No Script

عفيفة اسكندرلا تقوى على الكلام بعد إرث فني حافل

«شحرورة العراق»... تعيش أوضاعاً صحية مأسوية

تصغير
تكبير
| بغداد - من حيدر الحاج |

على خُطى والدتها عاشت الفنانة العراقية الكبيرة عفيفة اسكندر فصولا من الزهو الفني منذ اكتشاف موهبتها للمرة الأولى وهي بعمر ثمانية أعوام عندما وطأت قدمها** خشبة مسرح غنائي في مدينة اربيل الشمالية، وحتى مطلع ثمانيات القرن الماضي عندما أحيت اخر حفلة غنائية على مسرح نادي الصيد الاجتماعي ببغداد، وغنت فيها اخر أغانيها يا يمة انطيلي الدربين... ويقال إن الرئيس السابق صدام حسين كان من ضمن الحضور.

فوالدتها ماريكا ديمتري - يونانية الأصل - كانت تعمل مطربة في إحدى أشهر كباريهات بغداد في ثلاثيات القرن الماضي، فضلا عن كونها راقصة وعازفة لأربع آلات موسيقية، كما تعتبر والدتها بمثابة «العرابة» ومن أكثر المشجعين لابنتها عن طريق تقديمها لنصائح وإرشادات ذات بُعد فني سارت عليها المطربة عفيفة في مشوارها الغنائي الطويل.



نبدأ بالإرث الفني لهذه الفنانة التي انزوت لفترة من الزمن امتدت لعدة سنوات بعيدا عن الساحة الغنائية والإعلامية، فاق الألف أغنية أطربت فيها مسامع أجيال من العراقيين، وتوزعت ألحانها بين الملحنين احمد الخليل وخزعل مهدي وياسين الشيخلي وعباس جميل ورضا علي وياسين الراوي.

كما أحيت مئات الحفلات والوصلات الغنائية العامة والخاصة في العراق وعدد من الدول العربية من بينها الكويت، التي تقول عنها المرأة التي ترعاها حاليا إن «لهذه الدولة الخليجية مكانة ومعزة خاصة في نفس السيدة عفيفة حسبما أبلغتني به هي قبل سنوات عندما كانت تتكلم قبل أن يسكت لسانها عن الكلام.. وهناك تذكرات مازالت تحتفظ بها جلبتها من الكويت».



علاقة بالعهد الملكي

الزهو الفني لعفيفة رافقته مكانة اجتماعية مرموقة، إذ أصبح لها شأن في المجتمع البغدادي بعد أن انتقلت إلى العاصمة لتقطن فيها عندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وتوثقت علاقتها آنذاك بالعديد من العائلات البغدادية الشهيرة والاسر المرموقة في المجتمع، وخصوصا إبان العهد الملكي الذي تميز عن غيره من العهود التي عاصرتها عفيفة اسكندر.

كانت المطربة الشهيرة مولعة بالأدب إذ كان لديها صالون أدبي كبير يحضره أدباء ومثقفون وشعراء تلك الفترة الزمنية ومنهم حقي الشبلي، حسين مردان، مصطفى جواد، والشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، كما كان مجلسها في ذلك الوقت يضم ابرز رجالات السياسة الذين كانوا يحرصون على حضور النقاشات ومنهم نوري سعيد رئيس وزراء العهد الملكي، وفائق السامرائي عضو مجلس الأمة، والنائب حطاب الخضيري وآخرون غيرهم.

كثيرة هي الألقاب والتوصيفات التي أطلقت على عفيفة إسكندر من قبل محبيها وعشاقها أو من قبل الإعلام المحلي والعربي، منها على سبيل المثال لا الحصر «فاتنة بغداد» و«معشوقة بغداد» و«شحرورة العراق» كما لقبها الإعلام العربي.

لكن هذا العطاء الفني الذي قدمته «فاتنة بغداد» واستمر لعقود من الزمن وأطربت معه الأجيال، تم تناسيه أو نسيانه فالمرأة التي تبلغ من العمر (91) عاما تعيش حاليا أوضاع صحية ومعيشية مزرية، إذ ترقد طريحة الفراش في شقة مستأجرة في منطقة الكرادة داخل (وسط بغداد) وتقوم برعايتها السيدة «نهرين بيلس يوحنا» وهي امرأة لا تمت بصلة قرابة لعفيفة اسكندر سوى أنها كانت تعيش معها في الحي السكني ذاته منذ أربعين عاما.

(الراي) زارت الفنانة العريقة وأطلعت على أوضاعها الصحية والمعيشية الصعبة، فبحسب وكيلتها فأن المرتب الشهري الذي يبلغ (500) ألف دينار عراقي أي ما يعادل 400 دولار والذي خصصته لها وزارة الثقافة منذ سنوات لا يكفي لتغطية إيجار الشقة السكنية، لكن المدد جاء أخيرا عن طريق رئيس الجمهورية جلال طالباني الذي خصص لها مرتب شهري مقداره (1000) دولار أميركي سيدفع لها مدى الحياة.



طريحة الفراش

الفنانة التي تودد إليها الكثير من رجالات السياسة والمجتمع في عهود سابقة، لجمالها الأخاذ تعاني من وحدة قاتلة إلى جانب آلامها وعوق الذي يمنعها من التحرك والنطق أيضا ويجعلها طريحة الفراش لمعظم ساعات يومها الذي تقضيه غارقة في النوم تستيقظ فقط لساعات معدودة من اجل الاستحمام وتناول الطعام وغالبيته على شكل سوائل والأدوية غير المجدية لحالتها الميئوس منها، لتعود بعدها وتغرق في نوم عميق يستغرق ساعات طويلة، بحسب رفيقتها في السكن السيدة نهرين «أم عيسى».

سيدة الغناء العراقي كما يحلو للبعض توصيفها، لم تتزوج سوى مرة واحدة في حياتها وفي سن مبكرة من رجل مسيحي يكبرها سنا بعشرات السنوات اسمه اسكندر اصطفيان البعض يقول انه تاجر والبعض الآخر يقول انه عازف موسيقي، ولم تنجب منه أطفال وبعد انفصالها عنه ظلت دون زواج رغم العروض العديدة التي قدمت إليها، وفقا للسيدة نهرين.

وعن الوضع الصحي لـ«شحرورة العراق» تقول أم عيسى إن «وضعها الصحي حرج جدا بسبب كبر السن والشيخوخة وهذا واضح من التجاعيد والهالات الزُرق التي غزت وجهها الجميل، أما جسمها فأصبح يعاني من نزيف داخلي تحت الجلد وتظهر بقع حمراء في أنحاء من جسمها»، مؤكدة إن الأطباء يقولون أنها لا تعاني من مرض عضوي بل شيخوخة وزهايمر، وأكثر من مرة دخلت في غيبوبة.

وتسجل وكيلة أعمالها، ملاحظاتها وعتبها على الفنانين والمثقفين الذين تقول «أنهم لا يزورونها ولا يسألون عليها إلا ما ندر، وقلة قليلة منهم يتصلون للاطمئنان عليها بين الحين والآخر عبر الهاتف الجوال، بينما الجزء الأعظم من الفنانين لا يعرفون شيئا عن فنانتهم الكبيرة سنا وتاريخا».

وعلى مدى ساعة ونصف وهي مدة مكوثنا في منزل صاحبة الصوت الشجي، والذي صادف فيه أنها كانت مستيقظة خلال وقت زيارتنا لم تنطق «معشوقة بغداد» بكلمة واحدة عندما حاولنا مع رفيقتها في السكن مرارا استنطاقها حول بعض الأسئلة والذكريات.



عاشقة للعراق

عشقها للعراق وبغداد تحديدا كان وراء رفضها للعديد من الدعوات والعروض التي انهالت عليها من قبل معارفها وأصدقائها للرحيل عنه والإقامة في إحدى الدول الأجنبية أو العربية التي يسكن فيها أولئك الأصدقاء والمعارف منذ عقود حتى أنها لم تترك بلاد الرافدين في فترات الحروب والأزمات التي مرت على هذا البلد.

ورغم ديانتها المسيحية إلا أنها وفي سنواتها الأخيرة كما تقول المرأة التي ترعاها «دائما ما كانت تقرأ آيات من القران الكريم، وتزور المراقد الدينية الشريفة للأئمة الأطهار من آل النبي محمد (ص) في كربلاء والنجف»، مؤكدة أنها كانت دائمة التبرع لدور الأيتام ومراكز أصحاب الاحتياجات الخاصة.

الفنانة اسكندر التي لم تكمل دراستها الابتدائية تتلمذت على يد مشايخ الكُتاب وتعلمت قراءة القران في حينها، لكن هذا لم يمنعها من التألق ثقافيا وأدبيا إذ عرف عنها حفظها لمئات الأبيات الشعرية وإجادتها لتأدية القصائد الشعرية الطويلة، وازدادت ثقافتها مع مضي الزمن خصوصا وانه كان لها مجلس يؤّمه العديد من الأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين العراقيين. وعن الأغاني التي كانت ترددها باستمرار، تقول أم عيسى «تعشق أغنية حركت الروح لمن فاركتهم.. وهي أغنية غنتها بعد مقتل الملك فيصل الثاني الذي كانت تعشقه كما غالبية العراقيين».

وتخبرنا السيدة أم عيسى عن الذكريات القريبة لفنانة العراق، «انه وحتى سنوات قليلة ماضية كانت السيدة عفيفة تردد أغنياتها وأغاني مطربين آخرين في مقدمتهم السيدة أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وناظم الغزالي، أثناء جلسات سمر مع أصدقائها وزوارها»، مشيرة إلى أنها كانت تطرب على مقطع قصيدة دائما ما رددته وهذا نصه :

تعيشُ أنت وتبقى... أنا التي متُ عشقا

حشاك يا نور عيني... تلقى الذي أنا ألقى

يا أنعم الناس بالا... إلى متى فيك أشقى.



نداء استغاثة

ليس صعبا أن تزور المغنية عفيفة اسكندر فهي تستأجر شقة مع وكيلة أعمالها عبارة عن دهليز لا يدخله ضوء الشمس، طريحة الفراش تعيش بين غريمي الألم والعوق، ذاكرة بلا تفاصيل وموهبة أفلت، وصوت أسكتته حنجرة مريضة ولم يبق منه إلا حشرجة أو أنين تخالطه الدموع ووجه غزته التجاعيد واغتالت صفاءه وجماله هالات زرق إثر النزيف الداخلي للجلد.

السيدة نهرين بيلس وكيلة أعمال الفنانة عفيفة اسكندر قالت في مقابلة صحافية اخيراً «بصراحة إن حالتها الصحية تتراجع بشكل كبير كونها مقعدة، وهذا يسبب لها تقرحات في الجلد، وهي ومصابة بكسر في عظم الحوض ووضعها الصحي لا يساعدها على إجراء عملية، كما أنها مصابة بفطريات في الحنجرة ولديها مشاكل في الجلد، كل هذا يستوجب رعاية صحية جيدة».

وبينت بيلس أنها «تقوم برعايتها منذ أكثر من عشر سنوات. لكنها بحاجة لمن يشرف على علاجها كأن تكون ممرضة تزورها بشكل أسبوعي أو يومي لأن نقلها الى المستشفى صعب جدا».

وفيما أكدت وكيلة أعمال عفيفة اسكندر صعوبة وضعها الصحي عادت وكشفت عن رداءة المكان الذي تسكن فيه قائلة «عاشت عفيفة لأربعين عاما في الطابق السادس في عمارة حبّو في الكرادة، وحين ساءت حالتها الصحية وتعرضت لكسر في عظم الحوض، صار من الصعب جدا نقلها إلى الطبيب او المستشفى بل يتطلب الأمر استدعاء الأسعاف لخطورة حملها من قبل الجيران»، وأفادت «طلب صاحب العمارة أن نترك له الشقة ليعيد بناء العمارة، فلم أجد سكنا يناسب ما تتقاضاه حينها إلا هذا المكان، وقد استأجرته بـ600 ألف دينار ومنذ أربع سنوات كنا نتسلم راتبها الشهري من السيد رئيس الجمهورية وأتسلمه من مؤسسة المدى وقدره 1000 دولار».

وناشدت نهرين بيلس الدولة بتخصيص بيت للسيدة عفيفة تعيش فيه ما تبقى من عمرها تدخله الشمس وأستطيع من خلاله أن أنتقل معها إلى الطبيب أو المستشفى على العربة إن استوجب الأمر كونها مقعدة، وأعتقد أنها تستحق ذلك، فقد بذلت عمرها وشبابها في حب الفن وحب العراق، كما وأناشد وزير السياحة أن يعيدني الى عملي على أن أكون في خدمة عفيفة، فقد فصلت من عملي في السياحة في العهد السابق وبعد ان عملت لتسع سنوات على أساس العقد او يحتسب لي راتبا تقاعديا بعد احتساب مدة الفصل خدمة».

وأشارت الى أن «الصحافة لعبت دورا أساسيا في تسليط الضوء على حياة الفنانة عفيفة اسكندر، ودائما ما تتذكرها وتتفقدها، فضلا عن أنها هي من أثارت قضية وقف رواتبها وفعلا تسلمت منحة أولى على أن يعاد لها الراتب الشهري، الإعلام والفضائيات هم الأكثر اهتماما بها، فقد زارها حمودي الحارثي والمخرج جمال محمد فقط لكن لم يزرها أي مطرب أو فنان».

وتلفت نهرين بيلس الى أن «جليستها عفيفة كانت تستطيع الكلام قبل مدة، فتتحدث لي عن الحفلات او الجلسات الأدبية، لكنها تتحاشى الحديث عن أسرارها وتفاصيل حياتها الشخصية، وأعتقد انها لم تتحدث بذلك للصحافة أبدا، وكثيرا ما أوصتني بأن تدفن في بغداد وبالقرب من قبر والدتها».

وتابعت «حين أتصفح الصور وأقلب بعض الأوراق أجدها عاشت مجدا وكبرياء عاليين، وهي حتى الآن حنونة رقيقة تتعامل معي كأم، وحين صمتت وأصبح صوتها عبارة عن أنين صرت أتألم حين أسمعها وأريدها أن تفسّر لي ما يؤلمها، لكن ما يؤلمها أشد من المرض وأشد من وجع الجسد».

ترقد عفيفة اسكندر... بأنتظار الموت بعد أن غنت ما يصل الى 1000 أغنية، لحّن لها عباس جميل ورضا علي وياسين الراوي واحمد الخليلي، وغنت حين كانت الساحة الفنية ثرية بأصوات منيرة الهوزوز وسليمة مراد وزهور حسين وزامنتها أحلام وهبي ونرجس شوقي وغادة سالم ومائدة نزهت، توقفت في الثمانينات حين غنت في نادي الصيد العراقي (يا يمه انطيني الدربين)

«فاتنة بغداد» تعيش في فراشها عاجزة وقد أنهكتها أمراض الشيخوخة، وتطلق مرافقتها التي تعتني بها صرخة استغاثة بعد أن توقفت المخصصات المالية التي كانت تصلها من الدولة، عفيفة التي أمتعت الملايين وتعتبر جزءًا لا يتجزأ من تاريخ العراق الفني لا يمكن أن ترحل مهانة منسية. صرخة إستغاثة ننقلها الى من يهمه الأمر.

وأطلقت المرأة التي ترعى المطربة العراقية الكبيرة عفيفة اسكندر صوت إستغاثة لإيلاء رعاية خاصة للفنانة القديرة في أواخر أيامها بعد أن تردت حالتها الصحية، وأخذت الشيخوخة منها مأخذاً، وتتمثل هذه الاستغاثة في عدم وجود أي مصدر مادي لتأمين مستلزمات الراحة وإيجار البيت ومتطلبات ضرورية أخرى.

كان ذلك الصوت أول ما سمعناه من هذه المرأة التي تعيش مع عفيفة اسكندر في الطابق الثاني من عمارة في الكرادة الشرقية، وقد زرتها مع الفنان حمودي الحارثي الذي هو الآخر تأسى لحالها وأستنجد بشخص عراقي محب لعفيفة قال انه يسكن في المانيا حالياً، كان قد أغدق عليها عام 1997 ما لم يخطر على بال أحد!!.

ومن يرى عفيفة إسكندر الآن لا يملك الا أن يردد مع نفسه (الا ليت الشباب يعود يوماً)، وتلك الصور في بيتها لم تزل تحكي قصة مسيرتها الثرية، وأي شباب كان لعفيفة اسكندر التي كانت محاطة بالناس، والعيون تتطلع اليها، والنفوس تهفو اليها، فيما هي الان مستسلمة للآتي غير قادرة على أن تحرك ساكناً، ليس هنالك سوى جسد مسجى ونفس يصعد وينزل، ولكنها تحتاج الى أن ترحل بسلام، لم يعد في العمر الذي وصلت الى 91 منه امتدادات بهيجة، لكن الإيمان بالموت لا يدعو الى الفزع بل بالرضا بقضاء الله وقدره.



لا تحرك ساكنا

حين قمنا بزيارتها واطلعنا على حالها كان لابد للدموع ان تترقرق والعيون تنظرها، كانت مستغرقة في نومها الطويل متدثرة ببطانية ناعمة وتلف رأسها بمنديل احمر، فيما ظهرت على صفحات وجهها الابيض آثار الصحة المتدهورة وآثار (سقطة) على الارض، حاولنا ان نتحدث معها، حاولنا ولكن ردتها باغماضة مرغمة، هل ثمة ابتسامة معبرة لالتقاط صورة، تحاول ان تجعل شفتيها تفتر ولكن سرعان ما تخبو، إنها تنام طويلاً وتصحو للحظات، جسدها يسترخي مع الهواء البارد المنعش الذي ينفثه مكيف الهواء، لكن المكيف يحتاج الى عدد كبير من أمبيرات الكهرباء، وهذه الأمبيرات لدى المولدة الكهربائية التي في الشارع لكن صاحبها يريد مقابلها مالاً، فيما هي خاوية الوفاض!!

تقول أم عيسى، التي تقوم على رعاية عفيفة حباً بها منذ سنوات: حالياً.. لا يوجد لديها راتب، دائرة الفنون الموسيقية التي خصصت لها مبلغ 500 ألف دينار عراقي، خصص منها 300 الف مفيد الجزائري عندما كان وزيرا للثقافة كمساعدة لها ثم جاءت الـ 200 الاخرى من وزير الثقافة، ولكن منذ أربعة اشهر لم نستلمها، ولا أعرف السبب الحقيقي أو القصة الحقيقية، ما أريد ان اوصله الى من يهمه الأمر أن البيت الذي تسكن فيه عفيفة اسكندر ليس فيه فلوس، نحن نعتمد على هذا الراتب والراتب الذي خصصه لها الرئيس جلال طالباني، والذي لم نأخذه هذا الشهر وقد إتصلنا بهم وقيل لنا انهم أرسلوا كتاباً للرئاسة، والذي فهمته أن المنافع الاجتماعية توقفت، طيب.. كيف لهذه المرأة أن تعيش؟ فالمتطلبات كثيرة، إيجار البيت 550 ألفاً دينار، إيجار المولدة الكهربائية 210 آلاف دينار، والحارس 15 ألف، ولا أريد ان احدثك عن أشياء كثيرة تحتاجها عفيفة كونها امرأة عاجزة ولا تستطيع التحرك، منها دواء (5 حبات لخمسة ايام بـ 28 الف دينار) بالإضافة لمستلزماتها الخاصة، وعلى الرغم من أنها لم تعد تأكل مثل السابق الا انها تحتاج العصائر الطازجة، وانا لا حول لي ولا قوة، فمن يعطيني، هذا الشهر تكرم علينا بعض الاصدقاء بمبالغ لسد الاحتياجات، ولكن الشهر المقبل كيف اتدبره، من اين اجلب المال اللازم لتسديد الايجارات والاحتياجات، قل لي ماذا افعل؟

واضافت: وضعها الصحي كله بسبب كبر السن والشيخوخة، وقد سقطت من السرير قبل أيام وتضرر وجهها، اما جسمها فأصبح يعاني من نزيف داخلي (تحت الجلد) وتظهر بقع حمراء في انحاء من جسمها، الاطباء يقولون انها لا تعاني من مرض عضوي بل شيخوخة وزهايمر، واكثر من مرة دخلت في غيبوبة، انها تحتاج الى ممرضة تسكن معها في البيت ولكن قل كم تتقاضى الممرضة ومن اين نعطيها اجورها.

وتابعت : عفيفة.. لا تتكلم، ولا أسمع منها الا كلمة نعم عن اي شيء لكنني افهم ما تريده، انها لا تطلب اي شيء، تريد ان تنام فقط، كانت تجلس على الكرسي القريب من السرير لكنها الان لا تستطيع الجلوس لان ظهرها تقوّس، احيانا احاول ان اجعلها تسمع اغانيها ولكنها ترفض، لم تعد مثل السابق، صارت تضجر من الصوت العالي، عفيفة ليس لديها اي اقارب، انا منذ ست سنوات معها ولم يأتني احد ليقول انه من اقاربها، ولكنني ابحث الان عن حلول لكي تموت هذه المرأة بكرامة، ان تموت بسلام ودون ان تتعذب اكثر فيما تبقى من ايامها، فهي تتغير نحو الاسوأ سنة بعد سنة، وشهراً بعد شهر، ويوماً بعد يوم، انا اؤمن بالموت والحياة، وربما انا اموت قبلها، ولكن علينا ان نبذل قصارى جهدنا لكي ترتاح هذه الفنانة الكبيرة.

لم ينته كلام ام عيسى، لم تنته استغاثتها ولم يتبخر بعد نداؤها، النداء الذي لابد ان يصل الى من يهمه الامر، الى الانسان الذي فينا عسى ان نخدم هذه المرأة كونها انسانة ووحيدة وكبيرة في السن، ان نمنحها هدوءاً وسكينة في أواخر ايامها قبل ان تصبح اعز الاعزاء و (فاتنة بغداد) فعلا حين ينعاها الناعي وتقام لها احتفاليات وتكريمات هي بحاجة اليها الان وليس غداً.

 

عفيفة



بطاقة شخصية

عفيفة اسكندر

• تاريخ ولادتها...

12 10 1921

• محل ولادتها... سورية

• الديانة... مسيحية

• الحالة الزوجية... مطلقة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي