موسى بهبهاني

لكل زرع حصاد
عادةً البشر يستعدون قبل أن يقوموا بأي عمل، سواءً كان من التنظيم والتنسيق والتدريب التدريجي لتحقيق الهدف الذي يسعون إليه، على سبيل المثال: (التخطيط لرحلة سفر لأيام معدودة).يقومون بالاستعداد المكثف من تخطيط، وطلب الإجازة، والتواصل مع خطوط الطيران والفنادق لعمل الحجوزات وترتيب أمور العائلة والمنزل، وتجهيز الملابس والحقائب، وإعداد المال وصرف العملة للبلد المتوجهين إليه، كل ذلك من أجل رحلة لأيام معدودة...فما بالك بالشهر العبادي العظيم، الذي أُنزِلَ فيه القرآن الكريم، شهر رمضان المبارك، شهر الله، الذي سنكون خلاله في ضيافة المولى عز وجل.لذلك، لا بد أن نستعد له قبل إقباله، فشهرا رجب وشعبان فيهما الكثير من الفضائل، بل هما شهرا إعداد وتدريب روحي لاستقبال شهر رمضان، حيث تتم المواظبة فيهما على الدعاء والاستغفار والتوبة والصيام والصدقات والصلاة المستحبة وقراءة القرآن والأذكار، والاستعداد الروحي لنيل المغفرة ولقاء شهر الله، شهر رمضان، بقلوب سليمة ونفس زكية.وجاء في الأثر بأن:شهر رجب «شهر الزرع» وشهر شعبان «شهر السقي» وشهر رمضان «شهر الحصاد».اللهم بارك لنا في شهري رجب وشعبان وبلغنا شهر رمضان.كيف يكون الاستعداد؟1 - الأكل بمقدار «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا».2 - التعطّر والتَطّهُر البدني بالماء (لإزالة رائحة العرق) واستخدام عطر طيب.3 - الإكثار من الاستغفار وقراءة القرآن.4 - تنقية القلب من الحقد والغل، والعزم على تحسين التعامل مع الآخرين.5 - قضاء الصيام: استغلال شعبان لقضاء صيام شهر رمضان الفائت لمن عليه أيام قضاء.6 - الهدف من ذلك الوصول إلى شهر رمضان وقد نالت الروح درجة الغفران، استعداداً لضيافة المولى عز وجل في شهر الله.(تعطّروا بِالِاسْتِغْفَارِ، لَا تُفْضِحكم رَوَائِحُ الذُّنُوب).الرائحة الخارجية تَذهَب بالغُسل، أما الرائحة الباطنية فتظل لا تزول إلا بالعمل الصالح.فالاستعداد ليس مادياً (كالطعام والشراب)، بل هو استعداد معنوي عميق يتضمن تطهير النفس، وتصفية القلب، وتكثيف العبادة والدعاء والتوبة، ليكون الإنسان مستحقاً لضيافة الله في هذا الشهر العظيم...إنّ شهري رجب وشعبان هما بمثابة تمرين لتهذيب النفس واستقبال شهر رمضان بقلب نقي.ختاماً:وكما أن الأجسام تحتاج إلى الغذاء، كذلك الأرواح تحتاج إليها أيضاً، فغذاء البدن هو الطعام والشراب، بينما غذاء الروح يكون بذِكر الله، وتلاوة القرآن والصلاة والعمل الصالح وطلب العلم، ما يمدها بالطاقة ويقويها لمواجهة تحديات الحياة، وهذا الغذاء الروحي أهم من غذاء الجسد لأنه يبقى خالداً بينما الجسد يفنى.ولهذا يجب الموازنة بين الاهتمام بالجسد والروح وشهر رجب فرصة للتزود بالزاد.«وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى».إذاً، عليكم باغتنام الفرص؛ لأن الفرص تمر مر السحاب، وهذا الشهر - رجب - فرصة يجب علينا أن نغتنمها وما أحوجنا إلى العمل الصالح وكما جاء في الأثر:(حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا).نسأل الله أن يوفقنا ويسدد خطانا إلى العمل الصالح.اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.

مزيد مبارك المعوشرجي

الحصاد الاقتصادي للكويت 2025 عام القرارات الصعبة... واستعادة الثقة
شكّل عام 2025، محطة مفصلية في المسار الاقتصادي لـ دولة الكويت، حيث اتسم بالجرأة في اتخاذ القرار، ومحاولات جادة لمعالجة ملفات اقتصادية ظلت عالقة لعقود، ما أعاد ضبط العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، وبين السوق والتنظيم. مع العمل على تحفيز الصناعة المحلية ودعم المصانع في مختلف المجالات من خلال تذليل كل الصعوبات الممكنة.في القطاع العقاري، مثّل تثبيت دستورية قانون مكافحة احتكار الأراضي الفضاء نقطة تحول تاريخية، أنهت مرحلة الجمود والمضاربة غير المنتجة، وأسهمت في زيادة المعروض وتهدئة الأسعار، مع إعادة الأمل لشريحة الشباب الباحث عن السكن، بانتظار تشريعات مكملة تتعلق بالرهن العقاري والتمويل الإسكاني.أما سوق المال، فقد شهد تحسناً ملحوظاً في السيولة والقيم المتداولة، مدعوماً باستقرار نسبي، وتحسن نتائج الشركات القيادية، وتعزيز الحوكمة والشفافية، ما أعاد المستثمر المؤسسي إلى السوق بحذر إيجابي، مع ترقب أدوات مالية وإدراجات جديدة.وفي القطاع المصرفي، أكدت البنوك الكويتية متانتها المالية، محققة نمواً مستقراً في الأرباح، وتحسناً في كفاية رأس المال، مع توسع مدروس في التمويل الموجه للقطاع الخاص، رغم استمرار التحدي في تمويل المشاريع الإنتاجية طويلة الأجل.وعلى صعيد السياحة، سجل عام 2025 انتعاشاً ملحوظاً بالأرقام، حيث استقطبت الكويت 8.56 مليون زائر حتى سبتمبر، محتلة المركز السابع عربياً، مع توقعات بوصول الإيرادات إلى 1.13 مليار دولار بنهاية العام. إلا أن هذا التحسن لا يخفي تحديات البنية التحتية والنقل السياحي، ما يستدعي تسريع تطوير المشاريع، وتفعيل الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص، خاصة في مجالات النقل البحري، والفنادق المتوسطة، والوجهات الثقافية مثل جزيرة فيلكا.وجاءت القرارات الحكومية خلال 2025، كإشارات إيجابية للسوق، عبر فتح ملفات كانت مغلقة، وتسريع الإجراءات، وإعادة النظر في الرسوم والتراخيص، ومعالجة تشوهات اقتصادية مزمنة، في رسالة واضحة بأن الإصلاح لم يعد خياراً بل ضرورة.ومع توجه الدولة إلى تشجيع الشباب على الانخراط في العمل بالقطاع الخاص، تبرز الحاجة الملحّة إلى تهيئة بيئة عمل عادلة ومستقرة تضمن استمرارية المشاريع الشبابية، لا سيما مشاريع أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تواجه تحديات حقيقية تتمثل في شدة المنافسة وممارسات الاحتكار.فاستدامة هذه المشاريع ونموها تتطلب حماية تنظيمية وتمكيناً فعلياً، بما يتيح لها تجاوز التعثر، والتحول إلى نماذج نجاح واقعية تُحتذى بها، وتشكّل حافزاً حقيقياً للشباب والشابات للدخول بثقة إلى القطاع الخاص والمساهمة في تنويع الاقتصاد الوطني[email protected]

محمد ناصر العطوان

ديمقراطية الذاكرة... على جدار «الحاج زبالة»!
عندما زرت شارع المتنبي في بغداد... واستمعت للمكان، وأدركت أنه يمكن للمدن أن تُرمم ذاكرتها، لا أحجارها فقط!في بغداد، الحجر يتكلم... هذا ليس مجازاً شعرياً، بل حقيقة إستراتيجية تدركها فور أن تطأ قدماك «شارع المتنبي» بحلته الجديدة.زرتُ هذا الشريان الثقافي، ولم تكن زيارة عابرة، بل كانت محاولة لفك شفرة كيف تعود المدن للحياة؟ في شارع المتنبي أنت في مسرح مفتوح، يصادفك «ديوان الحكومة القديم» والأقواس العباسية، لاحظتُ شيئاً ذكياً في «إدارة المكان»... الإضاءة المسلطة على الطابوق الأصفر (الآجر البغدادي) لم تكن لغرض الرؤية، بل لغرض «الدراما».لقد تحول الشارع ليلاً إلى «مسرح مفتوح»... الأعمدة البيضاء التي تحمل الشرفات الخشبية (الشناشيل) في الطابق العلوي تقول بوضوح: «نحن هنا... ما زلنا واقفين».الشناشيل ليست مجرد ديكور؛ هي عيون المدينة التي تطل بستر وحياء على المارة، تمزج بين «الخصوصية» في الداخل و«الحياة» في الخارج... التجديد لم يمسح التجاعيد التاريخية للمكان، بل جملها، وهذا قمة الذكاء في «الهوية البصرية».استوقفني طويلاً محل «مرطبات الحاج زبالة»... والذي لم يكن مجرد محل عصير زبيب؛ هذا «متحف أنثروبولوجي» حي... رأيت الجدران مغطاة بصور فوتوغرافية بالأبيض والأسود... فيها الملوك، الزعماء، الجنرالات، الشعراء، والصعاليك... كلهم متجاورون على الجدار نفسه! وكلهم يشربون من عصير زبيب الحاج «زبالة»!هنا تكمن «المؤامرة الثقافية» الجميلة لبغداد... الزبيب يساوي بين الجميع!على هذا الجدار، تسقط الرتب، وتذوب الخلافات السياسية، ويبقى «الإنسان» الذي مر من هنا وشرب العصير. إنها «ديمقراطية الذاكرة» التي لا تجدها في كتب التاريخ الرسمية. الحاج زبالة يبيع «التاريخ السائل» في أكواب، ويقول لنا: الكل يرحل، ويبقى طعم بغداد.كنت حريصاً على التقاط صور لقباب ومراقد (مثل مرقد الشيخ الكليني) تتداخل مع المكتبات والمقاهي... هذه إشارة عميقة جداً... الثقافة في بغداد ليست «علمانية» بمعنى الانفصال عن الروح، وليست «دينية» بمعنى الانغلاق.القبة الزرقاء المزخرفة التي تعانق سماء الليل تقول إن «المعرفة والروح» صنوان لا يفترقان في تكوين العقل العراقي. المكان حسب اعتقاد مرتاديه «مبارك» بالأولياء، و«محروس» بالكتب.الأرضيات اللامعة، الترتيب المدهش، والناس الذين يمشون بانتشاء كلها رسائل «Soft Power» (قوة ناعمة). بغداد تقول للعالم: انتهى وقت الدمار، وحان وقت «الأناقة»... تجديد شارع المتنبي ليس مشروع مقاولات؛ هو «مشروع تعافي نفسي» لأمة كاملة.خرجتُ من المتنبي وأنا أدرك أن ما رأيته لم يكن مجرد شارع تم طلاؤه بعمق 2 سم على الواجهات... لقد رأيت مدينة تنفض الغبار عن «بدلتها الرسمية» لتعود سيدة للمدن.بغداد في المتنبي لا تقرأ الكتب فقط، بغداد تكتب الآن فصلاً جديداً من الحكاية، حبرها الضوء، وورقها «الآجر» الأصفر، وشاهدها «عصير الزبيب» الذي هزم كل المرارات.وكل حجرٍ لا يُبنى باسم الله... هش... وكل ترميم لا يُراد به وجه الله... يضمحل.

د. عادل فهد المشعل

قطر والرياضة
حققت دولة قطر الشقيقة قفزات نوعية في مجالات عدة ومنها المجال الرياضي، ويكفي أنها استضافت أفضل وأجمل مونديال في تاريخ الفيفا عام 2022م، كما أنها تمتلك ملاعب مثالية تحرص كبار الأندية والمنتخبات على تنظيم معسكرات رياضية لما تمتلكه من بنية تحتية رياضية شاملة، كما أن قطر نجحت في تنظيم أفضل دورة عربية لكرة القدم «كأس العرب»، ويبدو أن قطر وراء كل عمل ناجح بامتياز سواء في كرة القدم أو في أي ملف آخر، وكل من تابع الأخبار يستطيع أن يستشف ذلك الأمر.وها هي نظمت دورة كأس العرب أخيراً والتي كانت من أفضل وأجمل الكؤوس السابقة لما تمتلكه دولة قطر من القدرة على التنظيم ومراعاة التفاصيل كافة المتعلقة باللاعبين والإداريين والإعلاميين والجماهير التي كانت حقاً ملح الدورة.وكان تجمعاً عربياً رائعاً حيث إن الشعوب العربية اجتمعت وتنافست في بيئة جميلة بجمال قلوب أهل قطر الرائعين الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا وعملوا على تحقيقها من أجل راحة الضيوف من المطار إلى المطار. ناهيك عن التغطية الإعلامية برعاية أبوية سامية من قبل أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله ورعاه، الذي قال عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل «إكس» فخورون بما تميزت به بطولة كأس العرب من تنظيم محكم وأداء رياضي متألق، وما جسدته من مشاعر الأخوة والاحترام.وإذا نظرنا إلى الكرة العربية بشكل عام فإنها متأخرة كثيراً عن ركب العالمية رغم التطور الكبير في منظومة الرياضة بشكل عام، وفرق كرة القدم بشكل خاص، ومنها عناصر عدة أهمها الأخلاق الرياضية التي تحثنا عليها التشريعات الدينية والقيم العربية.همسة:«أي إنجاز رياضي بلا أخلاق لا فائدة منه».

حنين العتيبي

هل المرأة عدوّة المرأة؟!
سؤال يتبادر إلى ذهني دائماً، خصوصاً مع تكرار هذه العبارة على مسامعنا باستمرار. ومن واقع حياتي الشخصية، فعلى سبيل المثال في المرحلة الجامعية، بعض الأكاديميات كنّ بالفعل يتعمّدن تصعيب المواد، ويتعاملن بغرور أنثوي مطلق، وكأن موقعهن يمنحهن مساحة لإثبات تفوق غير مبرر. ومع الوقت، امتد هذا الانطباع ليطل برأسه في الحياة العملية أيضاً لدى البعض... وبت أصدق قولهم بأن «المرأة عدوة المرأة».شخصياً، حوربت ومازلت من نساء يكبرنني سناً. كنت أعزو ذلك تارة للغيرة، وأخرى للحسد، وأحياناً للفوقية في التعامل، أو للاختلاف الجوهري بين الأجيال. فالاختلاف في التفكير وأسلوب الحياة والطموح يخلق لدى بعضهن خلافاً حاداً بالضرورة وليس اختلافاً طبيعياً أو محموداً، بل تصعيداً.بل إن من بينهن من ترى أنه ما دامت لم تعش أو تجرب، فلا يحق لغيرها أن تعيش أو تختبر أو تنغمس في شباب الدنيا. وكأن من فاتها قطار العمر، أو سحقها الزمن بتجاربه القاسية، تريد لنظيرتها أن تعيد المأساة نفسها بدل أن تنصحها، أو ترشدها، أو تفتح لها نافذة على الحكمة التي يفترض أن تمنحها السنين.لهذا أميل إلى هذا المعتقد... في المقابل، حظيت في حياتي بنساء رائعات. هناك من دعمنني وعلمنني وأخذن بيدي في اللحظات التي شككت فيها بنفسي. صادفت فرق عمل متكاملة، زميلات يرفعن بعضهن بعضاً كخلية نحل متناغمة، لا يبتغين إلا الارتقاء والنجاح بتنافس صحي. ولا أنسى من منحنني حبهن وعطفهن وخلاصة تجاربهن، تارة من الحكمة الحياتية، وتارة من الخبرة العملية، خصوصاً في بداياتي الوظيفية الحالية .وأخص بالذكر صديقاتي، أو كما أحب أن أسميهن «صديقات روحي»، اللواتي لولا الله ثم أياديهن التي لا تكل ولا تمل من التصفيق لي وتذكيري بكل جميل لما استطعت أن أكتب هذا المقال اليوم. ومع ذلك، هناك بعض النساء اللواتي يجسدن سمات العداء الأنثوي تحت قناع الصداقة، وهو ما يذكّرنا أن العداء ليس غريزياً، بل نتاج صراع داخلي وفقدان للتوازن النفسي وأبجديات الوعي الذاتي.إذاً، عدوة المرأة الحقيقية ليست مجرد امرأة أخرى، بل تلك التي لم تصالح نفسها، ولم تتعافَ من جروحها، ولم تصل إلى الوعي الكافي لفهم نفسها على الأقل، فتصب آلامها وإحباطها على من حولها... المرأة غير الواعية هي عدوة المرأة.

حسين علي الطرجم

قاعات المناسبات بين التحرير والتقييد
أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية تعميماً يحظر التنازل عن حجز الصالات لأي شخص آخر، مبينة أن القرار جاء بعد استغلال بعض ضعاف النفوس لحاجة الناس، عبر احتكار الحجوزات ثم بيعها للناس.وفي هذا الإطار، قررت الوزارة إنشاء فرق تفتيش ميدانية من الرجال والنساء، للحد من الاستغلال والتلاعب.يحسب للوزارة أنها تحركت لضبط العبث بالحجوزات.لكن يبقى السؤال الجوهري: ما الذي أوصلنا للاحتكار أصلاً؟ تنتشر القاعات في كثير من مناطق الكويت، بعضها يعمل والآخر لا، ويتيح برنامج «سهل» حجز 24 قاعة فقط - حتى كتابة المقال، يقابلها 8538 حالة زواج حتى سبتمبر الماضي.في ظل هذا الرقم المحدود، يصبح الاحتكار نتيجة متوقعة، لا سلوكاً استثنائياً، خصوصاً مع الفارق السعري الكبير بين قاعات الشؤون، وقاعات الفنادق.والسؤال الجوهري، هو: لماذا لا تخصص أراض على أطراف المناطق للاستثمار في مجال القاعات؟ فكلما توسع المنع، توسع التحايل معه، وفي وطن أغلب سكانه من الشباب بعمر الزواج، فكيف يتزوجون والقاعات نادرة؟ كما أن بعض القاعات تعاني من قدم الأثاث أو سوء الموقع، وأرى أن أفضل موقع للقاعات هو أطراف المنطقة، حيث تكون بعيدة عن البيوت والوصول لها أسهل.أما من يرغب في بناء قاعة كوقف، فهذا محمود ومكمل للحلول، سواءً مجانية، أو برسم رمزي يخصص لأعمال الصيانة.إن تمكين الشباب والتوسع في سبل الكسب المشروع، هو ما يغلق الأبواب الخلفية.التوسط في الأمور وتحرير الأراضي هو الحل، فما فائدة أرض بلا عائد؟ وتحرير الأراضي يخلق للشباب فرص عمل جديدة، تزيد من المنافسة والإبداع.عندما استثمر الشباب في خيام المناسبات، أبدع، ونجح بتحويل الخيام إلى قصور فاخرة، لقد صنعوا شيئاً من لا شيء.لكن كل ذلك اختفى بعد الإغلاق، ورجع الناس إلى التزاحم على القاعات التقليدية.ولو خُيِّرَ الناس بين القاعات والخيام، لاختاروا الخيام، لِما تميزت به من فخامة، وسعة، ونظافة، وسهولة وصول.ولا يشترط أن تُخصّص القاعات للأفراح فقط، إذ يمكن استخدامها في مناسبات متعددة، كالعزاء، والمؤتمرات، والمعارض، وحملات التبرع بالدم أو التطعيم، إضافة إلى الدورات وورش العمل.ومع زيادة عدد القاعات، تنشط الخدمات الجانبية كالمطاعم، وخدمات الضيافة، والفرق الشعبية، وشركات التنظيف، بما يحرك الأسواق المرتبطة بها.والدولة، كما يقول ابن خلدون في مقدمته، هي «السوق الأعظم» وكل هذا يرفدها بأموال عبر الرسوم والعوائد الأخرى.فسهلوا ولا تمتنعوا.

منى الوهيب

تضيء بعض الوجوه...!
قال ابن عباس، رضي الله عنهما، في تفسير قوله سبحانه: «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»الحاقة، 12: أذن سامعة حافظة، ونحن في هذا الزمان، بحاجة إلى الوعي بأنفسنا ومحيطنا وزماننا، لا تقل عن حاجتنا إلى الطعام والشراب، إذا أردنا أن نحيا الحياة التي تليق بنا. والمراد بالوعي هو التفهم والغوص في عمق المعنى. وجاء في كتب علم النفس وعلم الاجتماع أن الوعي هو: «إدراك الفرد لنفسه والبيئة المحيطة».إنّ الناس يدركون بدرجات متفاوتة ما لديهم من نقاط قوة وضعف على صعيد وجودهم المادي والمعنوي، لكن! قبل أن نحاول فهم المحيط، وفهم العالم والعصر الذي نعيش فيه، علينا امتلاك قدر حسن من الوعي بذواتنا، لأن ذلك يساعدنا على التصرف على نحو صحيح في جميع مجالات الحياة.والوعي بالذات يعني القدرة على تفحّص الذات من خلال الفهم للمشاعر الخاصة، ودوافع السلوك الشخصي، ومن خلال معرفة طرق التفكير، والمعايير التي يستخدمها المرء في استحسان سلوكيات الآخرين واستقباحها، كما أن الوعي بالذات يعني فهم العادات الإيجابية والسلبية، إلى جانب فهم أسباب الأخطاء المتكررة التي يقع فيها.إنّ ردود أفعال الآخرين على سلوكياتنا وتصرفاتنا ومواقفنا تشكّل مصدراً مهماً للوعي بالذات، لأنها تضيء بعض وجوه الجانب الاجتماعي. والوعي الجيد بالذات شرط أساسي لتمكّن المرء من تجاوز ذاته، أي تجديدها عن طريق تحسين العلاقة بالله تعالى، وتحسين مستواها الأخلاقي والمهاري والاجتماعي، ومن خلال اكتساب المزيد من اللياقة الفكرية والنفسية، واكتساب المزيد من السلوك الرشيد الناضج.الوعي بالذات واجب على كل إنسان، حتى لا ينهمك في صرف وقته وجهده في أمور صغيرة على حساب الأمور الكبيرة والمهمة، ومن أجل عدم الاستسلام للمعطيات الأولية التي يوفرها في أي مجال من المجالات. يُسأل العبد يوم القيامة عن أشياء وهي: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟. لذا وجب على كل إنسان الوعي بذاته حتى يستطيع الإجابة عما سيُسألُ عنه[email protected]_alwohaib@

خيرالله خيرالله

مرّة أخرى... افتراءات على الأردن
إنّها ليست المرّة الأولى ولا الأخيرة التي تتعرّض فيها المملكة الأردنيّة الهاشمية لافتراءات تستهدف المسّ بصورتها وسياستها الخارجية الواضحة كلّ الوضوح. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هذه المرّة: لماذا الآن ومن يقف وراء الحملة التي تستهدف المملكة استناداً إلى تكهنات أثبتت الأحداث والوقائع أن لا علاقة لها بالحقيقة من قريب أو بعيد؟في الأمس القريب ركزت وسائل إعلام معيّنة على وثائق في الأرشيف البريطاني تتحدث عن طموح أردني لإعادة الحكم الهاشمي إلى العراق. كان ذلك في مرحلة ما قبل الحرب الأميركيّة على العراق، في العام 2003. حصلت حرب أميركية – بريطانيّة استهدفت إسقاط النظام العائلي – البعثي لصدّام حسين. تولّى البريطانيون في أعقاب الحرب شؤون جنوب العراق من منطلق أنّ لديهم معرفة سابقة بالبلد. كشفت الأحداث أنّهم أبعد ما يكون عن ذلك. كان الفشل البريطاني في جنوب العراق فشلاً ذريعاً على كلّ المستويات في ما فعل الأميركيون، الذين وصلوا إلى بغداد مطلع ابريل 2003، كلّ ما في استطاعتهم فعله كي تتسلّم إيران وميليشياتها هذا البلد البالغ الأهمّية على صحن من فضّة.كلّ ما في الأمر أنّ السكرتير الخاص لتوني بلير، توقع طرح موضوع عودة الهاشميين عشية لقاء مرتقب بين رئيس الوزراء البريطاني مع الملك عبدالله الثاني. حصل اللقاء ولم يرد في التقرير الذي كتبه لاحقاً سكرتير بلير نفسه، كما يظهر الأرشيف البريطاني، ما يشير إلى أي طموح أردني لإعادة الحكم الهاشمي إلى العراق. تبين من التقرير عن اللقاء أنّ تكهنات السكرتير الخاص لم تكن في محلّها وأن الهمّ الأردني كان وقتذاك في مكان آخر.طرح عبدالله الثاني، بكل بساطة إمكان خروج صدّام حسين، من السلطة وانتقاله إلى بلد آخر لعلّ ذلك يؤدي إلى تغيير للنظام في العراق من دون سفك دماء. اقترح على بريطانيا طرح هذا الخيار لعلّ وعسى يدرك صدّام، أنّ الخروج من السلطة أقلّ كلفة على العراق والعراقيين. أظهر الأرشيف البريطاني أنّ العاهل الأردني كان يقوم بمحاولة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العراق. كلّ من يعرف عبدالله الثاني عن قرب يعرف تماماً أهمّية العراق على صعيد التوازن الإستراتيجي بين العرب وإيران.في النهاية، مضحك مثل هذا التركيز على عودة الهاشميين الذي في أساسه تكهنات وضعها في شكل نقاط السكرتير الخاص لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، قبيل لقائه الملك عبدالله الثاني في 25 فبراير 2003. لم يكن في اللقاء أي حديث عن الهاشميين في العراق وعن دور الأردن في تحديد مستقبل هذا البلد. لم يحد عبدالله، عن خط أساسي رسمه منذ ظهور بوادر اجتياح أميركي للعراق. عمل منذ البداية من أجل تفادي حرب بات يعرف أنّه لا يمكن تفاديها من دون خروج صدّام حسين من السلطة.يؤكّد هذا الواقع أنّّه في أغسطس 2003، التقى عبدالله الثاني، جورج بوش الابن، في البيت الأبيض. حذره من النتائج التي ستترتب على الحرب، لكنه لم يلق أذنا صاغية، خصوصاً بعدما وجد أنّ الرئيس الأميركي مقتنع بالحرب وحتميتها. برّر بوش الابن موقفه بأسباب واهية من بينها أن الله، عزّ وجلّ، أمره بالتخلّص من صدّام حسين.استوعب الأردن منذ العام 1995 خطورة بقاء صدّام حسين، حاكما للعراق. حاول الملك حسين، رحمه الله، إقناع الرئيس العراقي الراحل بتغيير سلكوه واستيعاب النتائج المترتبة على قراره اجتياح الكويت في العام 1990. لكنّ كلّ جهوده باءت بالفشل. شملت جهود الملك حسين، وقتذاك، إرسال رئيس الديوان الملكي مروان القاسم، إلى بغداد صيف العام 1995 مع رسالة من ثلاث نقاط إلى صدّام. لكنّ الأخير قابل النقاط الثلاث بنوع من الاستهزاء ولم يرد عليها. كانت النقطة الأولى خاصة بالتعاطي مع قرارات مجلس الأمن كقرارات سياسية لا علاقة لها بالقانون الدولي. والنقطة الثانية بالتوقف عن تقديم مكافآت إلى عائلات منفذي العمليات الانتحارية من الفلسطينيين. أمّا النقطة الثالثة فكانت تتعلق بإجراء بعض الإصلاحات الداخليّة في العراق من نوع السماح بوجود تعددية حزبية وإجراء انتخابات في ظلّ حد أدنى من الشفافية!أدرك الأردن في كلّ وقت أهمّية العراق. تعاطى مع أمر واقع نشأ في العام 1958. لم يرّ في الحرب الأميركية على العراق فرصة لعودة الهاشميين إلى حكم البلد. ينحصر كلّ ما أراده في الحؤول دون أن يكون العراق مصدر تهديد للمملكة لا أكثر. في النهاية إن الأردن يعرف حدوده ويعرف ما يستطيع عمله وما لا يستطيع عمله ويعرف خصوصاً أن عليه إقامة علاقات طيبة وطبيعية مع كلّ من يمسك بالسلطة في بغداد.الغريب إثارة موضوع الهاشميين والعراق ولماذا الآن بالذات، إنه توقيت غريب قد لا يكون بريئاً. قد يكون الموضوع مرتبطاً بسياسة أردنية واضحة في ما يتعلّق بالموقف الحازم والحاسم لعبدالله الثاني، في كلّ ما من شأنه منع إسرائيل من تهجير فلسطينيي الضفّة الغربيّة إلى الضفة الشرقية... أي إلى الأردن!

مقالات

عبدالعزيز الكندري

الديوانية الكويتية... وهوس التصوير
أدرجت الكويت ملف «الديوانية» على القائمة التمثيلية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وكان ذلك خلال أعمال الدورة الـ 20 للجنة الحكومية الدولية لاتفاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي المنعقدة في القلعة الحمراء بالعاصمة الهندية (نيودلهي).وقال رئيس وفد الكويت الأمين العام المساعد لقطاع الآثار والمتاحف بالتكليف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب محمد بن رضا، في كلمته، إن «هذا اليوم يعد محطة استثنائية في المسيرة الثقافية لدولة الكويت، إذ يمثل إدراج الديوانية أول ترشيح فردي تتقدم به البلاد إلى اللجنة الدولية لاعتماده ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية».وتكمن أهمية هذا الأمر أنه يعزز الإدراج مكانة الديوانية كعنصر أساسي في التراث الكويتي الحي ويرسخ دورها كملتقى اجتماعي وسياسي مهم عبر التاريخ وتعلم الشباب العادات والتقاليد وكيفية التعامل مع الآخرين، وجاء الإدراج بعد سنوات من العمل على إعداد الملف وتقديمه، بالتعاون مع اتحاد دواوين الكويت. إلى جانب إعلان إدراج «البشت» ضمن ملف قدم بشكل عربي مشترك بمشاركة الكويت ودول الخليج وبعض الدول العربية.والديوانية الكويتية تعتبر مؤسسة اجتماعية تمثل قلب الحياة في الكويت، وهي ليست مجرد مكان وملتقى للضيافة بل منتدى عائلي واقتصادي وثقافي، ومكان لتعزيز الترابط بين الجيران عبر جلسات يومية أو أسبوعية تجمع مختلف أطياف المجتمع لمناقشة قضاياهم، وتطورت من مجالس خاصة لفئات معينة مثل الأثرياء والوجهاء إلى ظاهرة تشمل الجميع، خصوصاً في رمضان مع الغبقات، وشهدت تطورات مع الحداثة مع الحفاظ على جوهرها ومراكز للتكافل والتعارف، كما لعبت أدواراً محورية في فترات تاريخية مهمة في تاريخ الكويت.وبعد النفط والحداثة وانتشار الثروة أدى إلى تحديث الدواوين وتزيينها، وتنوعت لتشمل دواوين للشباب، وكبار السن، والمثقفين، مع ظهور «اتحاد دواوين الكويت» للحفاظ على التقاليد، ودور الديوانية يكمن في تعزيز الروابط الأسرية والقبلية، وتكوين التحالفات الاجتماعية، وتسهيل الزواج.لكن في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة مثيرة للدهشة والاستغراب، فقد أصبح زوار الدواوين والمجالس مهتمين بالتقاط صور للديوانية وديكوراتها وشكلها وصور شخصية لأنفسهم (سيلفي) مع هذه الأعمال أكثر من اهتمامهم بالجلوس مع بعض والحديث مع صاحب الديوان، وأصبح هناك تسابق وتفاخر في تصوير الدواوين والطعام الذي يقدم للضيوف مع كل أسف، وهذا السلوك أدى إلى سرقة اللحظة الحالية. ورغم أن التقاط الصور يبدو حلاً مثالياً لإشباع جزء من رغبتنا في الامتلاك والنشر في وسائل التواصل، لكنه يجعلنا منشغلين بالتصوير فنغفل عن الحديث مع الموجودين في الديوان.والواقع يقول إن معظم الناس أصبحوا مضطرين مع كل أسف إلى وضع الكاميرا بينهم وبين أي شيء مثير للانتباه أو مميز يقابلهم، ويصورون كل شيء يقابلهم في الحياة، حتى أصبح تقييمهم للمكان بناء على الصورة التي يودون التقاطها وليس الاستمتاع بالمكان. وما يجعل التصوير يعميناً عن رؤية الجمال الموجود.لذلك أصبحنا في عصر هوس التصوير والانغماس المفرط في التقاط الصور ونشرها ما تفقدنا اللحظة الحقيقية، وتشويه الهوية الذاتية نتيجة التركيز على الصورة المثالية للآخرين وقد تصل لمخاطر نفسية، ما يستدعي الاعتدال والوعي بأهمية الاستمتاع بالحياة بدلاً من توثيقها فقط.وللعلم، فإن ليس كل شيء قابلاً للتصوير والنشر خصوصاً إن لم يتم الاستئذان من صاحب الديوان، بل على العكس لا بد من التأني في مشاركة المحتوى المفيد أو المميز، والذي يحمل قيمة وإضافة للآخرين.

د. عبدالله سهر

سفيرا الشرق... الزمانان ومعرفي... حين تصبح للدبلوماسية معانٍ
لا تُقاس الدبلوماسية بعدد البيانات والتصريحات ولا بصرامة البروتوكول وحده، بل تُقاس قبل ذلك بقدرة صاحبها على أن يجعل من حضوره رسالة، ومن سلوكه مرآة لوطنه، ومن الموزاييك الصغيرة الملونة جسوراً واسعة بين الثقافات المتعددة. وفي أسفار الشرق، بين طوكيو وشنغهاي، تتجلّى هذه الحقيقة في وجوه رجال أدركوا أن تمثيل الدولة ليس وظيفة فحسب، بل مسؤولية أخلاقية ومعرفية وإنسانية.حين أمضيت فترة كأستاذ زائر في جامعة واسيدا بطوكيو، ومحاضر في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، بدا لي أن التجربة الأكاديمية، على عمقها وثرائها، لم تكن وحدها ما يمنح الرحلة معناها الأوسع. فقد شاءت الأقدار أن ألتقي بنماذج دبلوماسية كويتية نادرة، لا تحضر بأسمائها ومناصبها فقط، بل بحضورها الإنساني الذي يترك أثراً أبقى من نقش الكلمات على الحجر.في طوكيو، مدينة الشمس الصاعدة التي لا تكشف أسرارها إلا لمن يُحسن الإصغاء، التقيت بسعادة السفير سامي الزمانان. لم ينتظر دعوة رسمية أو موعداً بروتوكولياً، بل بادر، في اليوم التالي لوصولي، بزيارة كريمة إلى فندق إقامتي. كانت تلك المبادرة في ظاهرها بسيطة، لكنها في جوهرها تكتنز الكثير عن رجل يفهم الدبلوماسية بوصفها فن اتقان القرب لا فن إبقاء المسافة، وبحسن دفء المبادرة لا برسمية برودة الإجراءات.أبا براك، لم يكن مضيفاً كريماً فحسب، بل بدا لي كمن يحمل السفارة في قلبه أينما ذهب. كان البيت الآمن لكل كويتي قصد اليابان طالباً للعلم أو المعرفة، والسند الهادئ الذي يمنح الطمأنينة بروح طيبة.في حضوره متابعة دقيقة، وفي سلوكه ذكاء متوقد، وفي عمله إيمان راسخ بأن الدبلوماسي الحقيقي هو من يُجيد الإصغاء بقدر ما يُحسن الكلام. ويسنده في ذلك رجال ونساء أفذاذ في السفارة وعلى رأسهم المتألق الشيخ جابر الصباح، الذي حرص على حضوره في إحدى محاضراتي في الجامعة كي يساند ويشارك ويعطي بُعداً جديداً لمعنى الدبلوماسية الثقافية.وقد تجلّى أثر هذا النهج في علاقاته الواسعة داخل المجتمع الياباني، حتى مع أطفال المدارس الذين أحبوه، فأحبوا معه الكويت، وردّدوا نشيدها الوطني ببراءة تختصر المعنى الأعمق للدبلوماسية الناعمة.كما كان حريصاً على مد خيوط الذاكرة المشتركة مع المثقفين اليابانيين الذين درسوا في الكويت أو عاشوا فيها، ليحول التجربة الإنسانية إلى نبع دائم يسقي زروع التفاهم والاحترام المتبادل.ولم تكن حركته حبيسة جدران السفارة، بل كان حاضراً في المنتديات والمحافل والندوات، محاضراً حيناً، وزائراً حيناً آخر، وممثلاً لدولته في كل حين، يرفع رايتها بثقة، ويعزّز مكانتها بهدوء، وينشر رسالتها الإنسانية بعيداً عن الصخب والتصنع.وفي شنغهاي، مدينة السحر التي لا تنام، حيث تتقاطع المصالح التجارية وتتنافس القوى السياسية، يصنع سعادة القنصل العام أنس معرفي، حضوراً كويتياً لافتاً، أشبه بضوءٍ ثابت ساطع في مدينة تعج بالأضواء المتحركة. بمعية فريقه المتماسك، لا سيما نائبه اللبق والنشط السيد سعد خليل، يؤدي معرفي، أدواراً متعددة في آنٍ واحد، وكأنه يجسّد معنى الدبلوماسي الشامل.هو حاضر في اللقاءات الرسمية، قريب من الوفود التجارية، متابع دقيق للتحولات الاقتصادية والسياسية في دولة عظمى تعيد تشكيل موازين القوة العالمية. ومع ذلك، لا يبدو مثقلاً بالوقت، بل كمن يملك ساعة تتسع لأكثر من زمن، يعرف كيف يوزع الجهد، وكيف يمنح كل ملف حقه بتروٍّ دون استعجال أو إهمال.وبوصفي باحثاً في العلاقات الدولية، وتشرفت بتدريس عدد كبير من الدبلوماسيين الكويتيين في جامعة الكويت، أدرك تماماً أن ما نشهده في تجربتي الزمانان ومعرفي، ليس مصادفة فردية، بل نتاج عمل مؤسسي متراكم، تقوده وزارة الخارجية الكويتية برؤية هادئة هادفة، تؤمن بأن الدبلوماسية ليست استعراضاً للقوة، بل إدارة حكيمة للتوازن المرن.هؤلاء الدبلوماسيون هم استثمار وطني حقيقي، يعكس هوية دولة اختارت الوسطية نهجاً، والعقلانية مساراً، والإنسان قيمة عليا في علاقاتها الخارجية. وقد تعجز اللغة، مهما بلغت بلاغتها، عن الإحاطة بفضلهم، لكن يكفي أن نقول إن الكويت، حين تُرى في وجوه هؤلاء الرجال، تُرى واثقة، متزنة، ومحل احترام لدى الشعوب والحكومات.هكذا، في الشرق البعيد، لا تكون المسافة حاجزاً، بل فرصة لاستشراف المستقبل، ولا تكون الدبلوماسية منصباً، بل معنى يتجسّد في السلوك قبل المقال، وحيثما يكون الدبلوماسي إنساناً مبدعاً قبل أن يكون موفداً رسمياً.

د. نادية الخالدي

سنة جديدة وتحارب جديد
ليست السنة الجديدة صفحة بيضاء كما نحب أن نُقنع أنفسنا، بل هي ساحة أوسع نعود إليها ونحن نحمل معنا كل ما لم يُحل، كل ما كُبت، وكل ما أُجِّل بحجة «بعد العيد» أو «مع بداية السنة». من منظور نفسي، لا يبدأ الصراع مع الزمن، بل مع الذات التي تغيّرت ولم نعترف بتغيّرها. نحن لا نحارب أحداثاً جديدة بقدر ما نواجه نسخاً قديمة منّا لم تعد تصلح للمرحلة المقبلة.العقل البشري بطبيعته لا يحب التحوّل المفاجئ. هو مبرمج على الأمان، حتى لو كان هذا الأمان مؤلماً. لذلك، مع كل سنة جديدة، يستيقظ داخلنا صراع خفي بين رغبتين: رغبة في النمو ورغبة في البقاء كما نحن. هذه هي المعركة الحقيقية. ليست مع الآخرين، ولا مع الظروف، بل مع أنماط نفسية تشكّلت عبر سنوات من التجارب، والخوف، والتعلّق، والخذلان.نحن نحارب فكرة التخلي أكثر مما نحارب الواقع. التخلي عن نسخة كانت تنجو بالصمت، عن شخصية كانت ترضي الجميع، عن معتقدات زرعت فينا أن الألم دليل قوة، وأن التحمل فضيلة مطلقة. في العلاج النفسي نرى بوضوح أن أغلب مقاومة التغيير لا تأتي من الكسل أو الضعف، بل من الخوف العميق من المجهول. الدماغ يفضّل الألم المألوف على راحة غير مضمونة.السنة الجديدة تُحرّك ما يسمى نفسياً بـ»قلق الانتقال»، وهو قلق طبيعي يظهر عند أي انتقال زمني أو نفسي كبير. لكنه يتحول إلى حرب داخلية عندما نصرّ على الدخول بوعينا القديم وأدواتنا المستهلكة. هنا تبدأ المعارك: قرارات مؤجلة، علاقات مُنهكة، أهداف لا تشبهنا، وشعور داخلي بأننا متأخرون عن أنفسنا.لكن التحارب ليس دائماً سلبياً. بعض الحروب النفسية ضرورية. هناك معارك نخوضها لنستعيد سيادتنا الداخلية، لنضع حدوداً، لنقول «لا» دون شعور بالذنب، ولنختار أنفسنا دون الحاجة لتبرير. النمو لا يحدث في مناطق الراحة، بل في لحظات المواجهة الصادقة مع الذات.السنة الجديدة لا تطلب منك أن تكون مثالياً، بل أن تكون واعياً. أن تدخلها وأنت تعرف ما الذي لم يعد يناسبك، وما الذي حان وقت إنهائه. السلام النفسي لا يأتي من تجنب الصراع، بل من خوض الصراع الصحيح. المعركة التي تستحق أن تُخاض هي تلك التي تعيدك إلى نفسك، لا التي تستنزفك لإثبات شيء للآخرين.في النهاية، ليست كل سنة جديدة بداية... بعض السنوات تكون نهاية ضرورية. نهاية نمط، نهاية دور، نهاية قصة لم تعد تعبّر عنك. ومن الشجاعة النفسية أن نعترف أن بعض الحروب لا ننتصر فيها إلا عندما ننسحب بوعي، ونختار طريقاً أكثر صدقاً مع ذواتنا.

د. خالد أحمد الصالح

حين يتكلّم الشتاء
موجةُ البرد التي تهبّ علينا تُثير في الوجدان تأمّلاتٍ لا تنتهي.فالشتاء في الكويت ليس مجرّد انخفاضٍ في درجات الحرارة، بل حالةٌ شعورية تتسلّل إلى الجسد والذاكرة معاً. هو ضيفٌ لا يطيل المكوث بيننا، لكنّه إذا حلّ غيّر إيقاع الحياة، وفرض على الناس طقوساً جديدة، من المعاطف الثقيلة إلى دفء المواقد، ومن السكون المبكر إلى الحنين الطويل.يوقظ البرد فينا إحساس الهشاشة؛ فالجسد، مهما بدا قويّاً، ينكمش أمام لسعة الريح. لكنه، في الوقت ذاته، يوقظ قيماً أخرى: التضامن، والبحث عن الدفء الجماعي، والاقتراب من العائلة.في ليالي الشتاء الباردة تتقارب الأجساد حول مدفأةٍ أو فنجان قهوة، وتتعانق الحكايات كما تتعانق الأيدي. وحين كنّا في زمن الدراسة خارج الوطن، كانت الغربة والحنين إلى الأهل يشتدّان علينا في أمسيات البرد وعصف الرياح.ومن جهةٍ أخرى، للبرد أثره الصحي الواضح؛ فهو امتحانٌ لجهاز المناعة، وقد يكون قاسياً على كبار السنّ والأطفال. لكنه يحمل أيضاً جانباً إيجابياً، إذ يخفّف من بعض الحشرات، ويمنح الأرض فرصةً للراحة، ويهيّئ التربة لمواسم الخصب القادمة. كأنّ الطبيعة، ببرودتها الموقتة، تعيد ترتيب أنفاسها.ثقافياً، ارتبط البرد في الوجدان العربي بالشعر والحنين. يقول النابغة الذبياني، في وصف ريحٍ وبردٍ قارس:كأنّ صِلالَ الأرضِ قد سُلَّ سيفُهاعليهم إذا ما هبَّتِ الريحُ زَعزَعَافهو يُشبّه قسوة الريح وحدّتها بحدّ السيوف المسلولة.أمّا جرير، فيقول:والشِّتاءُ يَغُضُّ الطَّرفَ من قِرِّهِحتى كأنَّ عظامَ القومِ تَصطَكُّويقول الفرزدق، واصفاً شدّة البرد:نبيتُ على قِرٍّ كأنَّ جلودَناإذا مَسَّها ليلُ الشِّتاءِ حَديدُفالشتاء ليس فصلَ قسوةٍ فحسب، بل فصلُ تأمّلٍ أيضاً؛ حيث يقلّ الضجيج، وتعلو الأصوات الداخلية.وهكذا، يبقى البرد رسالةً مزدوجة: قسوةٌ في الظاهر، ودفءٌ مستترٌ في العمق. يعلّمنا أن نبحث عن المعنى خلف الألم، وعن القرب وسط القسوة، وأن ندرك أنّ بعد كل بردٍ قارس... ربيعاً لا بدّ أن يأتي.فلنستمتع بأيامه القصيرة في أرضٍ تعرف قيمة الهواء البارد، وتشتاق إليه.

د. عيسى محمد العميري

25 يودّع... والأمل بـ 26
أيام معدودة وينتهي العام الميلادي 2025 والذي يكاد يُعد من الأعوام المفصلية التي شهدت تطورات كبرى على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تتابعت الأحداث الإقليمية والدولية بوتيرة متسارعة، وكان لمنطقة الشرق الأوسط نصيب وافر من هذه التحولات.فعلى الصعيد الدولي، شكّل تولي دونالد ترامب، رئاسة الولايات المتحدة الأميركية حدثاً بارزاً أعاد تشكيل ملامح السياسة الخارجية الأميركية، لاسيما تجاه قضايا الشرق الأوسط والأمن الدولي. وقد اتسمت المرحلة الأولى من ولايته بعودة الخطاب الحاد في بعض الملفات، إلى جانب التركيز على المصالح الاقتصادية والأمنية الأميركية.وفي القضية الفلسطينية، مثّل التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة أحد أهم أحداث عام 2025، بعد ما يقارب من السنتين من التصعيد العسكري والخسائر الإنسانية الكبيرة. وأسهمت الوساطات الدولية والإقليمية في تثبيت التهدئة، ما أتاح المجال أمام جهود الإغاثة وإعادة الإعمار، وأعاد تسليط الضوء على ضرورة إيجاد حل سياسي شامل للقضية الفلسطينية.أما على مستوى الأمن الإقليمي، فقد شهد جنوب لبنان تصعيداً خطيراً تمثل في الهجمات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي اللبنانية، والتي شملت غارات جوية واستهداف مواقع مختلفة. كما شهد العام سلسلة اغتيالات استهدفت قادة بارزين في حزب الله، ما زاد من حدة التوتر على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وأثار مخاوف واسعة من توسع دائرة الصراع إلى مواجهة شاملة، في ظل دعوات دولية متكررة لضبط النفس والحفاظ على الاستقرار. وضمن السياق ذاته فقد شكّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية بعد فترة طويلة من الفراغ الرئاسي تطوراً بالغ الأهمية، حيث اعتُبر خطوة أساسية نحو إعادة تفعيل المؤسسات الدستورية، وتهيئة المناخ لمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعاني منها لبنان، وسط دعم عربي ودولي لهذا المسار.وفي الإطار الخليجي، انعقاد القمة الخليجية في مملكة البحرين كان من أبرز محطات عام 2025، حيث ناقش قادة دول مجلس التعاون قضايا الأمن المشترك، والتكامل الاقتصادي، والتحديات الإقليمية، مؤكدين أهمية تعزيز وحدة الصف الخليجي ودعم الاستقرار في المنطقة.وعلى الصعيد الرياضي والاجتماعي، استضافت دولة قطر بطولة كأس العرب، التي شكلت حدثاً رياضياً وثقافياً جامعاً، وأسهمت في تعزيز الروابط بين الشعوب العربية، وأكدت قدرة الدول العربية على تنظيم بطولات كبرى بمستويات تنظيمية عالية، ما كان له أثر إيجابي على السياحة والاقتصاد.اقتصادياً، واصل العالم خلال عام 2025 مواجهة تحديات التضخم وأسعار الطاقة، إلى جانب التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة والتحول الرقمي، في محاولة لتحقيق نمو مستدام. وخلاصة القول، عكس عام 2025 مرحلة دقيقة من التحولات الكبرى، حيث تداخلت الأزمات الأمنية مع الجهود السياسية والرياضية والاقتصادية.وفي الختام نتمنى أن يكون العام الجديد 2026 عام خير ويمن وبركات، فمثلاً السعودية.. تتصدر عالمياً في نمو منظومة الابتكار وريادة الأعمال ومراكز متقدمة في الذكاء الاصطناعي ومشاركة المرأة وتطوير القطاع الصحي والبيئي. الكويت.. مكافحة المخدرات ومكافحة الاتجار بالبشر، ونمو اقتصادي غير نفطي، ومشاريع ضخمة كمطار الكويت الجديد وتطوير الجزر. الإمارات.. متحف زايد الدولي وإنجازات محلية لا تتوقف وريادة عالمية في الذكاء الاصطناعي والإستراتيجية للأمن السيبراني. قطر.. دورها الدبلوماسي وحل النزاعات وتطورها الثقافي وتقدمها بالتعليم والعمل الإنساني ورؤيتها 2030 الوطنية واستضافتها كأس العرب 2025 وتطوير قطاع الطاقة والصحة والتعليم[email protected]

د. أريج السنان

منتصف العمر... أزمة أم اتزان؟
الحياة سلسلة من المراحل، لكل منها لون مختلف، نولد ببراءة الطفولة، ونندفع بحماسة الشباب، ونصل إلى مرحلة منتصف العمر التي تمتد عادة بين الأربعين والستين. وهي مرحلة طبيعية في حياة كل إنسان، تمثل فترة النضج المتوازن، حيث يجمع الإنسان بين خبرته المتراكمة واحتفاظه بقدر جيد من الطاقة لاستثمارها في حياته الشخصية والمهنية.في هذه المرحلة يبدأ كثيرون بمراجعة حياتهم وتقييم إنجازاتهم، والتفكير في معنى ما أنجزوه وما تبقى من العمر، فهي فرصة إيجابية للنمو الذهني والاستقرار النفسي، ومن الناس من يعيش فيها متوتراً ويقع في أزمة نفسية.مثال النضج الإيجابي من يشعر بالتغيرات التي تصاحب منتصف العمر، ويتعامل معها بوعي؛ وأنها مرحلة من الاتزان والنمو بدلاً من الانغماس في القلق، وهذا هو الأصل.لكن بعض الأشخاص لا يمرون بهذه الفترة بسلاسة، بل يدخلون فيما يعرف بأزمة منتصف العمر، وهي شعور بالقلق أو فقدان معنى الحياة، قد يظهر في رغبة مفاجئة في التغيير، أو ندم على سنوات مضت بلا إنجازات، أو خوف من المستقبل.ومن أبرز السلوكيات المرتبطة بهذه الفئة -رجالا كانوا أو نساء- يعيشون شباباً جديداً يسعون للشعور بالحيوية من خلال تكوين صداقات مع شباب أو شابات من سن أولادهم، تقليد المراهقين في اختيار ملابسهم، والحديث بأسلوب شبابي مبالغ فيه، ويقضون وقتاً طويلًا مع أصدقاء أولادهم، متجاهلين مسؤولياتهم؛ غالباً ما تكون هذه التصرفات محاولة لتعويض شعور بالنقص، لكنها تؤدي إلى توتر داخلي وخارجي.حاول أن تتعامل مع من يمر بهذه الأزمة بذكاء وهدوء، مع الحفاظ على اللباقة والاحترام، بعيداً عن المواجهة أو القسوة، فالكلمة الحكيمة قد تساعده على اكتشاف قيمته الحقيقية دون أن يشعر بالإحراج، واعلم أنها لا تعتبر حالة مرضية، وإنما هي مرحلة طبيعية تحتاج إلى وعي وتفهم وصبر، عبر الإصغاء له، تذكيره بإنجازاته، وتشجيعه على توجيه طاقته نحو أنشطة مفيدة، ومن المهم وضع حدود واضحة لحماية ذاتك وتجنب المواقف المتوترة.الأهم أن يوجَّه تفكيره نحو المستقبل بمرونة؛ فالحياة لا تنتهي عند هذه المرحلة، بل يمكن أن تكون هذه المرحلة بداية جديدة بأهداف واقعية وخطوات صغيرة تعيد له ثقته بنفسه. كما أن وجود صحبة إيجابية يخفف الكثير من حدة الأزمة.منتصف العمر ليس نهاية الطريق، بل فرصة للنمو والاتزان، حسب الطريقة التي يتعامل بها الشخص مع ذاته ومع محيطه.فالحياة كلها رحلة تتكشف مع كل مرحلة؛ الطفولة، وفترة الشباب، إلى لحظات التأمل في منتصف العمر، وهي مرحلة النضج المتوازن والخبرة، ويليها مرحلة الكهولة؛ وهي وقفة مع النفس يراجع فيها الإنسان ما فات من حياته وتقييم إنجازاته.وأخيراً تأتي الشيخوخة، التي تبدأ غالباً من سن الخامسة والسبعين فصاعداً، وهي مرحلة الحكمة والخبرة الغنية، حيث يزداد التركيز على الاستفادة من التجربة الطويلة في الحياة.كل مرحلة تمنحنا دروساً تساعدنا على فهم أنفسنا وفهم الآخرين بعمق أكبر، وعند النظر إلى العمر كوحدة واحدة ندرك أن الحياة رحلة مليئة بالمعنى والحكمة، ومع كل مرحلة تظل نظرتنا إلى الحياة أنها ممر، لا تخلو خطواتك فيها من شقاء وراحة، والأهم فيها هو الرضا والقناعة.aaalsenan @

سلطان ابراهيم الخلف

بطل شاطئ «بوندي» أحمد... يصيب الصهاينة بالإحباط
اعتاد الكيان الصهيوني على استغلال أي هجوم يقع على اليهود في أنحاء العالم كما لو أنه هجوم على كيانه، ليتظاهر أمام العالم أنه ضحية كراهية لليهود، ومعاداة للسامية، للتغطية على جرائمه التي يرتكبها في فلسطين، منذ سبعة عقود من إنشائه.بعد الهجوم الذي تعرّض له يهود على شاطىء بوندي الأسترالي، وأدى إلى مقتل 16 وجرح 40 على يد أب وابنه ذوي الأصول الهندية، وعلى الفور ظهر الإرهابي نتنياهو، على وسائل الإعلام يتظاهر بالحزن، ممثلاً دور الضحيّة، مدافعاً عنهم كما لو أنه الوصي على يهود العالم، الذين لا يعترف الكثيرون منهم بوصايته عليهم، وينددون بجرائمه في غزة، ويتهمونه بأنه السبب وراء العداء لليهود، والساميّة.كما وجّه الإرهابي نتنياهو انتقادات لاذعة لرئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، حمّله فيها مسؤولية التفريط في حماية اليهود في أستراليا، والتقصير في التصدّي لمعاداة السامية، ما دعا أنتوني إلى تنبيهه بعدم التدخّل في الشأن الداخلي لأستراليا، ورفض ادعائه بأن اعتراف أستراليا بالدولة الفلسطينية كان من أسباب الهجوم على اليهود.والمعروف أن الحكومة الأسترالية ندّدت بجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، على لسان وزير داخليتها توني بيرك «القوة لا تقاس بعدد الأشخاص الذين يمكنكم تفجيرهم أو بعدد الأطفال الذين يمكنكم تركهم يتضورون جوعاً»، وهو ما أثار حفيظة الإرهابي نتنياهو واتهم فيها ألبانيز بالضعف وخيانة كيانه الصهيوني.لكن الصاعقة الأشد التي أصابت الإرهابي نتنياهو وأفقدته صوابه، وفوتّت عليه فرصة الدعاية لمظلومية اليهود، وإرهابية المسلمين، هي أن الذي أنقذ أرواح البقية الباقية من اليهود المحتفلين بمناسبتهم الدينية، الحانوكا، هو سوري مسلم اسمه أحمد الأحمد، استطاع أن يباغت المهاجم مطلق النار، وينزع سلاحه، ويُصاب برصاصتين معرّضاً بذلك حياته للخطر.سيناريو الدعاية اليهودية الصهيونية كالعادة، هو اتهام المسلمين بالإرهاب، إذا كان المهاجم مسلماً، مع أن هناك العديد من الأوروبيين والأميركيين من المسيحيين البيض، ارتكبوا حوادث شبيهة بحادث بوندي ضد اليهود في بلدانهم، دون أن يشار إليهم على أنهم إرهابيون مسيحيون، رغم تنامي شعبية اليمين المتطرّف المسيحي في أوروبا وأميركا المعادي لليهود.وسائل الإعلام اليوم، أطلقت على أحمد الأحمد، وصف «بطل بوندي»، مزاحمة بذلك الدعاية الصهيونية، التي تريد سرقة الحادث، وتحويله إلى عزاء وأحزان لصالح الكيان الصهيوني، ولفت أنظار العالم عن الجرائم الفظيعة التي يرتكبها في غزة، والضفة الغربية.بطل بوندي أحمد الأحمد، أحرج الرئيس الأميركي ترامب، واضطر مكرهاً، لأن «يصف أحمد بالشجاع الذي أنقذ العديد من الأرواح». الأمر الذي سيساهم في عدم تقبّل السرديّة الصهيونية التي تصف المسلمين بالإرهابيين، والتي تطالب بطردهم من أميركا وأوروبا.«ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» (الأنفال 30).

حمد الحمد

المبدع... الحلقة الأضعف
تحدثت معه وفي صدره غصة، يقول والدنا مبدع معروف واسمه على كل لسان، أخذوا قصة حياته وتم إنتاجها عملاً تجارياً كفيلم بدون إذن من ورثته وجنوا أرباحاً طائلة، وما كتبه من أغان تغنى في حفلات تجارية متجاهلين حقوق والدنا كشاعر، وإن اتجهنا للقنوات الرسمية نطالب بالحقوق فإن الطريق طويل ومتعب، وحتى أتعاب المحاماة والرسوم عالية.ويقول ابن الشاعر: كنت في حفلة وكان هناك فرقة تغني أغنية والدي الشهيرة، وسألت الذي بجانبي من هو مؤلف الأغنية؟ وكان والدي، فقال هذه أغنية من التراث قلت له: (الأغنية كتبها والدي، رحمه الله، وقد سجلت وبثت من تلفزيون الكويت في فترة الستينات ومن غناء فلان وألحان فلان). هنا نظر لي باستهجان وكأنني أكذب.وسمعت حكاية غريبة وهي أن أحد الشباب قام بإعادة كتابة مسرحية لمؤلف معروف، وقدمها لجهةٍ رسمية لإثبات أنه هو المؤلف الأصلي وأن له حقوقاً.وأعرف شاعراً قال لي: كتبت قصيدة ونشرت في إحدى المجلات المهتمة بالشعر الشعبي، وبعد فترة وصلني خبر أن كلماتها تغنى ونزلت بشريط ، لكن ليس باسمي كشاعر، إنما باسم مستعار لإمرأة، وضاع الحق والفرح.لكن أطرف وأغرب حدث مر عليّ هو أن شخصاً ما سأل الذكاء الاصطناعي عن الأغنية الشهيرة (هيلا يا رمانة)، وكانت إجابته: إن صاحب الأغنية وأول من غناها هو المغني الأردني عامر الخفش، وقد صدرت في شريط عام 1992 واكتسب المطرب شهرة بسببها ليومنا هذا، لكن هنا الذكاء الاصطناعي تحول إلى غباء اصطناعي، لأن أغنية (هيلا يا رمانة) أغنية كويتية والكل يعرف ذلك، ومن شعر الشاعر علي الربعي وألحان وغناء الملحن الكويتي المعروف عبدالحميد السيد، رحمهما الله ، وسجلت لتلفزيون الكويت بالأسود والأبيض عام 1969.وهذه الأيام هناك (هبة) أو موضة في الكثير من الدول حيث شركات تقيم حفلات تجارية بتذاكر شباك لأغانٍ قديمة بدون أخذ إذن من أصحاب الحقوق الأصلية وهنا تضيع الحقوق.هنا يتأكد لنا من تلك الشواهد أن المبدع هو الحلقة الأضعف، لكن كما هو معلوم أن حقوق المبدع سواءً كان شاعراً أو فناناً محفوظة لفترة حياته، وكذلك لفترة خمسين سنة بعد الوفاة، هنا هل بالإمكان توعية أجيال جديدة بحقوق كهذه؟!