم من غياب الدعم الحقيقي رغم أنها تمثل العمود الفقري لأي نظام صحي متكامل. ذلك «الترند» الذي رافق الجائحة ورفع من مكانة المهنة بشكل غير مسبوق، بدأ يتلاشى تدريجياً، وكأن الأزمة انتهت فانتهى معها الاهتمام والعرفان. ومع الأسف، ما كان يُتوقع أن يتحول إلى نقطة انطلاق نحو تعزيز المهنة وتطويرها، عاد ليتلاشى وسط روتين الإهمال المزمن. نعم هناك إقبال كبير على دراسة التمريض والانخراط فيها إلا أن الاهتمام بتطويرها علمياً وعملياً ليس بكاف.الأدهى من ذلك أن الرؤية، بكل ما حملته من طموحات مستقبلية، لم تُشر إلى مهنة التمريض إلا في أسطر معدودة، رغم أن تطوير منظومة صحية عصرية لا يمكن أن يتحقق دون تمكين التمريض وتطوير كوادره المهنية والأكاديمية.ولم يقف الأمر عند غياب الدعم المؤسسي، بل شهدنا خلال السنوات الأخيرة تسابقاً محموماً من جهات ليست من أهل المهنة لمحاولة تبني التمريض، سواء في التعليم أو في الممارسات العملية وعلى أرض الواقع، ما أدى إلى تقديم صورة سطحية وشاملة في الوقت نفسه، تخلو من الفهم الحقيقي لخصوصية وتحدّيات المهنة. وفي المقابل، ازدادت هيمنة المهن الطبية على التمريض، وكأننا عدنا إلى المعادلة القديمة التي تضع التمريض في المرتبة الثانية، رغم أن العالم تجاوز هذه النظرة منذ عقود.كثيرون من أبناء المهنة ظنّوا، ولو لوهلة، أن التمريض في الكويت «غدا شره»، وأنه مقبل على مرحلة نهضة وتنافس حقيقي مع بقية المهن الصحية المساندة. لكننا وجدنا أنفسنا نعود إلى نقطة الصفر، نصعد الجبل بشغف وإصرار، ثم نسقط مرة أخرى، لنعاود المحاولة. ولسنا هنا لنُحبط أبناءنا وزملاءنا الذين يحملون راية المهنة بكل فخر، بل لنقول الحقيقة كما هي:إن التجاهل المستمر لأهمية التمريض، بدأ ينعكس سلباً على الحلم الذي لطالما سعينا إليه... حلم الارتقاء بالمهنة ووضعها في موقعها المستحق.هكذا وجد التمريض نفسه «ضاع بين حانا ومانا»؛ بين جهات تتسابق لتبنّيه إعلامياً دون معرفة حقيقية بطبيعة المهنة، وبين من يهمّشون دوره عند التخطيط ووضع الرؤى المستقبلية. لقد ضاع بين «حانا ومانا»، وضاعت معه آمالنا التي تعبنا على بنائها.ومع ذلك، سنظل نحاول، وبقوة أكبر، أن نرفع راية التمريض عالياً، مهما كانت الرياح معاكسة.

د. وليد التنيب

تزوير بتزوير!
يبدو أن قضية الشهادات المزورة لم تختف والقضاء عليها بحاجة لتضافر الجهود الدولية، فالشهادات الجامعية المزورة قضية عالمية وتعاني منها غالبية الدول...السلطات الهندية أعلنت بشكل واضح أن ملاحقتها المستمرة من مدة ليست بالقصيرة أثمرت إلقاء القبض على شبكة تعمل بالهند مهمتها تزوير الشهادات الجامعية بجميع درجاتها وأنها اكتشفت أن غالبية الشهادات المزورة هي شهادات المجال الطبي سواءً كانت بالطب أو بالطب المساعد كالتمريض أو فنيي الأشعة أو المختبرات، ثم يأتي بعدها شهادات الهندسة بجميع فروعها ويأتي بعدها شهادات إدارة الأعمال، والمثير حقاً أنه حتى علم الذكاء الاصطناعي لم يسلم من التزوير...وأوضحت الهند أن عدد الشهادات المزورة التي استطاعت اكتشافها قد تجاوز المليون شهادة...!ما شجع على هذا التزوير هو وجود طلب عال جداً على التخصصات الطبية بدول عدة، من ضمنها دول الخليج، مما جعل دول الخليج إحدى الوجهات الأساسية للمزورين، ولم تكن دول الخليج هي الضحية الوحيدة للشهادات المزورة فقط عانت الدول الأوروبية وكندا أيضاً...إن طرح اسم الهند كمصدر للشهادات المزورة لا يعني أبداً أنها الدولة الوحيدة التي صدرت شهادات مزورة للخليج، فالحقائق تثبت أن العديد من الدول ذات الكثافة السكانية العالية قد كشفت عن شبكات شاركت بتزوير الشهادات الجامعية...إن القضاء على الشهادات الوهمية والمزورة بدأ يؤتي ثماره عالمياً بوجود مؤسسات معتمدة مهمتها التحقق من مصداقية الشهادة، لكن ما لا يمكن التحقق منه حتى اليوم هو... هل حضر من يمتلك الشهادة للمحاضرات أم أرسل شخصاً غيره، وهل دخل من يمتلك هذه الشهادة الامتحانات أم أرسل شخصاً غيره...؟!

د. تركي العازمي

قوانين تشكر عليها الحكومة...!
في الآونة الأخيرة ظهرت قوانين تشكر عليها الحكومة مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون المخدرات.والمخدرات خطرها عظيم، وأذكر أننا في ملتقى الثلاثاء استضفنا الدكتور عايد الحميدان، في عام 2018، الخبير في المخدرات وشرح لنا جوانب عدة حول آفة المخدرات بأشكالها وأنواعها.ولأن الشيء بالشيء يذكر، فالحكومة قدمت قانون المرور الذي قلل بشكل كبير من الحوادث المرورية المروعة وجديتها في القضاء على الواسطة عبر تطبيقات مثل «سهل» إضافة على تفاعلها مع بعض القضايا.المراد تطبيقه لا يتعدى ملامسة توقعات المواطنين وهذا ما دعا إليه حضرة صاحب السمو، حفظه الله ورعاه للعمل على كل ما فيه خير للبلاد والعباد.يظل أمامنا الكثير من الأساسيات والتي نكررها مراراً وتعداداً مثل تحسين المستوى المعيشي وإصلاح مخرجات التعليم العام والعالي ورفع مستوى الرعاية الصحية وتحقيق الرفاه وغيره.لنبحث في مفهوم الأمن الأسري وكيف لنا تحقيقه وفق ما يتوقعه المواطنون، والأمن الغذائي ومفهوم الحرية المسؤولة وغيره من الأمور التي نتطلع لها عبر برنامج عمل محدد فيه الأهداف ومردود كل هدف على الوطن والمواطنين.الشاهد، أن العمل الجماعي مطلوب للخروج بتطلعات تحقق التنمية بشتى أنواعها والتي تبدأ من التنمية الأسرية التي تعزز مفهوم المواطنة الحقة وتقوي اللحمة الوطنية التي تعد الأساس لازدهار أي مجتمع (وهذا يتطلب معاقبة كل مروجي الإشاعات والفساد).الزبدة:نقول شكراً للحكومة على ما قدمته ونتطلع إلى إجراءات تصحيحية لكل جانب من الجوانب المعيشية التي يطمح المواطن إلى أن توفرها الحكومة له عاجلاً غير آجل.كل ينظر للمشاريع والقوانين من منظوره الخاص، والبعض إذا لم يكن القانون يخدم مصلحته «يزعل» والمعيار هنا يعود إلى الأصح المراد اتباعه كما قامت به دول مجاورة وسنغافورة وماليزيا ودول أخرى.تعدد الرؤى واختلافها -بما فيها الرأي- أمر صحي، وتظل مسطرة القانون والخطوات التي قامت بها تلك الدول هي الأساس في قبول رؤية أو رأي من بين ما يطرح.فلنتوكل على الله ونحسن النية الوطنية الخالصة التي تضع مخافة الله في البلاد والعباد مقدمة على أي أمر آخر، ونبدأ بتنفيذ قوانين ومشاريع تعود بالنفع على الجميع، وطن ومواطنين... الله المستعان[email protected]: @TerkiALazmi

منى الوهيب

مطلوب من كل أحد لكل أحد...!
البشر على اختلاف انتماءاتهم يشتركون في الكثير من المفردات الثقافية، ويختلفون في العديد منها على ما هو معروف ومشهور، والثقافة هي كل ما يكتسبه الإنسان من خلال العيش في مجتمع، أي إن الثقافة لا تنتقل من جيل إلى جيل آخر عبر المورّثات الجينية، وإنما عبر التعلم والاحتكاك والمعايشة، وإن العناصر الأساسية لثقافة أي مجتمع تتجسد في المعتقدات والأعراف والعادات والتقاليد والنظم وطرق التفكير وقواعد السلوك، ومحددات ما هو مقبول، وغير مقبول، وما هو لائق وغير لائق، إلى جانب طرق التعبير عن الاحترام والفرح والحزن والغضب...ومن الثقافات التي يشترك فيها البشر، «ثقافة العدل» ومن أهم سماتها، الشمول والعموم، حيث إن الاستثناء من العدل لأي حالة أو شخص يعني ضرب المنظومة كلها، وإحداث ثغرة في الموقف الأخلاقي من الظلم، وقد دلت التجربة الإنسانية مع قضايا العدل والعدالة على أن الناس يحبون العدل بالمطلق، لكن كثيراً منهم لا يحبون العادلين، يحبون العدل ما دام يصب في مصالحهم، ويحفظ حقوقهم، لكنه إذا أضر بهم فإن الغالبية تتهم من يقضي بالعدل، بسوء فهم القضية أو بعدم الدقة في الحكم والشهادة، في الحقيقة أن من أكثر مسائل العدل حساسية، العدل مع الأعداء والخصوم.القرآن الكريم يأمر المسلمين بأن يكونوا عادلين في أحكامهم، وأن يؤدوا الشهادة على وجهها بقطع النظر عن المشهود له، إن عليهم أن يشهدوا بالحق ولو كان في تلك الشهادة أذى أو ضرر على النفس أو أقرب الأقرباء، ويقول سبحانه في العدل مع الخصوم والأعداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. (المائدة 8)، إنه أمر صريح وواضح من الله تعالى لعباده المؤمنين بأن يقوموا بكل حق يلزمهم القيام به، وأن يشهدوا بالعدل، ونهاهم عن أن يحملهم بغضهم لشخص أو قوم على ترك العدل، لأن العدل هو قوام الوجود الإنساني، وهو مطلوب من كل أحد لكل أحد في كل حال وظرف.إن مجاهدة النفس من أجل الالتزام بالعدل، تعبّر بوضوح عن إخلاص المرء وصدقه وعزيمته، وعن خروجه من دائرة نفسه ومصالحه الشخصية إلى مراعاة حقوق الآخرين ومصالحهم، وهذا أحد الدلائل الكبرى في الحياة الاجتماعية الكريمة والهادئة[email protected]_alwohaib@

سارة النومس

الحرب الزوجية
قام نزار قباني، بوضع نفسه مكان المرأة قبل أن يكتب قصيدته الشهيرة «رسالة من امرأة» وغنتها فايزة أحمد، بكل مشاعرها، رسالة امرأة تتألم لنفسها لا لحبيبها.ونظراً بأن المرأة تتحكم بها العاطفة والهرمونات والتغييرات النفسية، ما عرضها لتحمل السخرية والتقليل من قوتها وشأنها على مدى عقود طويلة من الزمن، قبل أن يتحد كثير من النساء حول العالم ويجعلن من الرجل مخلوقاً منافساً لا شريك حياة.إنّ المنافسة التي شعرت بها المرأة بالرجل جعلتها تضغط على (دواسة البنزين) كي تتفوق عليه، وكان لبعضهن ذلك، فقد تفوقت على زوجها بالشهادة والراتب الأكثر والذكاء وتربية الأطفال. حتى أصبح بعض الازواج يرون انفسهم مزهرية في المنزل، فلا يتحمل مصاريف المنزل ولا مسؤولية الأطفال.اشتكت إحدى النساء من جفاء زوجها، وبأن جل اهتمامها هو في المنزل والأطفال، لقد أصبح يعاتبها بكل عاطفة، نوع العتاب العاطفي الذي غالباً ما تستخدمه المرأة، لقد قامت المرأة دون قصد بعزل دور الرجل عن طريق الصرف في المنزل بحكم راتبها الأعلى، على الرغم من أن الرجال يستطيعون العيش والصرف، حتى لو كان راتبهم أقل فالقوامة لهم، يستطيعون التصرف لو أرادوا ذلك.ومن الأمور الغريبة هي بقاء الكثير من الرجال أمام التواصل الاجتماعي لساعات طويلة، لدرجة أن الرجل أصبح يقارن زوجته المهملة بالمشهورة التي تزوجت (مليونير) وتنازلت عن وظيفتها وأصبحت حياتها هي الاهتمام بالبقاء مزينة وملونة أمام زوجها المليونير كي لا تخسره، فيرى المتابع عكس ذلك فهو اهتمامها فقط ولا يرى المميزات والرفاهيات التي حصلت عليها لقاء هذا الاهتمام.كما يقوم بعض الرجال في التواصل الاجتماعي بوضع صور فتيات جميلات والتعليق على أنهن من الدولة الفلانية ويرغبن بالزواج بالمجان دون مهر، أعلم أن المقصد من المواضيع تلك هي إثارة غيرة الفتيات. تصرف مشين يظهر نظرة سطحية لمجموعة من الرجال التافهين، بأن يعرضوا النساء كالبضائع الرخيصة معلنين عدم استعدادهم للصرف نظير تأسيس أسرة، انفسهم لا يقبلون أن تُعرض أختهم بهذه الطريقة، بل ولا يقبلون زواج أختهم مجاناً.الحرب بين الرجل والمرأة لن تتوقف وقد تكون ردود الأفعال أحياناً شرارة لحرب طويلة، ولكن أرجو ألا يحكم الرجل على المرأة بناء على التواصل الاجتماعي وبعض الأفكار التي يسعى العديد من النساء لنشرها بصورة عدوانية للرجل، وألا تحكم المرأة على الرجل من خلال صورة المرأة الخارقة في الأفلام، المديرة القوية الذكية وزوجها سعيد للأبد، هي المتحكم وهي المتصرف في كل شيء في حياة هذه الأسرة.كانت لحملات المساواة والمطالبة بالحقوق ضريبة لا بد أن تدفعها النساء وأن يتحملن قسوة الحياة المليئة بالإغراءات المزعجة، وعليها أن تعي أن الرجل يستطيع الحصول على المال ويستطيع التكفل بأسرته وسيشعر بقيمته كرجل مسؤول ويسعده ذلك الشيء (لو أراد) فلا تشعر بالشفقة عليه ولا تعطيه رسائل مفادها: لا تقلق سأقوم بدور المرأة والرجل في المنزل.

د. عبدالرحمن الجيران

أين المتابعة؟!
لا بأس إذا أنا استمرأتُ الراحة وجعلت من هذه المقالة جماماً من تعب، فإن الحُمّى جعلتني خاضعاً للملل فوق الملل الذي كنت أجده من متابعة ما يسمى (الحراك السياسي) والمعارضة التي زعمت متابعة الأداء الحكومي منذ كتابة الدستور حيث استمعت لبعض المشاركين في المجلس التأسيسي وأسلوبهم في الإدارة ومحاسبة الحكومة مروراً بفترات حل المجلس.وخلال هذه المدّة اشتدّ أوار المعارضة وزحفها على صلاحيات الحكومة إلى أن اصطدمت (العربة في الجدار) فتبعثرت الأوراق وأنا مفطور على الملل من السخف المتشابه في الضحك على الذقون في (الحراك الجديد) وأشد مللاً من الغفلة عن إدراك هذا التشابه المتتابع المزخرف بـ(الديمقراطية) و(هامش الحرية) و(المشاركة في القرار) إلى آخره من شعارات براقة رفعها الإسلام السياسي، فاجتمع عليّ من الملل ما آثرت معه أن أتخفف من هذا الضيق بمرض الحمّى ببعض هذه الآمال لأقول إن (مجلس الأمة) سوف يتصّلح!أليس من حقي أن أتمدد على ظهري واضعاً ساقاً على ساق حيث أجمع كفي يدي مشبكاً الأصابع من وراء رأسي وأخلع نظارتي وأغمض عيني وأتحدث بالسجية من غير تكلّف ولا رسميات؟إنه من حقي أن أفعله بين رَبْعي وزواري وأقرب أصحابي بلا ريب... وإذا كان الأمر كذلك فمن حقي أن أفعل ذلك أيضاً على الورق! بين قرائي وخاصة أهل مودتي في أن يقرأ هذه المقالة أليس كذلك؟! وهكذا هي الدنيا وإلا فمعذرة فهكذا أنا سواء رضي مني القرّاء ذلك أو كرهوه!وخطر في بالي هنا أن أفترض إن (مجلس الأمة) سوف ينصلح حاله مستقبلاً... ثم أصور لهم حال المجلس القادم المثالية وعليهم أن يصدقوها ولم لا؟ أليس مؤسسة دستورية؟ فما يمنعه من إصلاح الكويت وقد مضى عليه ستون عاماً؟ ومن الذي يملك أن يكذبني فيما أقول؟ومعي هذا الصدق وهذا المنطق (الشعبي) لأننا في زمان عجيب... فمثلاً لو حدثتك أن إنساناً نظر في المرآة فلم تعجبه طلته فانطلق مسرعاً إلى أقرب (عطار) طمعاً في أن (يصلح العطار ما أفسده أهل الدهر) فدخل وخرج بعد ساعة شاباً وسيماً ووجهاً وضيئاً قد عاد مسنون الوجه بعد استدارة وجهه واغبراره أحور العينين بعد جحوظهما رقيق الشفتين بعد الهَدَل... فلو حدثتك بهذا لما كان شيئاً عجيباً ولوجب عليك أن تصدقني... ومن سفه الرأي ألا تصدق، وتوكل على الله... وهكذا إذا قلت لك إن مجلس الأمة سيستقيم بعد هذه الفضائح التي سمعها القاصي والداني فالسياسيون غالباً من طينة واحدة! مهما تغير الزمان! و«هذا سيفوه وهذي خلاجينه».لكن هل معنى هذا اليأس والقنوط مع وقف التنفيذ في الإصلاح؟الجواب، لا، وهذا لا يمكن تصوره فالمثل يقول (يد واحده لا تصفق) فلا يمكن للوزراء ومجلس الوزراء العمل منفرداً للنهوض من جديد بالكويت دون ربط موضوعي مع مؤسسات الدولة، فهو بحاجة دائماً إلى استخراج الآراء للخلوص للرأي السديد، وبعد تعديل الهوية الوطنية وتوقيع اتفاقيات المشاريع الكبرى وفرض هيبة القانون يأتي جهاز متابعة الأداء الحكومي بحلته الجديدة لتلائم المرحلة آملين أن نسمع جديداً؟!فما الجديد بعد سلسلة الإصلاحات المالية والإدارية والقضائية؟وهل سيكون الجهاز بديلاً؟وما نحب أن نسمعه بالأخص ما يلي:فيما يتعلق بوضع نظم استطلاع الرأي العام حول مستوى الأداء الحكومي.فيما يتعلق باقتراح ما يلزم بشأن الموقف التنفيذي للجهات المعنية.واقتراح الآليات بشأن تقارير ديوان المحاسبة عن نتائج الفحص والمراجعة السنوية.

د. جمال عبدالرحيم

هل يحقق قانون «الحوالة البديلة» العدالة... أم يفتح باب الاجتهاد؟
بينما أضع اللمسات الأخيرة على كتابي الجديد «الحوكمة العرجاء - انتشال وطن (6)»، الذي يتناول الفجوات بين التشريعات الكويتية والخليجية والتشريعات الدولية، جاء تشريع «الحوالة البديلة» ليكون الحافز الأخير لإخراج هذا العمل إلى النور بعد أكثر من خمسة وعشرين عاماً من البحث المتقطع والتردد في نشره. فقد مثّل هذا القانون نموذجاً لإشكالية تشريعية قد تتجاوز حدود النص إلى آثار تمس المجتمع والقضاء والاقتصاد.لقد أثار القانون جدلاً واسعاً في داخلي بسبب صياغته الفضفاضة التي تُجرّم «الحوالة البديلة» بعبارات عامة لا تقدم تعريفاً دقيقاً، وتفرض عقوبات تصل إلى الحبس والغرامات المرتفعة دون وضع ضوابط تحدد ما يعد مخالفة وما يدخل ضمن التحويلات البسيطة أو الأنشطة التي يفترض تنظيمها لا تجريمها. هذا الاتساع في الصياغة يفتح الباب أمام اجتهادات متفاوتة قد تؤدي إلى صدور أحكام مختلفة في قضايا متماثلة، وهو ما ينعكس سلباً على ثقة المجتمع بالمنظومة التشريعية والعدلية.ولا تقف الإشكالية عند هذا القانون وحده؛ إذ يبرز الأمر ذاته في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وهو موضوع ناقشته في أحد كتبي عام 2005. فقد عرّف القانون «الأموال المتحصلة من جريمة» تعريفاً واسعاً للغاية، إذ نصت المادة الأولى على أنه «أي أموال تنشأ أو تحصل بصورة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب جريمة أصلية...». غير أن القانون لم يحدد بدقة ماهية هذه الجرائم الأصلية، بخلاف التشريعات المقارنة التي وضعت قوائم واضحة. هذا الاتساع يخلق سلطة تقديرية واسعة في التطبيق، مع أن التشريع الجنائي يفترض فيه أن يكون شديد الوضوح في النص والعقوبة، وإلا وجد القضاء نفسه أمام نص لا يمكن تطبيقه بصورة آلية أو حرفية إذا كانت نتائجه غير منطقية أو غير متناسبة أو لا تنسجم مع الهدف التشريعي، بما قد يؤدي إلى خلق مسؤولية جنائية غير مقبولة عقلاً أو قانوناً.وإذا كان الهدف من تشريع «الحوالة البديلة» هو ضبط التحويلات المالية غير المرخصة، فإن التجريم ليس الخيار الوحيد ولا الأكثر فاعلية. فدولة الإمارات، مثلاً، اعترفت بهذا النظام منذ سنوات، ونظمته من خلال تعليمات المصرف المركزي التي شملت شروط الترخيص والامتثال والرقابة، مما ساهم في دمج الاقتصاد الموازي ضمن إطار قانوني واضح. كما أن مكتب مكافحة الجريمة والمخدرات في الأمم المتحدة ينظر إلى «الحوالة البديلة» بوصفها وسيلة مالية عالمية، ويدعو الدول إلى تنظيمها بدلاً من تجريمها بالكامل، لأن التجريم غير المدروس قد يدفع التعاملات إلى خارج نطاق الرقابة.إن جوهر القضية لا يتعلق بالرغبة في حماية النظام المالي -وهو واجب لا يختلف عليه اثنان- بل بضرورة صياغة نصوص محكمة لا تترك المواطن أو القاضي أمام اجتهادات مفتوحة. فالمشكلة ليست في الرقابة نفسها، بل في جودة النص وقدرته على وضع معايير واضحة تمنع التباين والإرباك القانوني.نحن اليوم أمام خيار واضح: إما الاستمرار في إصدار نصوص عامة قد تتباين فيها الأحكام في القضايا المتشابهة، أو الانتقال إلى نهج تشريعي حديث يستفيد من التجارب الدولية ويعتمد معايير دقيقة وواضحة. فالأمن المالي لا يتحقق بالعقوبات وحدها، بل بالتنظيم الرشيد، والعدالة لا تُبنى بالنوايا بل بالنصوص المحكمة التي تعزز الثقة بعدالة التطبيق.وهذه دعوة إلى المعنيين بصياغة التشريعات لإجراء مراجعة هادئة وشاملة، بما يضمن اتساق القوانين وانسجامها، ويحمي المجتمع والاقتصاد، ويسهم في خلق بيئة قانونية جاذبة للاستثمار.