No Script

ضوء

أثر العولمة على المرأة

تصغير
تكبير

كانت المرأة في العصور الوسطى تُعتبر ملكاً خالصاً للرجل، ومصيرها معلقٌ بِيَدِ زوجِها أوِّلاً ثمَّ بِيَدِ الإقطاعي، والذي كان يملك الرِّجالَ والنّساء على السواء.
كان حالُ المرأة كحال زوجها الذي يعمل في أرض الإقطاعي، وكانت كزِوْجها بائسةً جاهلةً مُحتقرةً ومِسحوقةً من قبل الإقطاعي أولا، ومن قبل زوجها المستعبد ثانياً، لذلك أطلق عليها المفكر لينين تسمية «عَبْدَةُ العَبْد».
ومنذ عصر النهضة في أوروبا، بدأت المرأة تَكْتسِبُ شيئاً من الاستقلالِ الاقتصادي والاجتماعي، فشاركت في الحياة الثقافية، ووجدت من يدافع عنها، وقد عَمِلتْ البُرجوازيَّةُ والنظامُ الجديدُ على تثبيت نِظامِ الأسرة، ومن ثمَّ شكّلت للمرأة مكانة جديدة وقيمة.


أما في عصر العَوْلمةِ الذي نَعيشهُ، فقد زادت استقلالية المرأة نِسْبيا، ونتيجة لذلك ازدادت نسبة الاستهلاك لدى الأسرةِ عامة، وعند المرأة بشكلٍ خاص في كافة المُسْتلزماتِ الأساسيّةِ والكَماليّة.
فلم تَعُدْ الأسرةُ عامّةً والمرأةُ خاصة تكتفي بالقليل من الملابس، ولم تَعُدْ الأسرة تكتفي بالقليلِ منَ الطّعامِ والشّرابِ الذي يَوفي بالغرض، بل تَمادت في استهلاك يفيضُ عن حاجتها، حتى أصبحت الدولةُ تُعاني من مشكلةِ التَّخلُّصِ من الفَضَلاتِ والمُخَلَّفاتِ.
ولم تعد الأسرة تقنعُ بالبيتِ الصّغيرِ، بل تمادت في بناءِ واقتناءِ البُيوتِ الضّخمةِ والفارهةِ والمُكلِّفة، وترتّب على ذلك المبالغة في شَراءِ وجَلْبِ الأثاث الفاخر والأدوات والأجهزة غاليَةِ الأثمانِ مِنْ أجلِ التَّفاخُرِ والتَّباهي، ناهيك عن التَّسابُقِ في اقتِناءِ الكماليات كالأجهزة والمعدّات والسّيارات، فَلمْ تَعُدْ السَّيارةُ وسيلةٌ للقيام بمُهمّةِ التوصيل والنّقل والخدمة، بل أصْبَحَ الهَدَفُ منها الظُّهور، حتى وصل الأمر إلى دفْعِ أثمانٍ باهظةٍ لأرقامِ لوحات السّيارات.
وينطبقُ الحالُ على أغْلَبِ المسْتلزمات والكماليات الأخرى، كالهواتف والتُّحفِ والمُجَوهرات وغيرها.
لكن لا أحَدَ يُنْكِر إيجابيات العولمة على المرأة، فقد ساهمت العولمةُ في تقليلِ القُيودِ الاجتماعيّةِ وقَلَّصَتِ الحَواجِزَ بينها وبين الرّجُل، فأصبحت الفتيات يستطعْنَ الوُصولَ الى ما يُردْنَ من تعليمٍ وعمل بنفسِ السّرعةِ والسّهولة التي يمتلكها الشّباب.
لقدْ ساعدَ انفتاحُ المُجتمعِ البَحريني على حضاراتٍ وثَقافات أُخرى على زيادة أثر العولمة باكتساب عاداتٍ وتقاليدَ جديدة، سواء بالسَّفَرِ إلى الخارج، أو عَنْ طريقِ وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ، مما ساهم في انتشار روح التّشاورِ في الأسرة، وهذا ما أثبتتهُ بعض الدراسات، التي أظهرت وجود اتجاه التسامُحِ نحو المرأة في الأسرة البحرينية رغم استمرار سيادةِ سُلطة الرَّجُل، وهذا يبَشّرٌ بأنَّ اتجاه التغير الاجتماعي يشير إلى وضع أفضل في المستقبل.
ومنَ النّتائج أيضاً ارتفاعُ نسبةِ مُشارَكَةِ المَرأة في سوق العمل من 14.3 في المئة عام 1981 إلى 18.7 في المئة في 1991، حتى وصلت إلى 25 في المئة عام 2001، الى أن بلغت حاليا 33 في المئة، وهي نسبةٌ جيّدةٌ مقارنةً بالدُّولِ التي لها ظروف البحرين نفسها.
كما أصبحت الفتاة البحرينيّة تتمتع بِحَقِّ القبول والرَّفْضِ عندما يتقدّم لها من يطلُبها للزواج، وبحق السفر للخارج، فنجدِ الآنَ الكثيرَ من الأسَرِ لا تُمانِعْ زواج البنتِ مِمَّنْ تُحِبْ، وأصبح مركز المرأة في الأسرة آخذ في الازدياد، وذلك بزيادة نسبة المتعلَّمات ِوالمشاركات في العمل، اللواتي أصبحن يساهمنَ مساهمةً فعّالة في ميزانية الأسرة، فأصبحَ التّعاونُ الاقتصاديُّ بينَ الزّوجينِ من سِماتِ الأسرة البحرينية. وينطبق الحال على مختلف الأقطار العربية.
وكان هدف الإمبريالية العالمية من العولمة ودخول المرأة إلى سوق العمل، شمولية فرض الضرائب على الرجل والمرأة معا، والسيطرة على عقول الأطفال والأجيال القادمة من خلال التعليم النظامي.
أمّا الأبناء، فقد أحدثت العولمة عليهم تأثيراتٍ وتغيرات نوعية شملت مختلف النّواحي الفكرية والسلوكية والعملية.
ومن الملاحظ أن حرية الأبناء في ازديادٍ مستمرّ مع تقلُّص تحكُّم الأسرة في قراراتهم وتصرُّفاتهم، ويزداد ذلك كلّما صَعَدَ الأبناء تعليميّاً وماديّاً واجتماعيّاً، أي كلما قلت حاجتهم واعتمادهم على أسرهم.
ويقولُ الباحثُ أبو بكر باقادر في دراستهِ حولَ القضايا والمُشْكلاتِ الأسريَّةِ في مُجتمعاتِ الخليجِ العربي، «إنَّ آثارَ التحوُّلاتِ نحوَ العالميَّةِ والعولَمَةِ لم تُعْطَ الأهمية الكافيةَ بَعْد، ولن نُفاجأ إنْ عَرفنا أنّه في عقدٍ أو أقل، كَمْ هيَ الفوارقُ بين أبناء الجيل الجديد والأجيال السابقة في كافة الجوانبِ الحياتية، مما يُنذِرُ بتحولاتٍ جَذْريَّةٍ ليس في مفهومِ الزواجِ والأسرةِ فَحَسْبْ، بلْ في الهويَّةِ ومعنى الحياةِ وَسُلَّمِ القيمِ في المجتمعِ»... فهل أعددنا العدة؟

aalsaalaam@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي