No Script

توقّع أن يبلغ نمو القطاع غير النفطي 2.5 في المئة هذا العام

«صندوق النقد»: الكويت لا تزال معرضة لمخاطر محتملة... داخلياً وخارجياً

تصغير
تكبير
15 في المئة عجز الموازنة من الناتج الإجمالي خلال السنوات الخمس المقبلة

نمو القطاعات غير النفطية كان متواضعاً خلال العامين الماضيين

التدابير الحكومية ستقلص الإنفاق الجاري بـ 3.2 مليار دينار

التضخم السنوي إلى 2.5 في المئة العام المقبل

إجمالي الأصول الأجنبية التي تُديرها «الاستثمار» ستواصل الزيادة

الالتزام باتفاق «أوبك» سيؤدي إلى انكماش الناتج المحلي 2.5 في المئة هذا العام

من المهم إدخال ضرائب جديدة وخطط لإعادة تسعير الخدمات الحكومية

ترشيد البدلات والعلاوات وتنفيذ إصلاح شامل للمرتبات والأجور

إعادة تنظيم تعويضات القطاعين بغية تعزيز اتساقهما

ضبط الإنفاق حسّن المالية العامة لكن الاحتياجات التمويلية لا تزال ضخمة
رأت بعثة صندوق النقد الدولي إلى الكويت، أن نمو القطاعات غير النفطية كان متواضعاً خلال العامين الماضيين، في حين جاءت معدلات التضخم السنوي معتدلة، إذ تعافى معدل النمو في الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية بعد الفتور في 2015.

وتوقّعت البعثة في بيانها الختامي، أن يصل النمو الخاص بالقطاع غير النفطي إلى نحو 2.5 في المئة هذا العام، مقارنةً بنحو 2 في المئة عام 2016 مدفوعاً بتحسّن الثقة، فيما ترى أن الكويت لا تزال معرضة لعدد من المخاطر المحتملة الداخلية والخارجية، إذ يُمكن أن يؤدي انخفاض أسعار النفط على المدى المتوسط إلى زيادة العجز واحتياجات التمويل، مما يجعل الحكومة عُرضةً للتحولات في توجهات أسواق المال العالمية.


وإجمالاً، فإن انخفاض إنتاج النفط بنحو 6 في المئة في إطار التزام الكويت باتفاق تخفيض حصص الإنتاج لدول «أوبك» سيؤدي إلى أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكماشاً في 2017 بنحو 2.5 في المئة، مقارنةً بنمو بنحو 2.2 في المئة خلال 2016.

من جهة أخرى، ورغم تأثير ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والمياه، إلاّ أن معدلات التضخم بقيت في مسار سيؤدي إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، لتصل إلى نحو 1.75 في المئة هذا العام، مدفوعة بانخفاض إيجارات المساكن والتطورات المواتية لأسعار المواد الغذائية.

وعلى صعيد الحساب الجاري لميزان المدفوعات، فقد سجل في 2016 أول عجز له منذ سنوات عديدة، وبنحو 5 مليارات دولار أو ما نسبته نحو 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعاً بانخفاض أسعار النفط. ومن المتوقع أن يتحسن وضع الحساب الجاري مع انتعاش أسعار النفط ليصل إلى وضع متوازن على نطاق واسع هذا العام.

ولفت تقرير البعثة إلى تحسّن وضع المالية العامة على خلفية ضبط الإنفاق العام، ولكن الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة لا تزال ضخمة، حيث تحسّن وضع العجز غير النفطي للموازنة العامة العام الماضي، ما يعكس المزيد من الجهود الحكومية الرامية إلى تقليص الإنفاق الجاري، بالإضافة إلى أثر تخفيض دعم الطاقة (بنحو ملياري دينار).

وستؤدي هذه الجهود إلى تقليص الإنفاق الجاري بنحو 3.25 مليار دينار على مدى العامين المقبلين. وشهدت الموازنة العامة في السنة المالية 2016 /‏‏‏2017 (باستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية، وبحساب مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة) عجزاً كبيراً للسنة الثانية على التوالي، يعادل نحو 17.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد غطت الحكومة الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة من خلال السحب من أصول صندوق الاحتياطي العام، والاقتراض المحلي، والبدء الناجح في بيع السندات السيادية الدولية.

المالية العامة

توقّع التقرير أن تكون آفاق المالية العامة الكلية متوسطة الأجل مواتية بوجهٍ عام، رغم بقاء الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة كبيرة، علاوة على ارتفاع النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي علي المدى المتوسط. فالتحسّن في تنفيذ المشاريع في إطار الخطة الإنمائية الخمسية، وتحسّن الثقة سيدعمان الانتعاش التدريجي في نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية ليصل إلى نحو 4 في المئة.

ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الحقيقي للقطاع النفطي إلى نحو 4.5 في المئة في 2018، مع انتهاء اتفاق تخفيض حصص الإنتاج دول «أوبك» (حسب الافتراض الأساسي للبعثة)، والتوسّع في الإنتاج النفطي تدريجياً بعد ذلك تماشياً مع خطط الاستثمار في هذا القطاع. كذلك من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم السنوي إلى نحو 2.5 في المئة خلال 2018، وأن يصل إلى نحو 3.75 في المئة خلال 2019، مدفوعاً بإدخال ضرائب جديدة (ضريبة القيمة المضافة)، ويستقر بعد ذلك عند مستويات تقل عن 3.2 في المئة.

كما أن الانتعاش التدريجي في إنتاج النفط وأسعاره، سيحافظان على توازن الحساب الجاري لميزان المدفوعات على نطاق واسع خلال فترة التوقعات.

ومن المتوقع أيضاً بقاء الوضع الكلي للمالية العامة قريباً من الوضع التوازني. فعلى رغم الارتفاع الأخير في أسعار النفط، يفترض السيناريو الأساسي أن تتراوح أسعار النفط عند نحو 49 دولاراً للبرميل خلال السنوات 2017 - 2019، وتزداد لتصل إلى نحو 52 دولاراً للبرميل على المدى المتوسط، بما يتفق عموماً مع أسواق العقود الآجلة. كما يأخذ هذا السيناريو بالاعتبار الأثر المالي لادخال ضريبة القيمة المضافة، والرسوم على التبغ والمشروبات السكرية، وبعض الزيادات في أسعار الخدمات الحكومية، والالتزام الكامل لمدة 3 سنوات بسقف الإنفاق العام الذي تم الإعلان عنه أخيراً.

وذكر التقرير أنه مع ذلك، يبقى إجمالي الاحتياجات التمويلية للموازنة العامة كبيراً. وبموجب السيناريو الأساسي، فإن الموازنة العامة (شاملةً مخصصات صندوق احتياطي الأجيال القادمة، وباستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية) ستُسجل عجزاً مالياً سنوياً بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المالية الخمس المقبلة، وينتج عن تلك العجوزات احتياجات تمويلية تراكمية إجمالية بنحو 100 مليار دولار، وستستمر تغطية هذه العجوزات من خلال إصدارات محدودة من الاقتراض المحلي، والاقتراض الخارجي، والسحب من أصول صندوق الاحتياطي العام. وبالرغم من أن السيناريو الأساسي سيؤدي إلى تراجع رصيد المصدات المالية الذي توفره أصول صندوق الاحتياطي العام المتاحة، إلاّ أن إجمالي الأصول الأجنبية التي تُديرها الهيئة العامة للاستثمار سيواصل الزيادة بالقيمة الاسمية.

كما ستكون هذه التطورات مواتية بشكل عام للاستقرار المالي ونمو الائتمان، بالرغم من وجود مخاطر سلبية على جودة الأصول. إلاّ أن مصدّات امتصاص الخسائر لدى البنوك مرتفعة، وسيولة القطاع المصرفي وفيرة.

المخاطر المحتملة

ولفت «الصندوق» إلى أنه في حال تراجع إقبال المستثمرين على سندات دول الخليج، يُمكن أن تواجه الكويت في هذه البيئة المفاضلة بين إصدار المزيد من الديون المحلية، التي تؤدي إلى مزاحمة الائتمان المقدم للقطاع الخاص، أو السماح للمصدات المالية المتوفرة بالانخفاض.

ومع ذلك إذا ما استمر الارتفاع الأخير في أسعار النفط، فإنه يشكل مخاطر على الرغم من أن ذلك قد يقابله انخفاض في الإنتاج عما هو مفترض حالياً بموجب اتفاق «أوبك» في حال تم تمديده. كما أن المخاطر الأمنية المتزايدة في المنطقة والبيئة الجيوسياسية المتقلّبة يُمكن أن تؤثر أيضاً على الثقة والاستثمار والنمو.

وقد تؤدي الظروف المالية العالمية الأكثر تشدداً، في ظل تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة الأميركية، إلى زيادة تكاليف التمويل والمخاطر بالنسبة لكل من الدول والبنوك. وعلى الصعيد المحلي، تتمثل المخاطر الرئيسية في احتمال تأخير الإصلاحات وتنفيذ المشاريع الذي يُمكن أن يترتب عليه نمو أقل وعجز مالي أكبر.

في المقابل، وفي حين أن التكيّف المالي قد يُضعف آفاق النمو غير النفطي على المدى القصير، إلاّ أن توجيه الإنفاق العام نحو الاستثمار المعزِّز للنمو، والإنفاق الحكومي الأكثر فاعلية، ومكاسب الثقة ذات الصلة، سيعود بالنمو في الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية إلى نحو 4 في المئة بحلول 2022.

وعلى المدى الطويل، يُمكن للإصلاحات الهيكلية أن ترفع النمو في الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية إلى ما يفوق 5 في المئة من خلال تعزيز الاستثمار وزيادة نمو الإنتاجية. ويقدر السيناريو التوضيحي للبعثة أن التصحيح المالي والإصلاحات الهيكلية المقترحة أدناه قد يؤديان بعد 10 سنوات إلى رفع قيمة الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات غير النفطية بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة فوق قيمته ضمن السيناريو الأساسي، وستؤدي تلك الاصلاحات إلى تنويع اقتصادي أكبر.

خطوات مبكرة

رحبت البعثة بإصلاحات المالية العامة المُخطط لها، وأكدت تُشجيعها خطوات مبكرة للحد من مخاطر التنفيذ.

ترشيد الإنفاق العام، مع تعزيز إدارة المالية العامة: رأت البعثة مجالاً لتحقيق وفورات كبيرة في الإنفاق العام بعد الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام خلال فترة أسعار النفط المرتفعة.

ولفتت إلى أن السلطات الكويتية تنظر في قائمة شاملة من الخيارات الممكنة لتحقيق سقوف الإنفاق العام المُقررة حديثًا، بما في ذلك تشديد الضوابط على التحويلات، والحد من جوانب القصور في النفقات الجارية والرأسمالية، ومراقبة نمو فاتورة الأجور والمرتبات، وتحسين عمليات الشراء الحكومية، بالإضافة إلى استمرار الجهود الحكومية الرقابية الرامية إلى تعزيز الضوابط على الإنفاق العام التي تُساعد على الحد من مخاطر التنفيذ، وتصبح تلك السقوف القصوى أكثر إلزاماً بمرور الوقت. كذلك من شأن الإصلاحات الرامية إلى تحسين فاعلية التنفيذ أن تتيح تغيير ترتيب أولويات الإنفاق العام.

تنويع قاعدة الإيرادات العامة، مع تعزيز الإدارة الضريبية: لبناء قاعدة أوسع للإيرادات غير النفطية من المهم إدخال ضرائب جديدة وخطط لإعادة تسعير الخدمات الحكومية، وذلك في ظل القابلية المرتفعة جداً للإيرادات العامة للتأثر بتقلبات أسعار النفط. وتشجع البعثة السلطات على التعجيل بالعمل التحضيري لتجنب التأخير في التنفيذ. أخذاً في الاعتبار تعقّد واتساع نطاق كل من ضريبة القيمة المضافة وإصلاحات الرسوم، مع أهمية اقتران تلك الإصلاحات ببذل جهود لبناء القدرات على إدارة شؤون الضرائب من أجل تعظيم أثر تلك التدابير على الإيرادات العامة.

هناك حاجة إلى المزيد من الجهود الطموحة لجعل الموازنة العامة أقرب إلى المستويات التي تنطوي عليها اعتبارات الإنصاف بين الأجيال. ووفقًا لتقديرات البعثة، سيكون عجز (فجوة) الموازنة العامة غير النفطي أعلى من الرصيد الذي يتّسق مع اعتبارات الإنصاف بين الأجيال في مجال المحافظة على المستويات المعيشية المرتفعة، وتقدر تلك الفجوة بنحو 18 في المئة من الناتج المحلي غير النفطي بحلول عام 2022. ولذلك هناك حاجة لمزيد من الإصلاحات لتقليص هذه الفجوة لضبط أوضاع المالية العامة، وتقليل الاحتياجات التمويلية، والمحافظة على المصدات المالية السائلة، والحد من الزيادة المتوقعة في المديونية الحكومية.

ويشير تقييم البعثة للقطاع الخارجي إلى وجود فجوة معتدلة في الحساب الجاري يمكن تغطية الجزء الأكبر منها عن طريق توجيه رصيد الموازنة العامة إلى مستويات متسقة مع اعتبارات الإنصاف بين الأجيال.

إصلاحات إضافية

أوصت البعثة في بيانها الختامي بإصلاحات إضافية متدرجة لسد الفجوة، تسمح بتحقيق اعتبارات الإنصاف بين الأجيال خلال 10 سنوات. وتتيح المصدات المالية الكبيرة وانخفاض الدين العام حيّزاً مالياً ضرورياً لتنفيذ الإصلاحات اللازمة بوتيرة محسوبة للتخفيف من التأثير السلبي المحتمل على النشاط الاقتصادي في المدى القصير.

ويستلزم ذلك تقليص عجز الموازنة العامة (بعد استقطاع مخصصات صندوق الأجيال القادمة واستبعاد دخل الاستثمارات) من نحو 17.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2016/‏‏‏ 2017 إلى نحو 9 في المئة بحلول 2022.

بالرغم من أن التدابير الأخرى لتنويع الإيرادات العامة ستساعد على تحقيق هذا الهدف، إلاّ أن الجزء الأكبر من الجهد الإضافي يأتي من تقليص الإنفاق الجاري، حيث تدعم البعثة أهدافاً أكثر طموحاً لإعادة تسعير الخدمات الحكومية. وسيساعد الإصلاح الذي يهدف إلى توسيع قاعدة ضريبة دخل الشركات لتشمل جميع الشركات العاملة في دولة الكويت على تعزيز الإيرادات غير النفطية مع تحقيق تكافؤ الفرص، والقيام بالإصلاحات الهيكلية للموازنة العامة لمعالجة الجمود في الإنفاق الجاري والحد من الهدر. كما أن الزيادة الكبيرة في الإنفاق العام على مدى العقد الماضي جاءت مدفوعةً بزيادة الإنفاق الجاري وجموده، ولاسيما فاتورة الأجور والمرتبات، ودعم الطاقة والتحويلات إلى الأسر والشركات.

الأجور والمرتبات

أكدت البعثة أن السيطرة على فاتورة الأجور والمرتبات أمر بالغ الأهمية لتعزيز التكيّف المالي ونمو القطاع الخاص وخلق فرص العمل. فينبغي على السلطات أن تبني على التدابير التي حددتها لترشيد البدلات والعلاوات وتنفيذ إصلاح شامل للمرتبات والأجور يرمي إلى تبسيط وانسجام هيكل المرتبات والأجور وتعزيز التعويضات القائمة على المهارات المتكافئة وإعادة تنظيم التعويضات في القطاعين العام والخاص لتعزيز الاتساق بينهما.

كما أن هذه الإجراءات لن تولّد وفورات مالية فحسب، بل ستُساعد على تعزيز الحافز لدى المواطنين على النظر في فرص العمل في القطاع الخاص، ودعم القدرة التنافسية للقطاع الخاص، وتسهيل تنويع الاقتصاد على نحو يعظّم مشاركة المواطنين. إن الحد من نمو التوظيف في القطاع العام ينبغي أن يكون جزءًا من إصلاحات أوسع للقطاع العام مصحوبة بجهود لتعزيز فرص العمل في القطاع الخاص وتشجيع المبادرات لدى الشباب.

اعتبرت البعثة أن خفض الدعوم، بما في ذلك أسعار المشتقات النفطية، والتحويلات يُمثّل مصدراً رئيسياً محتملًا لمكاسب الكفاءة والادخار، حيث اتخذت الحكومة الكويتية خطوات أولية مهمة على مدى العامين الماضيين برفع أسعار المشتقات النفطية، وإعادة تسعير الخدمات الحكومية، وترشيد الدعوم والتحويلات الأخرى، بما في ذلك مصاريف العلاج الطبي في الخارج.

ومع ذلك، تبقى فاتورة إجمالي الدعم والتحويلات ضخمة. وبالإضافة لتكاليفها المرتفعة فإن الدعوم والتحويلات غير الموجهة تؤدي إلى المبالغة في الاستهلاك والتخصيص غير الكفؤ للموارد، وتفيد الموسرين أكثر من المحتاجين. كما أن وضع استراتيجية توعوية مصممة بشكلٍ جيد سيُساعد في بناء توافق في الآراء في شأن هذه الإصلاحات، بحيث يتم تسليط الضوء على التكاليف والاختلالات الناتجة عن الدعوم والتحويلات. إلى جانب ذلك، فإن التدابير التعويضية الممكنة للأكثر عرضةً للتأثر سلباً بتلك الإصلاحات ستساعد على بناء توافق على تلك الإصلاحات.

وبينت أن الإصلاحات الإضافية تخلق حيزاً لمزيد من الإنفاق العام المُعزز للنمو الاقتصادي. فإعادة توازن تركيبة الإنفاق العام مع التوجّه نحو الإنفاق الرأسمالي أمر مهم لتحسين البنية التحتية، وتشجيع مكاسب الإنتاجية، ودعم النمو على المدى الطويل. كما ينبغي أن يُستكمَل ذلك بإصلاحات في إدارة الاستثمارات العامة تستهدف تحسين اختيار المشاريع وتنفيذها، بما في ذلك تعزيز التنسيق بين مختلف أصحاب المصلحة والتنفيذ الفعال لأُطُر مكافحة الفساد.

وفي السياق نفسه، أشادت البعثة بالتقدّم المُحرَز لجهة وضع إطار مالي متوسط الأجل، حيث رحّبت بالجهود الجارية لتعزيز تخطيط الموازنة العامة، بما في ذلك الانتقال من الميزانيات السنوية إلى الميزانيات متوسطة الأجل، والتخطيط لادخال سقوف للإنفاق العام في الأجل المتوسط.

وأكدت البعثة أهمية تطوير نهج إعداد الميزانية من أعلى إلى أسفل، بما في ذلك ربط سقوف الإنفاق العام بالهدف الشامل لسياسة المالية العامة طويلة الأجل (على سبيل المثال، تحقيق اعتبارات الإنصاف بين الأجيال) ووضع مسار ثابت لتحقيق هدف وسيط من شأنه المساعدة في فصل الإنفاق العام عن تقلّبات الإيرادات النفطية. وينبغي أن ينظر تخطيط الموازنة العامة متوسط الأجل أيضاً في المخاطر المالية الناشئة عن العجوزات الاكتوارية المحتملة لصناديق التقاعد، وتعزيز التنسيق مع المؤسسات المشاركة في تنفيذ الخطة الإنمائية.

تمويل العجز

أيّدت البعثة النهج المتوازن الذي تتبعه الكويت في تمويل عجز الموازنة العامة، وتعزيز الأطر المؤسسية والقانونية ذات الصلة. وبغية مواصلة تحويل المخصصات لصندوق احتياطي الأجيال القادمة في الوقت الذي يتم فيه إصلاح وضع الموازنة العامة، تتكون استراتيجية تمويل ذلك العجز من الاقتراض المحلي المحدود لتجنب مزاحمة الائتمان المقدم للقطاع الخاص، وإصدار السندات الدولية، والسحب من صندوق الاحتياطي العام.

ويسمح ذلك للحكومة بالحفاظ على مصدّات مالية لمواجهة الصدمات مع الاستفادة من شروط الاقتراض المواتية وعوائد أعلى نسبياً على أصول صندوق احتياطي الأجيال القادمة. كما رحّبت البعثة بالجهود التي تبذلها السلطات لمعالجة العقبات القانونية لرفع سقف وأجل قدرة الحكومة على الاقتراض وإصدار سندات وصكوك أطول أجلًا. كما أن إطلاق مزادات للدين المحلي يسمح باكتشاف الأسعار وتطوير أسواق ثانوية من شأنه أن يساعد في تطوير سوق لسندات الشركات وإدارة السيولة.

سياسة الربط

اعتبرت البعثة أن سياسة ربط سعر صرف الدينار بسلة «غير معلنة» من العملات سياسة ملائمة للاقتصاد الكويتي، وتقدّم دعامة فعّالة للاستقرار النقدي. ويلتزم «المركزي» بالكامل بنظام سعر الصرف ويستخدم مختلف أدوات السياسة النقدية للمحافظة على أسعار فائدة قصيرة الأجل على الدينار الكويتي تفوق أسعار الفائدة على الدولار. وأشارت البعثة إلى أنه على المدى الطويل، ومع زيادة تنويع الاقتصاد، فإن منافع زيادة مرونة سعر الصرف قد تزداد.

قالت البعثة إن «توافر بيئة للسيولة الوفيرة يُعتبَر فرصة لتعزيز إطار إدارة السيولة. مع حداثة تطبيق معايير السيولة في بازل (3)، تتفق البعثة مع سياسة»المركزي«الحصيفة للمحافظة على متطلبات السيولة الخمس الحالية، وتشجع على إجراء عمليات إعادة تقييم دورية للمحافظة على توازن مناسب بين التنظيم السليم وتكاليف الالتزام.

وفيما يتعلق بإدارة السيولة النظامية، فإن تعزيز إطار إدارة «المركزي» للسيولة من خلال توسيع نطاق تقييمه لظروف السيولة في المدى غير القصير عن طريق التنبؤ من شأنه أن يُساعد على توقع الضغوط النظامية المحتملة. كما أشار البيان الختامي إلى أهمية وجود اتفاق رسمي لتوفير المعلومات من الكيانات الأخرى ذات الصلة مما سيُساعد بنك الكويت المركزي في هذا الشأن.

ولتعزيز مرونة القطاع المالي، يقوم«المركزي»بتقييم خيارات تعزيز إدارة الأزمات وأطر التسوية. فينبغي أن تركز الجهود على تعزيز إطار الإجراءات التصحيحية القائمة، وإنشاء نظام خاص لتسوية أوضاع البنوك، وتعزيز إطار المساعدة في السيولة الطارئة، وتخطيط استرداد الأموال، وإصلاح الضمان الشامل الحالي للودائع.

ومن شأن الإصلاحات في هذه المجالات أن تعزز نظام منسّق لتسوية أوضاع البنوك في الانضباط في السوق، وتساعد على حماية الموارد المالية، كما أن إضفاء الطابع الرسمي على الترتيبات بين الهيئات التنظيمية الرئيسية يُساعد على تحسين الاستعداد للأزمات.

الخاص والتنويع

وقال التقرير، إن بيئة الموازنة العامة الأكثر تشددا تزيد الحاجة إلى الإصلاحات الهيكلية التي تعزز تنمية القطاع الخاص، والتنويع الاقتصادي، وخلق فرص العمل. ويتطلب التحول من نموذج النمو المستنِد على القطاع العام إلى نموذج يقوده القطاع الخاص إيجاد حوافز للإقدام وريادة الأعمال، وتعزيز الإنتاجية والقدرة التنافسية، وتشجيع المبادرات الخاصة والاستثمار.

وأوضح أن معالجة أوجه الخلل في كفاءة سوق العمل أمر بالغ الأهمية. بالنظر إلى محدودية فرص العمل الجديدة في القطاع العام في المستقبل، فإن إصلاحات سوق العمل والخدمة المدنية ينبغي أن تشجع على خلق وظائف للمواطنين في القطاع الخاص والبحث عنها، كما يتطلب ذلك تحسين مواءمة الأجور والمزايا في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى الإصلاحات التعليمية الجارية لمعالجة أوجه عدم التوافق في المهارات، وتشجيع شركات القطاع الخاص على توظيف المواطنين.

وبالرغم من إحراز تقدم في بناء أطر قانونية ومؤسسية أقوى في السنوات الأخيرة، إلاّ أن عمليات التخصيص والشراكات بين القطاعين العام والخاص لم تكتسب زخماً بعد. تشجع البعثة على التعجيل بتنفيذ عمليات التخصيص المقررة والشراكات بين القطاعين العام والخاص على أن تنفذ بشكل شفاف وتنافسي. وينبغي مراجعة الترتيبات القائمة لتحديد ومعالجة العقبات، والاهتمام للحد من التكاليف الخفية والالتزامات الطارئة للحكومة.

تُشجع البعثة التقدم المحرز في تبسيط التسجيل والترخيص وتخفيف القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر، كذلك من الضروري بذل مواصلة الجهود بما في ذلك تخفيف عبء الامتثال الجمركي وتخفيف الحواجز التجارية للمساعدة على زيادة انسيابية التجارة بين الكويت وشركائها وخفض التكاليف.

وأشار البيان إلى أن الحصول على الأراضي يُشكّل عقبة أمام الاستثمار. كما أشارت البعثة إلى أن زيادة الاعتماد على التعامل الإلكتروني من شأنه أن يُسهّل الإجراءات الإدارية اللازمة لتعزيز فرص وتنافسية القطاع الخاص.

ونوهت بأن التركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، مُرحَّب به لدورها في توليد فرص العمل. وفي هذا السياق، سيساعد التجديد الجاري في الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة كونه لا يسعى فقط إلى تعزيز فرص حصول المشاريع التجارية الصغيرة على التمويل، وإنما يهدف أيضاً إلى تدريب أصحاب المشاريع وتشجيع اندماج الشركات الصغيرة والمتوسطة على نحو أفضل في سلاسل التوريد.

ويتعاون الصندوق مع مختلف أصحاب المصلحة لتقديم الخدمات المالية لهذه المشاريع، والمساعدة على تحسين نوعية المعلومات الائتمانية، كما يستعرض مختلف وسائل التمويل، بما في ذلك المشاركة في رأس المال.

ويمكن أن يكون هذا الأخير أكثر ملاءمةً لأنواع معينة من الشركات، ولكنه سيوفّر ضمانات لحماية الموارد العامة. وتوصي البعثة بزيادة مرونة الحد الأقصى لأسعار الفائدة للسماح للبنوك بتحسين تسعير المخاطر التي تنطوي عليها المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم وتشجيع القروض المصرفية لهذا القطاع.

من التقرير

القطاع المصرفي ... متين

شدّد التقرير على بقاء القطاع المصرفي متيناً، في ظل تباطؤ طفيف في النمو الائتماني وفقًا لبيانات الربع الثاني من 2017، بينما سجلت الكفاية الرأسمالية للبنوك معدلات مرتفعة وصلت إلى نحو 18.3 في المئة، ومعدلات ربحية قوية مقاسةً بالعائد على الأصول، وصلت إلى نحو 1.1 في المئة.

كما شهدت نسبة القروض غير المنتظمة انخفاضاً، لتصل إلى نحو 2.4 في المئة، وارتفعت نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة إلى نحو 200 في المئة. وعلى صعيد محفظة الودائع، فقد تباطأ نمو ودائع القطاع الخاص في السنوات الأخيرة، وقابله جزئياً ارتفاع في ودائع الحكومة، كما قامت بعض البنوك بزيادة التمويل من الأسواق الدولية.

وبينما تباطأت معدلات النمو السنوية للتسهيلات الائتمانية المقدمة إلى القطاع الخاص منذ يوليو 2016، إلاّ أن الاتجاه الأساسي (وذلك بعد سداد قرض كبير لمرة واحدة) لذلك النمو بقي أعلى من نحو 5.5 في المئة، وبقيت السيولة لدى البنوك وفيرة. وعلى مدى العامين الماضيين، رفع«المركزي»سعر الفائدة الرسمي (سعر الخصم) تزامناً مع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي - باستثناء قرار لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية بالرفع بعد اجتماعها في يونيو 2017 - حين عمد«المركزي»لتعديل أسعار الفائدة على أدواته الأخرى بخلاف سعر الخصم، وقد ارتفعت أسعار الفائدة في سوق ما بين البنوك«إنتربنك»، وارتفعت بدرجة أقل أسعار الفائدة على القروض.

وأشار إلى الأداء المختلط للقطاعات التي تنكشف عليها البنوك بدرجة كبيرة، فقد شهد نشاط قطاع العقار تباطؤاً كبيراً على مدى السنوات القليلة الماضية، مما أدى إلى ارتفاع طفيف في القروض غير المنتظمة (NPL’s) الممنوحة لوحدات هذا القطاع.

وكان النمو في التسهيلات الائتمانية المقدمة لقطاع العقار مدفوعاً أساساً بالقروض المقسطة المضمونة بالراتب، والتي لها سجل مخاطر أقل. ومن جهةٍ أخرى، فقد شهد سوق الأسهم انتعاشاً منذ وقتٍ مبكّر في 2016، إلاّ أنها استمرت شديدة التقلّب. وشهد انكشاف البنوك على شركات الاستثمار انخفاضاً، ليصل إلى نحو 2 في المئة من إجمالي القروض.

إشادة بدور «المركزي»

ذكر تقرير البعثة أن النظام المصرفي يخضع للتنظيم الحصيف، كما أن بنك الكويت المركزي كان سبّاقاً (Proactive) في تعزيز الإشراف والرقابة التنظيمية، حيث تعمل البنوك وفقًا لضوابط بازل (3) لرأس المال والسيولة والرفع المالي.

كما يُطبّق«المركزي»مجموعة شاملة من التدابير التحوطية الكلية للحد من المخاطر النظامية. ورحّبت البعثة بالعمل المتواصل الذي يقوم به«المركزي» لمراجعة نطاق سياسته التحوطية الكلية ومراجعة أدواتها، للمحافظة على التوازن بين استباق تراكم المخاطر وتضييق نمو الائتمان.

ويلاحظ أن إنشاء لجنة للاستقرار المالي تضم جميع أصحاب المصلحة المعنيين سيُساعد في هذا الشأن. وتتميز البنوك بالقدرة على التكيف مع مختلف سيناريوات اختبارات الضغط، بما في ذلك صدمات تطول الائتمان والسيولة والسوق.

كما رحّبت البعثة بالمبادرات الجارية لتحديد الضغوط الناشئة، موصية بإجراء اختبارات الضغط العكسية كأداة تكميلية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي