د. حسن عبدالله عباس / طبيب «بو عصاية»

تصغير
تكبير
ينقل لي أحد الأصحاب بأن له زميلاً في مهنة طب الأسنان لا يُتعب حاله كثيراً، فباستمرار عيادته خالية من المرضى! وإن وُجد مريض على بابه فهو بالتأكيد لم يسمع عن طبيبنا ومدى «كفاءته». ينقل الزميل بأن هذا الطبيب لا يستغرق تشخيصه أكثر من دقيقة واحدة من لحظة دخول المريض إلى كتابة «الروشته»! لا تستغرب، فأقصى ما يقوم به طبيبنا تقليب لسان المريض بعصاة وبصبصة في الفم، ومن ثم «باندول» لزوم «الكشخة». ويزيد الزميل بأن طبيبنا «بو عصاية» فيما لو قرر أن يمسك بأي أداة من أدوات عيادة الأسنان فتلك ساعة تعذيب المريض!
الأخطاء الطبية التي «فاحت ريحتها»، خصوصاً في الأيام الأخيرة، دليل جديد على مدى تهاوي المستوى الصحي في البلد. والصورة الحقيقية لتدهور الصحة ليست في المباني والأجهزة بقدر ما هي بالفساد الضارب بأطنابه في كل شيء حتى بلغ نخر السوس «السياسي» بعظم الجسد الطبي، مع بالغ الأسف.
لا أخفيكم سراً أن ما تنشره الصحف من تنابز وتشاتم بين أعضاء القطاع الصحي تشعرنا بالسعادة، وهي ظاهرة صحية أتمنى أن تستمر حتى نعي أسرار هذه الصناعة، بمعنى أن هذا السقف من الحرية المرتفعة بصّرنا نحن المجتمع والحكومة والمجلس بمقدار خلل هذه المؤسسة المصيرية بالنسبة إلينا جميعاً، وأتمنى أن يعي المسؤولون والتشريعيون والناس جميعاً مدى الخراب الذي لم يستثنِ أفراداً أعطيناهم ثقة التصرف بأبداننا!

هذا التنابز المستمر بين مجتمع الأطباء سواء في مستشفى العدان أو في غيرها من المراكز الصحية بالدولة تعني أن المستوى الصحي المتدهور في الدولة هو بسبب الفساد المستشري بجميع المستويات التعليمية والرقابية والإدارية، وصولاً إلى المجلس التشريعي المناط به وظيفتي التشريع والرقابة.
فالأخطاء الطبية تعني بصورة بسيطة أن النظام التعليمي فيه من الشوائب وبحاجة إلى مراجعة. كذلك هذه الأخطاء تعني وبصورة أخرى أن النظام الإداري في المؤسسات الطبية والمراكز الطبية المنتشرة في البلد هي الأخرى تعاني من خلل واضح. فليست الإدارة كالطب، فالإدارة تخصص قائم بذاته، ومن ثم يجب أن تُناط مهمات الإدارة إلى أهل هذا التخصص وليبتعد متخصصو الطب عن هذه المواقع. أما أشد هذه الفئات وأكثرها تحملاً للمسؤولية، وهو مجلس الأمة المناط بها وظيفتي الرقابة والتشريع، فأعضاء هذه السلطة مشغولون بتحصيل رصيد الأصوات بالمسير في أروقة الوزارات، ولو على حساب حياة البشر. والناس لم تنسَ قبل أشهر تدخلات ذاك النائب «الإسلامي» الذي غيّر قرار اللجان الأكاديمية في كلية الطب التي حكمت بفشل وسقوط أحد الطلاب إلى نجاح، ليضاف على قائمة «أطباء بو عصاية»! فهذه الواسطات هي واحدة من مسببات هذا التهالك الطبي الذي نعاني منه، والخافي أعظم مع وجود بقالات توزع الشهادات قدّرها حسن جوهر بالآلاف، فمرحباً يا أطباء «بو عصاية» فأنتم بالكويت!
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي